البدعة مفهومها وحدودها
26 ديسمبر,2017
بحوث اسلامية, صوتي ومرئي متنوع
939 زيارة
رابعاً: نفي الرؤية
والقول برؤية الله تعالى يوم القيامة هو واحد من نماذج القصور في الفهم التي وقع فيها أصحاب التشبيه وغيرهم، فلننظر إلى دور أهل البيت عليهم السلام في تصحيح الاعتقاد في هذه الناحية أيضاً:
1 ـ عن عبدالله بن سنان عن أبيه قال: حضرتُ أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أيَّ شيء تعبد ؟ قال عليه السلام: « الله، قال: رأيته ؟ قال عليه السلام: لَمْ تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يُعرف بالقياس، ولا يُدرك بالحواس، ولا يشبه الناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلاّ هو»، قال: فخرج الرجل وهو يقول: اللهُ أعلم حيثُ يجعل رسالته(2).
2 ـ عن أحمد بن اسحاق، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس، فكتب عليه السلام: «لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذهُ البصر، فإذا انقطع الهواء وعُدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لاَنَّ الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان في ذلك التشبيه لاَنَّ الاَسباب لا بدَّ من اتصالها بالمسببات»(3).
____________
(1) الاحتجاج، للطبرسي 2: 379 | 285.
(2) التوحيد، للصدوق: 108 | 5 باب 8.
(3) التوحيد، للصدوق: 109 | 7 باب 8.
3 ـ وروي عن الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ:(وُجُوهٌ يَوْمَئذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(1)، قال: «يعني مُشرقة تنتظر ثواب ربها»(2).
4 ـ عن أبي هاشم الجعفري قال: سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الله عزَّ وجل هل يوصف فقال عليه السلام: «… أما تقرأ قوله تعالى:(لا تُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَبْصَارَ)(3)قلتُ: بلى، قال عليه السلام: فتعرفون الاَبصار ؟ قلتُ: بلى، قال عليه السلام: وما هي ؟ قلتُ: أبصار العيون، فقال عليه السلام: إنّ أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون، فهو لا تدركه الاوهام وهو يدرك الاوهام»(4).
خامساً: التصوّف والرهبنة
1 ـ دخل أمير المؤمنين علي عليه السلام على العلاء بن زياد الحارثي ـ يعوده ـ فلما رأى سعة داره قال عليه السلام: «ما كنتَ تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتُطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.
فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد، قال عليه السلام: وما له ؟ قال: لبس العباءة وتخّلى عن الدنيا، قال: عليَّ به ـ فلما
____________
(1) القيامة 75: 22 ـ 23.
(2) التوحيد، للصدوق: 116 | 19 باب 8.
(3) الانعام 6: 103.
(4) التوحيد، للصدوق: 112 ـ 113 | 11 باب 8.
جاء قال عليه السلام ـ يا عُديَّ نفسه ! لقد استهام بك الخبيث ! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلَّ لك الطيبات، وهو يكره أن تأخذها ! أنت أهون على الله من ذلك.
قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك ؟ قال عليه السلام: ويحك، إنّي لستُ كأنت، إنّ الله تعالى فرضَ على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفةِ الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره»(1).
2 ـ عن علي بن جعفر قال: سألتُ أخي موسى عليه السلام عن الرجل المسلم هل يصلح له أن يسيح في الاَرض أو يترّهب في بيت لا يخرج منه ؟ قال عليه السلام: «لا»(2).
سادساً: مواجهة حركة الغلاة
لقد واجه أهل البيت عليهم السلام الغلاة وحاربوهم وأفسدوا إدعاءاتهم الباطلة بعدّة أساليب منها: ـ
الاَول: البراءة منهم ولعنهم. فحين أظهر أبو الجارود بدعته، تبرّأ منه الاِمام الباقر عليه السلام وسمّاه باسم الشيطان سرحوب، مبالغة في التنفير منه(3).
ولعنه الاِمام الصادق عليه السلام ولعن معه كثير النوّاء وسالم بن أبي حفصة، فقال عليه السلام: «كذّابون مكذّبون كفار، عليهم لعنة الله»(4).
وهكذا لعنوا المغيرة بن سعيد، وأبا الخطّاب، وبيان وغيرهم، ولمّا
____________
(1) نهج البلاغة: الخطبة 209.
(2) مسائل علي بن جعفر: 116 | 50.
(3) رجال الكشي 2: 495 | 413.
(4) رجال الكشي 2: 496 | 416.
وقفوا على بدعة ابن كيّال تبرّأوا منه ولعنوه(1).
الثاني: التحذير منهم وكشف أكاذيبهم. كلما ظهر رجل مغالي أبعدوه ولعنوه وتبرّأوا منه، ثم أمروا شيعتهم بمنابذته وترك مخالطته(2)ثم نبّهوا الناس من أتباعهم ومن غيرهم إلى أنّ هؤلاء كذّابون يفترون على أهل البيت عليهم السلام الاَباطيل وينسبون إليهم ما لم يقولوا به:
قال الاِمام الصادق عليه السلام: «كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذر على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدّس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم أن يبثّوها في الشيعة، فكلّ ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلوّ فذلك ما دسّه المغيرة ابن سعيد في كتبهم»(3).
