3 ـ عدم وجود أصل لها في الدين
العنصر الثالث المقوّم لمفهوم البدعة هو فقدان الدليل على جواز
____________
1- لاحظ الفصل الأول، الحديث التاسع.
|
الصفحة 43 |
|
العمل بها، لا في الكتاب ولا في السنّة، وذلك ظاهر، إذ لو كان هناك دعم من الشارع للعمل; لما كان أمراً جديداً في الدين أو تدخّلا في الشرع، ولأجل ذلك قلنا: إنّ أفضل التعاريف هو قولهم: “إدخال ما ليس من الدين في الدين” أو “إدخال ما لم يُعلم من الدين في الدين”.
وبعبارة واضحة: البدعة في الشرع: ما حدث بعد الرسول، ولم يرد فيه نصّ على الخصوص، ولم يكن داخلا في بعض العمومات.
وإن شئت قلت: إحداث شيء في الشريعة لم يرد فيه نصّ، سواء كان أصله مبتدعاً، كصوم عيد الفطر، أو خصوصيته مبتدعة كالإمساك إلى غسق الليل ناوياً به الصوم المفروض، معتقداً بأنّه الواجب في الشرع. وفي النصوص السابقة للعلماء تصريح بذلك.
قال ابن حجر العسقلاني: “والمراد بالبدعة، ما أحدث وليس له أصل في الشرع، وما كان له أصل يدلّ عليه الشرع فليس ببدعة”.
قال ابن رجب الحنبلي: “البدعة: ما أُحدث ممّا لا أصل له في الشريعة يدلّ عليه، أمّا ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة”(1).
وقال العلامة المجلسي: “البدعة في الشرع: ما حدث بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ولم يرد فيه نصّ على الخصوص ولا يكون داخلا في بعض العمومات أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً”(2).
وعلى ضوء ذلك تنحل هناك عويصة المصاديق التي ربّما تعدّ
____________
1- مضت النصوص في محلّها.
2- المجلسي، البحار 74: 202.
|
الصفحة 44 |
|
من البدعة، لعدم ورود نصّ خاصّ فيها ولكن تشملها العمومات بصورة كليّة، فهذه لا تكون بدعة، وذلك لأنّه لو كان هناك نصّ خاص; لأخرجه عن البدعة وهذا واضح جدّاً، أمّا إذا لم يكن هناك نصّ خاصّ، ولكن العمومات تشمله بعمومها فهذا ما نوضحه بالمثال التالي:
إنّ الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده عن الأعداء أصل ثابت في القرآن الكريم، قال سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال/60) فإنّ قوله:{مِنْ قُوَّة}مفهوم كلّي يشمل كيفية الدفاع، ونوعيّة السلاح، وشكل الخدمة العسكرية المتبعة في كلّ عصر ومصر، فالجميع برمته هو تطبيق لهذا المبدأ، وتجسيد لهذا الأصل، فالتسلّح بالغواصات والأساطيل البحريّة والطائرات المقاتلة إلى غير ذلك من أدواة الدفاع، ليس بدعة بل تجسيد لهذا الأصل ومن حلاله.
وإنّ من يعد التجنيد العسكري بدعة فهو غافل عن حقيقة الحال، فإنّ الإسلام يأمر بالأصل ويترك الصور والأشكال لمقتضيات العصور.
الى هنا خرجنا بلزوم وجود قيود ثلاثة في تحقّق البدعة وصدقها:
1 ـ أن يكون تدخّلا في الشريعة وتصرّفاً فيها عقيدةً وحكماً.
2 ـ أن تكون هناك إشاعة بين الناس.
3 ـ أن لا يكون هناك أصل على المشروعية لا خاصّاً ولا عامّاً.
ويجمع الكلّ “القول في الدين بغير علم على الأغلب، بل مع العلم بالخلاف ولكن يقدّم رأيه عليه، بظنّ الإصلاح أو غيره من
|
الصفحة 45 |
|
الحوافز”.
هذا هو تحديد البدعة بمفهومها الدقيق الذي نتّخذه قاعدة كليّة، ونستكشف به حال الموضوعات التي تضاربت فيها الأقوال والأفكار بين موسِّع ومضيِّق. وسيوافيك شرحها.
الولاية الاخبارية