ليالي بيشاور – 64 لسلطان الواعظين
1 ديسمبر,2018
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
867 زيارة
فضيلة سبق علي عليه السلام إلى الإيمان:
لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان ، فاستجاب وآمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد العقلاء والحكماء ، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث ، فلابد أنه رأى عليا عليه السلام أهلا وكفوا ، فدعاه إلى الإيمان صبيا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قابلية الإمام علي عليه السلام ولياقته وكماله وفضله وتميزه و وفور عقله .
وصغر السن لا ينافي الكمال العقلي ، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف ، فإن هناك من بلغ الحلم ولم يكلف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم ، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف ، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحي عليه السلام : ( وآتيناه الحكم صبيا ) (9).
وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا )(10) .
قال هذه الجملة ، وهو صبي في المهد ، فالحكم المأتي ليحيى إنما كان تكليفا من الله تعالى ليحي عليه السلام ، والنبوة كذلك تكليف من عند الله عز وجل لعيسى بن مريم عليه السلام ، وهذان التكليفان لهذين الصبيين ، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما و وفور عقلهما .
وإيمان الإمام علي عليه السلام بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو تكليف موجه من هذا القبيل ، وهو على فضله وكماله أكبر دليل !
وقد أشار سيد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفي سنة 179 هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا :
وصـــي محمــد وأبــو بنـيــــه * و وارثه وفارسه الوفيا
وقد أوتي الهدى والحكم طفلا * كيحيى يوم أوتيه صبيــا
كما كان الإمام علي عليه السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مر في أشعاره :
سبقتكم إلى الإسلام طفلا صغيرا * ما بلغــــت أوان حـــــلـــــمي(11)
وإذا كان إيمانه في الصغر لا يعد فضيلة ، فلماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينوه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلا ليسجل له فضيلة أخرى ، تضاف إلى فضائله الجمة؟!
فقد روى الحافظ سليمان الحنفي في ” ينابيع المودة ” الباب السادس والخمسين ، عن محب الدين الطبري المكي في كتابه” ذخائر العقبى” بسنده عن عمر بن الخطاب ، أنه قال:
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكب علي فقال: يا علي ! أنت أول المؤمنين أيمانا ، وأولهم إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى .
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس ، أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من الصحابة عند النبي ( ص ) إذ ضرب على منكب علي بن أبي طالب( ع ) فقال: أنت أول المسلمين إسلاما ، وأنت أول المؤمنين إيمانا ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، كذب يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك .
ورواه ابن الصباغ المالكي عن ابن عباس أيضا في الفصول المهمة( 125 ) وروى الإمام أحمد بن شعيب بن سنان النسائي في الخصائص وموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في” المناقب” مختصرا ، وابن عساكر في تاريخه مختصرا ، وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 6/395 ، وهذا نصه :
من مسند عمر ، عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب : كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله ( ص ) يقول في علي ثلاث خصال ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله( ص ) والنبي متكىء على علي بن أبي طالب ، حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال: أنت يا علي أول
المؤمنين إيمانا ، وأولهم إسلاما ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك .
وفي رواية ابن الصباغ المالكي أضاف : من أحبك فقد أحبني ، ومن أحبني أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار(12).
وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، قال :
سألت أبي: هل إن أبا بكر أول من آمن بالنبي ( ص ) ؟
فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا ، ولكنه كان أفضل منا في الإسلام .
ولقد ذكر الطبري أيضا فقال : ولقد أسلم قبل عمر بن الخطاب خمسة وأربعون رجلا وإحدى وعشرون امرأة ، ولكن أسبق الناس إسلاما وإيمانا فهو علي بن أبي طالب .
ميزة إيمان علي عليه السلام :
ثم إن لإيمان علي عليه السلام ميزة على إيمان غيره ، وهي أن إيمانه عليه السلام كان عن فطرة غير مسبوق بكفر أو شرك ، فإنه بدأ حياته التكليفية بالإيمان ولم يشرك بالله سبحانه طرفة عين ، بينما الآخرون بدءوا بالكفر والشرك ثم آمنوا ، فكان إيمانهم مسبوق بالكفر والشرك ، وإيمان الإمام علي عليه السلام كان عن فطرة ، وهو فضيلة عظيمة وميزة كريمة امتاز بها عن غيره .