ومن جانب آخر يبين الامام الصادق عليه السلام لشيعته الطريق الاَمثل لتشخيص أقوال المغالين من خلال عرض ما يأتيهم من أحاديث منسوبة لاَهل البيت عليهم السلام على الكتاب والسُنّة ومقارنتها بأحاديثهم المتقدمة فيقول عليه السلام: ـ «لاتقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسُنّة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ماخالف قول ربّنا تعالى وسُنّة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم فإنا إذا حدّثنا قلنا: قال الله
____________
(1) الملل والنحل، للشهرستاني 1: 161، وهو أحمد بن كيّال، وأصحابه الكيّالية، من فرق الغلاة.
(2) الملل والنحل، للشهرستاني 1: 161. رجال الكشي 2: 493 | 405.
(3) رجال الكشي 2: 491 | 402.
عزَّوجلَّ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).
فكان أصحابهم من ذوي البصيرة وذوي التحقيق يدّققون النظر في كتب الحديث، فربّما تحسسّوا الدخيل فيها، وربما عرضوها على الاَئمة أنفسهم فأثبتوا الصحيح منها وأسقطوا الدخيل.
يقول يونس بن عبدالرحمن: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبدالله عليه السلام متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعدُ على أبي الحسن الرضا عليه السلام فانكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبدالله عليه السلام وقال لي: «إن أبا الخطّاب(2)كذّب على أبي عبدالله عليه السلام لعن الله أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب، يدسّون هذه الاَحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدالله عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السُنة إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث، ولا نقول قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا، وكلام أوّلنا مصدّق كلام آخرنا، فإذا آتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به، فإنّ مع كلِّ قول منّا حقيقة وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان»(3).
وكان ذوو الذوق السليم والايمان الصحيح يتحسّسون ذلك أيضاً، جاء أبو هريرة العجلي الشاعر إلى الاِمام الباقر عليه السلام فانشده:
____________
(1) رجال الكشي 2: 489 | 401.
(2) اختلفوا في اسمه واشتهر بكنيته.. قال بعضهم: اسمه محمد، وآخرون قالوا: اسمه زيد وهو من الموالي ومن زعماء الغلاة في عصر الاِمام الصادق عليه السلام.
(3) رجال الكشي 2: 489 ـ 491 | 401.
أبا جعفر أنت الوليّ أحبّهُ * وأرضى بما ترضى به وأتابعُ
أتتنا رجالٌ يحملون عليكمُ * أحاديث قد ضاقت بهنَّ الاَضالعُ
أحاديث أفشاها المغيرةُ فيهمُ * وشرُّ الاُمورِ المُحدَثاتُ البدائعُ(1)
الثالث: الردّ على مقالاتهم الباطلة. لقد كان أولئك الغلاة يكذبون على أهل البيت عليهم السلام وكانوا يتحاشون ذلك، فلما أراد ابن أبي العوجاء الزنديق أن يناظر الاِمام الصادق عليه السلام حذّره ابن المقفع، وقال له: لا تفعل، فإنّي أخاف أن يفسد عليك ما في يدك(2).
وكان أهل البيت عليهم السلام إذا بلغتهم المقالة الفاسدة من الغلاة فيهم خاصة ردّوها جهرة وأثبتو للناس الحق الذي في خلافها.
ادعى كثير من الغلاة تأليه الاَئمة عليهم السلام، أو حلول الروح الالهية فيهم، فكان من ردّهم على هذه الدعوى قول الاِمام الصادق عليه السلام: «لعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا»(3).
وردّ الاِمام الصادق عليه السلام دعوى اولئك الذين قالوا: إنّ الله خلق الاَئمة ثم جعل بايديهم الخلق والرزق، إذ جاء نفر من أصحابه عليه السلام فقالوا له: (زعم أبو هارون المكفوف إنّك قلت له: إن كنت تريد القديم فذاك لا يدركه أحد، وإن كنت تريد الذي خلق ورزق فذاك محمد بن علي ! يعني الباقر عليه السلام).
____________
(1) عيون الاخبار، لابن قتيبة 2: 151 كتاب العلم والبيان.
(2) الكافي، للكليني 1: 74 | 2 كتاب التوحيد.
(3) رجال الكشي 2: 489 | 400.
فقال الاِمام الصادق عليه السلام: «كذب عليَّ، عليه لعنة الله، والله ما من خالق إلاّ الله وحده لا شريك له، حقّ على الله أن يذيقنا الموت، والذي لا يهلك هو الله خالق وبارىء البرية»(1).
____________
(1) رجال الكشي 2: 488 | 398. ولمزيد من التفصيل راجع كتاب تاريخ الاِسلام الثقافي والسياسي ـ مسار الاِسلام بعد الرسول ونشأة المذاهب، للاُستاذ صائب عبدالحميد: 817 ـ 827.
https://t.me/wilayahinfo
[email protected]
الولاية الاخبارية
2017-12-26