تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران
28 يناير,2018
القرآن الكريم
919 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
114
((يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) إيماناً صحيحاً ((وَ)) يؤمنون بـ ((الْيَوْمِ الآخِرِ)) عن حقيقة فإن مَن آمن حقيقة بالحساب إنقلع عن الكفر والمعاصي ((وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)) فإن المعتقد بيوم الحساب يُسارع في الخير حيث لا يدري أي يوم يموت فينقطع عمله ولا يتمكن من المزيد وكان الإتيان بباب المفاعلة للإشارة الى تسابق بعضهم بعضاً ((وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)) الذين يُصلحون ولا يُفسدون، وبتعبير آخر أعضاء صالحة في المجتمع وليسوا كما ذكر الكفار من أهل الكتاب أنهم أشرارهم، بل هم من أفضل الأخيار والصلحاء.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
115
((وَمَا يَفْعَلُواْ))، أي ما يفعله هؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب ((مِنْ خَيْرٍ)) من طاعة وعبادة ((فَلَن يُكْفَرُوْهُ))، أي لن يمنع عنهم جزائهم بخلاف سائر الكفار الذين تُحبط أعمالهم لكفرهم كرماد إشتدت به الريح في يوم عاصف ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)) يعلم أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم على حسناتهم.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
116
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) بالله ورسوله ((لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ))، أي لن تفيد لهم ولن تدفع العذاب عنهم ((أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم)) فالمال والولد إنما ينفعان في الدنيا حيث يردّان المكروه بالرشوة والهدية والصلة، والمدافعة والمناصرة ((مِّنَ اللّهِ))، أي من عقاب الله وعذابه ((شَيْئًا)) ولو ضئيلاً ((وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)) الذين يلازمونها كما يُقال صاحب فلان لمن يلازمه ((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد، وقد تكرر أن الخلود للمعاند كما في دعاء كميل “من المعاندين” أما القاصر فإنه يُمتحن هناك كما دلّ عليه العقل والشرع.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
117
وحيث تقدّم حال المؤمن وحال الكافر، ذكر حال إنفاق الكافر مقابلة لما تقدّم من خير المؤمن في قوله (وما يفعلوا من خير) ((مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ))، أي ينفقه الكفار ((فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) وكان ذكر هذه الخصوصية مع وضوحها للإشارة الى أن الحياة التي هي مزرعة ومن المقتضى أن ينمو ويبقى أثره للإنتفاع به في الآخرة، لا ينفع الكافر ((كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ)) الصِر هو البرد الشديد، أو السموم الحارة ((أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ)) فإنفاقهم كالحرث وكفرهم الموجب لبطلانه كالريح السامة ((ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ)) بأن زرعوا في غير موقع الزراعة في مهب الأرياح أو في غير أوانه كالشتاء مثلاً لو زرعوا بذور الصيف، أو المراد ظلموا أنفسهم بالمعصية فسلّط الله عليهم الريح كما قال (ولو أن أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وإنما أوتي بهذه الجملة لظلم الكفار أنفسهم كظلم صاحب الحرث ((فَأَهْلَكَتْهُ))، أي أهلكت الريح الحرث -وهو الزرع- ((وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ)) في إبطال نفقاتهم، أو في إهلاك الريح حرثهم ((وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) بكفرهم أو بظلمهم، ولا يخفى أن قوله “مثل ما يُنفقون” “كمثل ريح” ليس المراد أن الإنفاق كالريح، بل يضرب المثل فيما كان المجموع من الأصل والشبه مرتبطين وإن كان مفردات الشبه لم تُذكر حسب السياق اللفظي، كما تقول “مثل زيد في تكلمه كمثل صوت الحمار” فالجملة شبهت بالجملة لأن الصوت شبهت بزيد والحمار بالتكلم كما يقتضيه السياق اللفظي في الترتيب.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
118
وفي سياق الكلام عن أحوال أهل الكتاب وبيان أنهم مختلفون مع المسلمين في العقيدة والعمل يأتي دور أن المسلم لا ينبغي له أن يتخذ صديقاً من هؤلاء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ))، أي لا تتخذوا الكفار الذين هم غير المسلمين بطانة، وهي خاصة الرجل الذي يسرّ إليه بأمره ويستبطن خبره من بطانة الثوب الذي يلي البدن لقربه منه، و”من” للتبيين كأنه قال بطانة من المشركين، فقد كان المسلمون يواصلون رجالاً من أهل الكتاب لسابق صداقة أو قرابة أو جوار أو نحوها فنُهوا عن ذلك، ثم بيّن سبحانه سبب ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بـ “دونكم” المنافقين، كما في بعض التفاسير بدليل قوله “قالوا آمنّا” فإنهم ((لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً)) لا يألونكم أي لا يقصرون بالنسبة إليكم، والخبال الفساد، أي هؤلاء البطانة لا يقصرون في فساد أمركم ولا يتركون جهدهم في مضرتكم ((وَدُّواْ))، أي أحبّوا ((مَا عَنِتُّمْ))، أي عنتكم، والعنت المشقة، وهذه كلها من صفات الأعداء ((قَدْ بَدَتِ))، أي ظهرت ((الْبَغْضَاء)) والعداوة ((مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)) فإن فلتات كلامهم تدل على عداوتهم الكامنة ((وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ)) من الحقد لكم والعداوة ((أَكْبَرُ)) مما تظهر من ألسنتهم ((قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ)) أيها المسلمون المؤمنون ((الآيَاتِ)) والحجج التي بها تميّزون الصديق من العدو ((إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)) لكم عقل وإدراك.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
119
ثم بيّن سبحانه أنه كيف يمكن أن يحب المؤمن هؤلاء مع أنهم أعدائه ومع الإختلاف بينهم في العقيدة ((هَا)) تنبيه ((أَنتُمْ أُوْلاء))، أي الذين ((تُحِبُّونَهُمْ))، أي تحبون هؤلاء الكفار ((وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ)) لأنهم يريدون لكم الكفر والضلالة ((وَتُؤْمِنُونَ)) أنتم ((بِالْكِتَابِ كُلِّهِ)) وهم لا يؤمنون إلا ببعض الكتاب أما بعض الكتاب الآخر الذي فيه أوصاف محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإيمان به فلا يؤمنون به، أو المراد بـ “كله” أي جنس ما نزل على أنبياء الله، بخلافهم فإنهم لا يؤمنون بكتاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَإِذَا لَقُوكُمْ)) من الملاقات، أي رأوكم ((قَالُواْ آمَنَّا)) نفاقاً منهم لا أن الإيمان دخل قلوبهم، ويُحتمل أن يُراد الكفار، فإن من يتظاهر بالصداقة كثيراً ما يظهر قبول ما عليه صديقه مع أنه ليس بصبغة صديقه، وهذا بناءً على أن قوله “من دونكم” للكفار لا للمنافقين ((وَإِذَا خَلَوْاْ))، أي خلى بعضهم مع بعض ((عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ))، أي يعضون أطراف أصابعهم ((مِنَ الْغَيْظِ)) عليكم كيف تقدمتم وقوي دينكم ((قُلْ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم ((مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ)) فإن الغيظ لا يبرحكم فإن المسلمين يتقدمون ويستمرون في أعمالهم، أو دعاء عليهم ((إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) التي تضمن النفاق والكيد للمسلمين، فيجازيهم بما إقترفوه من الآثام والذنوب و”ذات الصدور” بمعنى بتلك الصدور.
2018-01-28