لذا قال الحافظ أبو نعيم في كتابه ” ما نزل من القرآن في علي عليه السلام” والمير السيد علي الهمداني في كتابه” مودة القربى” نقلا عن ابن عباس أنه قال: والله ما من عبد آمن بالله إلا وقد عبد صنم ، إلا علي بن أبي طالب ، فإنه آمن بالله من غير أن يعبد صنما .
وروى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في” كفاية الطالب” الباب الرابع والعشرون ، بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ؛ فهم الصديقون ، حبيب النجار مؤمن أو صاحب ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم(13).
وفي ” نهج البلاغة” قال علي عليه السلام: فإني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة .
وروى الحافظ أبو نعيم وابن أبي الحديد وغيرهما ، أن عليا عليه السلام لم يكفر بالله طرفة عين .
وروى الإمام أحمد في المسند ، والحافظ سليمان الحنفي في ” ينابيع المودة ” عن ابن عباس ، أنه قال لزمعة بن خارجة : إنه عليا لم يعبد صنما ، ولم يشرب خمرا ، وكان أول الناس إسلاما .
وأخيرا أتوجه إلى من يقول بأن إيمان الشيخين أفضل من إيمان علي عليه السلام فأسأله : أما سمع الحديث النبوي الشريف الذي رواه كبار علماء العامة ، منهم : ابن المغازلي في المناقب ، والإمام أحمد في المسند ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ سليمان الحنفي في ” ينابيع المودة ” وغيرهم ، رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو وزن إيمان علي وإيمان أمتي لرجح إيمان علي على إيمان أمتي إلى يوم القيامة .
وروى الإمام الثعلبي في تفسيره ، والخوارزمي في المناقب ، والمير السيد علي الهمداني في المودة السابعة من كتابه” مودة القربى” عن عمر بن الخطاب ، قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفة ميزان ووضع إيمان علي في كفة ميزان لرجح إيمان علي(14).
وفي ذلك يقول سفيان بن مصعب الكوفي :
أشهد بالله لـــقـد قــــال لنـــا * محـــــــمد والقول منه ما خفـــى
لوأن إيمان جميع الخلق ممن * سكن الأرض ومن حل السما
يجعل في كفـــــة ميزان لكـي * يوفي بإيمـــــان علي مـــا وفى
علي عليه السلام أفضل الأمة:
روى المير السيد علي الهمداني ، الفقيه الشافعي ، في كتابه ” مودة القربى” أخبارا متظافرة في أفضلية الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة ، بل على جميع الأمة .
قال في المودة السابعة : عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي عليه السلام(15).
وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : 1/9 : وأما نحن فنذهب إلى ما ذهب إليه شيوخنا البغداديون ، من تفضيله( ع ) ـ أي : علي ـ وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الفضل ، وهل المراد به الأكثر ثوابا ، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ، وبينا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معا .
وقال في11/119: وقع بيدي بعد ذلك كتاب لشيخنا أبي جعفر الإسكافي ، ذكر فيه أن مذهب بشر بن المعتمر ، وأبي موسى ، وجعفر بن بشر، وسائر قدماء البغداديين ، أن أفضل المسلمين علي ابن أبي طالب ، ثم ابنه الحسن ، ثم ابنه الحسين ، ثم حمزة بن عبدالمطلب ، ثم جعفربن أبي طالب…إلخ .
وبعد نقله هذا القول ، وعده عقيدة المعتزلة ، ينظم فيه شعرا ، فيقول :
وخير خلق الله بعد المصطفى * أعظمهم يوم الفخار شرفا
الـسـيــد الــمعـــظـــم الوصي * بعـد البتول المرتضى علي
وابناه ثم حمزة وجـعــفـــــر ثم * عـــتـــيق بعـــدهم لا ينكر
الشيخ عبدالسلام : لو كنت تطالع أقوال العلماء في أفضلية أبي بكر ( رض ) ما كنت تتمسك بغيره .
قلت : وأنتم إذا كنتم تتركون أقوال المتعصبين وتأخذون بأقوال المنصفين من علمائكم الأعلام ، لرأيتم رأينا وتمسكتم بقولنا في تفضيل الإمام علي عليه السلام .
