الرئيسية / بحوث اسلامية / فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

عقلي ولا منطقي كقوله: بأن الصلاة لا يمكن الشك فيها لأن رسول الله فعلها طيلة حياته وفي كل يوم خمس مرات، أما الرجم فلا يمكن الاطمئنان إليه لأنه لم يفعله في حياته غير مرة أو مرتين – وكقوله بأن الرسول لا يخطئ عندما يأمره الله بأمره. أما عندكم يحكم بفكره فهو ليس معصوم، ولذلك كان الصحابة يسألونه في كل أم، هل هو من عنده أم من عند الله، فإذا قال هو من عند الله امتثلوا بدون نقاش، وإذا قال هو من عندي، عند ذلك يناقشونه ويجادلونه وينصحونه ويتقبل نصائحهم وآراءهم، وقد ينزل القرآن أحيانا موافقا لآراء بعض الصحابة ومخالفا لرأيه كما في قضية أسرى بدر، وقضايا أخرى مشهورة.
وحاولت بدوري إقناعه ولكن بدون جدوى – لأن علماء أهل السنة والجماعة مقتنعون بذلك وصحاحهم مشحونة بمثل هذه الروايات التي تخدش في عصمة الرسول وتجعل منه شخصا أقل مستوى من الرجل الذكي، أو القائد العسكري، أو حتى شيخ الطريقة عند الصوفية، ولست مبالغا إذ قلت أقل مستوى حتى من الرجل العادي، فإذا ما قرأنا بعض الروايات في صحاح أهل السنة والجماعة يتبين لنا بوضوح إلى أي مدى وصل التأثير الأموي في عقول المسلمين، من عهدهم وبقيت آثاره حتى يوم الناس هذا.
وإذا ما بحثنا الغرض أو الهدف من ذلك فسوف نخرج بنتيجة حتمية ومرة ألا وهي:
أن أولئك الذين حكموا المسلمين في عهد الدولة الأموية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، لم يعتقدوا يوما من الأيام بأن محمدا ابن عبد الله، هو مبعوث برسالة من عند الله أو هو نبي الله حقا. وأغلب الظن أنهم كانوا يعتقدون بأنه كان ساحرا وقد تغلب على الناس وشيد ملكه على حساب المستضعفين من الناس وبالخصوص العبيد الذين أيدوا دعوته وناصروه. وليس هذا مجرد ظن فإن بعض الظن إثم ولكن عندما نقرأ في كتب التاريخ لنتعرف على شخصية معاوية وأحواله. وما فعله طيلة حياته

(٤١)

خصوصا مدة حكمه فالظن يصبح حقيقة لا مفر منها.
فكلنا يعرف من هو معاوية. ومن هو أبوه أبو سفيان ومن هي أمه هند فهو الطليق ابن الطليق الذي قضى شبابه في رحاب أبيه وفي تعبئة الجيوش لمحاربة رسول الله والقضاء على دعوته بكل جهوده حتى إذا ما فشلت جميع محاولاته وتغلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه وعلى أبيه استسلم للأمر الواقع في غير قناعة، ولكن الرسول لكرمه ولعظمة خلقه عفى عنه وسماه الطليق، وبعد موت صاحب الرسالة حاول أبوه إثارة الفتنة والقضاء على الإسلام وذلك عندما جاء في الليل للإمام علي يحرضه على الثورة ضد أب بكر وعمر ويمنيه بالمال والرجال ولكن الإمام علي سلام الله عليه عرف قصده فطرده وبقي يعيش حاقدا على الإسلام والمسلمين طيلة حياته حتى آلت الخلافة إلى ابن عمه عثمان عند ذلك أظهر ما في نفسه من كفر ونفاق فقال:
تلقفوها تلقف الكرة يا بني أمية فوالذي يحلف به أبو سفيان ليس هناك جنة ولا نار (1). وأخرج ابن عساكر في تاريخه من الجزء السادس في صفحة 407 عن أنس أن أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عمي فقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية والملك ملك غاصبية واجعل أوتاد الأرض لبني أمية.
وأما ابنه معاوية وما أدراك ما معاوية فحدث ولا حرج وما فعله بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم طيلة ولايته في الشام ثم بعد تسلطه على الخلافة بالقهر والقوة وما ذكره المؤرخون من هتكه للقرآن والسنة وتعديه كل الحدود التي رسمتها الشريعة والأعمال التي يتنزه القلم عن كتابتها واللسان عن ذكرها لقبحها وفحشها، وقد ضربنا عنها صفحا مراعاة لعواطف إخواننا من أهل السنة والجماعة والذين أشربوا في قلوبهم حب معاوية والدفاع عنه.
ولكن لا يفوتنا أن نذكر هنا نفسيات الرجل وعقيدته في صاحب
(1) تاريخ الطبري: 11 / 357. مروج الذهب: 1 / 440.
(٤٢)

