دور أهل البيت عليهم السلام في محاربة البدع
يطول بنا المقام حين نحاول استقصاء دور أئمة أهل البيت عليهم السلام في مواجهة البدع ومحدثات الاَُمور والضلالات التي نشأت منذ أول يوم ارتحل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملاَ الاَعلى، فقد كانوا وخلال مختلف الاَدوار التي مرّت بها الاُمّة الملاذ والمنهل الذي يجد عنده الصادي الرواء، والمتعطش للعلم والمعرفة ما يروي به حبّه للعلم من مصادره الاَصيلة الحيّة المتصلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ في حياة أمير المؤمنين علي عليه السلام ومواقفه قبل خلافته وتسلّمه العملي للسلطة وفي حياة ابنه الامام الحسن عليه السلام والامام الحسين عليه السلام وبقية الاَئمة الطاهرين آيات باهرات من المواقف التي بقيت خالدة على مرَّ التاريخ. لكننا مع ذلك نكتفي ـ وانسجاماً مع طبيعة الاختصار في هذا البحث ـ بإيراد مجموعة من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام والتي عالجت أو تصدّت لبدعة محدثة من الاَُمور ليست من الدين في شىء، وسوف نوزع تلك النصوص الشريفة على موضوعاتها المتعلقة بها تيسيراً للتناول.
أولاً: الجبر والتفويض
من المقولات المحدثة في هذه الاُمّة مقولة الجبر التي روّج لها
|
الصفحة 64 |
|
الاَمويون لتثبيت سلطانهم، وتبنّتها طائفة من المسلمين، الاَمر الذي دعا إلى ظهور مقولة مضادة تقف في الطرف الآخر منها، وهي مقولة التفويض المطلق التي قال بها المعتزلة، وطال النزاع الكلامي بين أصحاب المقولتين، فكان لكلِّ منها أتباع يروّجون لها، فكانتا سبباً في اضطراب عقيدي كبير وفتن واسعة، فتصدى أئمة أهل البيت عليهم السلام للمقولتين معاً، في دور طويل من الكفاح في دفع الشبهات، وهداية الناس إلى المحجة البيضاء والصراط المستقيم، ومن كلماتهم عليهم السلام في هذين المقولتين:
1 ـ عن الاِمامين الباقر والصادق عليهما السلام قالا: «إنَّ الله عزَّ وجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقهُ على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون قالَ فسُئلا عليهما السلام: هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا: نعم، أوسع مما بين السماء والاَرض»(1).
2 ـ عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: «الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقونه، والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد»(2).
3 ـ عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ الناس في القدر على ثلاثة أوجه، رجل يزعم أنَّ الله عزّ وجل أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أنَّ الاَمر مفوّض اليهم، فهذا قد أوهن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يزعم أنَّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلّفهم ما لا يطيقون، وإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، فهذا
____________
(1) التوحيد، للصدوق: 360 | 3 باب 59.
(2) التوحيد، للصدوق: 360 | 4 باب 59.
|
الصفحة 65 |
|
مسلم بالغ..»(1).
4 ـ عن محمد بن عجلان قال: قلتُ لاَبي عبدالله عليه السلام: فوَّض الله الاَمر إلى العباد ؟ فقال: «الله أكرم من أن يفوّض إليهم، قلتُ: فأجبر الله العباد على أفعالهم ؟ فقال: اللهُ أعدل من أن يجبر عبداً على فعلٍ ثم يعذّبه عليه»(2).
5 ـ عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، وقد ذُكر عنده الجبر والتفويض، فقال عليه السلام: «ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه، ولا تخاصمون عليه أحداً إلاّ كسرتموه ؟ قلنا: إنّ رأيت ذلك، فقال عليه السلام: إنّ الله عزَّ وجل لم يُطَع باكراه، ولم يُعصَ بغلبة، ولم يُهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العبادُ بطاعته لم يكن الله عنها صادّاً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه، فليس هو الذي أدخلهم فيه ـ ثم قال عليه السلام ـ من يضبط حدود هذا الكلام فقد خَصَم من خالفه»(3).
الولاية الاخبارية