ولكي تعرف دلائل وبراهين الطرفين أدلك على مصدر واحد كنموذج راجع : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13/215 ـ295 ، فإنه ذكر في هذا الفصل من الكتاب كلام الجاحظ ، ودلائله على
أفضلية صاحبكم ، أبي بكر ، وذكر رد أبي جعفر الإسكافي وهو من أفاضل علماء السنة وكبار أعلام الأمة وشيخ المعتزلة ، وذكر دلائله وبراهينه العقلية والنقلية في تفضيل الإمام علي( ع ) على غيره من الأمة .
ومن جملة كلامه ـ في صفحة 275 ـ يقول أبو جعفر الإسكافي : إننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم ، ولسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة ( لقد أصدر علينا حكما غيابيا ولو كنا لأجبناه ) .. قال: ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب( ع ) انتهى .
فنستفيد من مجموع الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء والمحدثين ، أن عليا عليه السلام لا يقاس به أحد من المسلمين . وأن مقامه أسمى وشأنه أعلى من الآخرين بمراتب ، فلا يمكن أن تقدموهم عليه بنقل بعض الأحاديث الضعيفة السند أو الدلالة .
ثم لا ينكر أن عليا عليه السلام هو أبو العترة وسيد أهل البيت عليهم السلام ، ولا يقاس بأهل البيت أحد من الأمة في الشأن والمرتبة ، فكيف بسيدهم وعَلَمهم ؟!
لقد روى المير السيد علي الهمداني الشافعي ، في المودة السابعة من كتابه ” مودة القربى” عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي ، أنه قال:
سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل ، قال: سألت أبي عن التفضيل .
فقال: أبو بكر وعمر وعثمان . ثم سكت .
فقلت: يا أبه أين علي بن أبي طالب ؟!
قال: هو من أهل البيت ، لا يقاس به هؤلاء !
وإذا نريد أن نفسر كلام الإمام أحمد فنقول: يعني: أن عليا( ع ) لا يذكر في عداد الصحابة ، بل هو في مقام النبوة والإمامة .
ونجد خبرا آخر في المودة السابعة أيضا بهذا المعنى ، رواه عن أبي وائل ، عن ابن عمر ، قال: كنا إذا عددنا أصحاب النبي ( ص ) قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان .
فقال رجل: يا أبا عبدالرحمن ! فعلي ما هو؟!
قال: علي من أهل البيت لا يقاس به أحد ، هو مع رسول الله( ص ) في درجته ، إن الله تعالى يقول: ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم . . . )(16).
ففاطمة مع رسول الله (ص) في درجته وعلي معهما(17).
وكان هذا الأمر واضحا وضوح الشمس في الضحى ، وكان من المسلمات ، ولذا نرى في المودة السابعة أيضا خبرا بهذا المعنى ، رواه عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : قال رسول الله (ص) يوم يحضر المهاجرون والأنصار ـ كذا ـ : يا علي ! لو أن أحدا عبد الله حق عبادته، ثم شك فيك وأهل بيتك ، أنكم أفضل الناس ، كان في النار!! انتهى
لما سمع أهل المجلس هذا الخبر استغفر أكثرهم الله ، وبالخصوص الحافظ محمد رشيد. استغفروا الله ، لأنهم كانوا يظنون أفضلية الآخرين !
هذه نماذج من الأخبار الكثيرة في تفضيل الإمام علي عليه السلام على الصحابة والمسلمين عامة ، وأضف عليها الحديث النبوي الشريف الذي رواه علماء الفريقين في يوم الخندق ومعركة الأحزاب حينما قتل الإمام علي ( ع ) بطل الأحزاب و قائدهم وحامل لوائهم عمرو بن عبد ود العامري وانهزم المشركون وانتصر المسلمون ، قال رسول الله( ص ) : ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين .
فإذا كان عمل واحد من مولانا الإمام علي ( ع ) هو أفضل من عبادة الجن والإنس ، فكيف بأعماله كلها ، من الجهاد في سبيل الله ، وتحمل الأذى في جنب الله ، وصلاته ، وصومه ، وإنفاقه الصدقات ، ورعايته الأرامل والأيتام في طول حياته المباركة؟!
فلا أرى أحدا مع ما ذكرناه ، ينكر تفضيل الإمام علي( ع ) على غيره ، إلا المعاند .
#ليالي_ بيشاور 2018-12-01