الرسالة فهي لا تبعد عن عقيدة أبيه وقد رضعها من حليب أمه آكلة الأكباد والمشهورة بالعهر والفجور (1) كما ورثها عن أبيه شيخ المنافقين الذي ما عرف الإسلام يوما إلى قلبه سبيلا.
وكما عرفنا نفسية الأب فها هو الابن يعبر بنفس التعبير ولكن على طريقته في الدهاء والنفاق.
فقد روى الزبير بن بكار عن مطوف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويعجب مما يرى منه. إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتما فانتظرته ساعة وظننت أنه لشئ حدث فينا أو في عملنا فقلت له: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟
قال: يا بني إني جئت من عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك، قال: قلت لمعاوية وقد خلوت به: إنك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه. وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه. فقال لي: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل:
أبو بكر: ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله: فأي عمل وأي ذكر يبقى مع
(1) الزمخشري في ربيع الأبرار ج 2 باب القرابات والأنساب. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 111.
(٤٣)

هذا لا أم لك؟ والله إلا دفنا دفنا (1).
خسئت وخبت وأخزاك الله يا من أردت دفن ذكر رسول الله بكل جهودك وأنفقت في سبيل ذلك كل ما تملكه ولكن جهودك كلها باءت بالفشل لأن الله سبحانه لك بالمرصاد وهو القائل لرسوله: ورفعنا لك ذكرك فلست أنت بقادر على دفن ذكره الذي رفعه رب العزة والجلالة، فكد كيدك واجمع جمعك فأنت غير قادر على إطفاء نور الله بفيك، والله متم نوره رغم نفاقك فها قد ملكت الأرض شرقا وغربا وما إن هلكت حتى هلك ذكرك إلا أن يذكرك ذاكر بأفعالك الشنيعة التي أردت بها هدم الإسلام، كما جاء ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2). وبقي ذكر محمد بن عبد الله أخي هاشم عبر القرون والأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كلما ذكره ذاكر إلا صلى الله عليه وآله وسلم رغم أنفك وأنوف بني أمية الذين حاولوا بقيادتك وزعامتك القضاء عليهم وعلى فضائلهم فما زادهم ذلك إلا رفعة وسموا وسوف تلقون الله يوم القيامة غاضبا عليكم لما أحدثتموه في شريعته فيجزيكم بما تستحقون.
وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء فرخهم يزيد بن معاوية الماجن الفاسق شارب الخمور والمجاهر بالفسق والفجور فسوف نجده هو الآخر يحمل نفس العقيدة التي ورثها عن أبيه معاوية وجده أبي سفيان كما ورث عنهم الخسة والدناءة وشرب الخمر ومعاقرة العاهرات ولعب القمار ولو لم يرث كل هذه الصفات البشعة لما أورثه أبوه معاوية الخلافة وسلط على رقاب المسلمين وكلهم يعرفوه حق معرفته وفيهم فضلاء الصحابة كالحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ولا أشك في أن معاوية قضى حياته وأنفق ماله الذي
(1) كتاب الموفقيات: 576. تاريخ المسعودي مروج الذهب: 2 / 341. وشرح النهج لابن أبي الحديد: 5 / 130. الغدير للعلامة الأميني: 10 / 283.
(2) كتاب صفين: 44.
(٤٤)

اكتسبه من حرام في سبيل القضاء على الإسلام والمسلمين الحقيقيين، ولقد رأينا كيف كان يريد دفن ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما قدر على ذلك فأشعلها حربا على ابن عمه علي وصي النبي حتى إذا ما قضى عليه ووصل للخلافة بالقهر والغش والنفاق سن سنة سنته المشؤومة وأمر عماله في كل الأقطار بلعن علي وأهل البيت النبوي على كل المنابر وفي كل صلاة وهو بذلك يريد سب ولعن رسول الله (1) ولما أعيته الحيل وأدركه الأجل ولم يصل إلى مأربه انتدب ابنه وولاه على الأمة ليواصل ذلك المخطط الذي رسمه هو وأبوه أبو سفيان ألا وهو القضاء على الإسلام وإعادة الأمر إلى الجاهلية.
فاستلم ذلك الماجن الفاسق الخلافة وشمر سواعده للقضاء على الإسلام حسب رغبة أبيه فبدأ باستباحة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لجيشه الكافر ففعل فيها ما فعل طيلة ثلاثة أيام وقتل فيها عشرة آلاف من خيرة الصحابة وثنى بعد ذلك بقتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل أهل البيت النبوي وهم أقمار الأمة حتى أخذت حرائر أهل البيت سبايا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولو أن الله لم يقصف عمره لتمكن ذلك الوغد اللئيم من القضاء على الإسلام والمسلمين. والذي يهمنا في هذا البحث هو الكشف عن عقيدته هو الآخر كما كشفنا عن عقيدة أبيه وجده.
فقد حدث المؤرخون (2) أنه بعد وقعة الحرة المشؤومة وقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين سوى النساء والصبيان، وأفتض فيها نحو ألف بكر، وحبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج، ثم بايع من بقي من
١) أخرج ابن عبد ربه في العقد الفريد: ٢ / ٣٠١ قال إن معاوية لعن علي على المنبر وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا، فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم. وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت معاوية إلى كلامها.
(٢) أنساب الأشراف للبلاذري: ٥ / ٤٢. لسان الميزان: ٦ / ٢٩٤. تاريخ ابن كثير:
٨ / ٢٢١. الإصابة: ٣ / 473.
(٤٥)

شاهد أيضاً

ما هو تحليل الدهون؟

ما هو تحليل الدهون؟ شرح طبيب مشهور تحليل الدهون بأسلوب رائع، وشارك قصة رائعة شرحها ...