الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 249

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 249

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

244

((وَ)) إذا علمتم أن الهرب من الموت لا ينفع فـ ((قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) ولا تهربوا خوف الموت ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ)) لأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بنيّاتكم وأعمالكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

245

إن القتال بإعطاء المال والنفس في سبيل الله هدراً وإنما المقاتل والعامل للبِر، يقرض الله بما يذهب منه ثم يرجعه سبحانه إليه فـ ((مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا))، أي أيُّ شخص ذاك الذي يقرض الله وينفق نفسه وماله في سبيله قرضاً حسناً لا لرياء وسمعة ولا بمنّ وإكراه وشائر ما يشين القرض ((فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)) ربما بلغت الملايين، وعماذا تخافون في قرض أموالكم؟ هل من الفقر؟ ((وَاللّهُ يَقْبِضُ)) فيُفقر ((وَيَبْسُطُ)) فيُغني فلا ينفعكم البخل ولا يضرّكم القرض والسخاء، أم تخافون في قرض أنفسكم لله من الموت؟ ((وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) فيعطيكم أفضل مما أخذ منكم، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأحد أولاده: “أعِر الله جمجمتك” .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

246

وهنا قصة حياة وموت أخرى تناسب القصة السابقة ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألم تعلم -كما تقدم- ((إِلَى الْمَلإِ))، أي الجماعة ((مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى)) النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ)) هو إشموئيل وبالعربية إسماعيل ((ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا))، أي سلطاناً ((نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) تحت لوائه حيث أذلّهم الجبابرة وأخرجتهم من بلادهم وقتلتهم وسبيت ذراريهم ونسائهم، وكان النبي في ذلك الزمان ينظّم أمور الدين والملك ينظّم أمور الجيش والسلطة ((قَالَ)) النبي ((هَلْ عَسَيْتُمْ))، أي لعلكم ((إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ)) أراد بذلك أخذ العهد عليهم في المقاتلة إن عيّن لهم ملك عليهم ((قَالُواْ))، أي قال الملأ في جواب النبي ((وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ))، أي ليس بإمكاننا أن نترك القتال ((وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا)) أخرجَنا الأعداء من بلادنا ((وَأَبْنَآئِنَا))، أي أخرجنا من أبنائنا حيث قُتل بعضهم وسُبي البعض، فسأل النبي الله عن ذلك، فاستجاب الله دعائه وعيّن لهم ملكاً وكتب عليهم القتال ((فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ)) أدبروا وكرهوا القتال ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) الذين فرّوا من الجهاد بعد طلب منهم وإلحاح.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

247

((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ)) إشموئيل ((إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ)) وعيّن عليكم ((طَالُوتَ مَلِكًا)) وكان من أبناء “إبن يامين” أخي يوسف (عليه السلام) ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة، فإنّ النبوة كانت في أولاد “لاوي” إبن يعقوب (عليه السلام)، والمملكة كانت في أولاد “يهوذا” إبن يعقوب (عليه السلام) ((قَالُوَاْ أَنَّى))، أي كيف ((يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا)) ويُجعل سلطاناً وملكاً لنا ((وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ)) لأنّا من أسباط النبوة والمملكة ((وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)) فهو فقير لا مال له ولا الملك يحتاج الى المال ليدير شؤون السلطة ((قَالَ)) النبي في جوابهم ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ)) والله لا يصطفي إلا من هو الأصلح بحال عباده ((وَزَادَهُ بَسْطَةً))، أي سعة وزيادة ((فِي الْعِلْمِ)) والمملكة تحتاج الى علم الملك ليتمكن به من إدارتها ((وَالْجِسْمِ)) فهو رجل سمين يهابه الناس، شجاع يخافه الأعداء وهذه الأمور هي مقومات المُلك لا المال، فإنّ العلم والشجاعة والهيبة تأتي بالمال وليس العكس ((وَ)) ليس كونه من “إبن يامين” نقصاً فكما جعل الله المُلك في بيت “يهوذا” سابقاً يجعله في “طالوت” حالاً فإن ((اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء)) وليس إحتكاراً على أحد ((وَاللّهُ وَاسِعٌ)) قدرة وعطاءاً فيهب المُلك لمن يشاء ((عَلِيمٌ)) بمصالح العباد فلا يجعل شيئاً إلا إذا كان صالحاً.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

248

((وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ)) إشموئيل زيادة في الدلالة على جعل الله “طالوت” ملكاً عليهم ((إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ)) وإنّ الله تعالى جعله ملكاً ((أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ)) وهو تابوت أنزله الله على أم موسى فوضعت موسى فيه حين ألقاه في البحر وكان في بني إسرائيل يتبركون به فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى إستحقوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت بينهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه الله عنهم ثم جعل ردّ التابوت عليهم دليلاً على أنه جعل الله طالوت ملكاً ((فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ)) تسكنون إليه وتعلمون أنكم منصورون بسببه ويكون دليلاً على مُلك طالوت ((وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ)) عصا موسى والألواح طست خاص بالأنبياء وأشياء أخر، فإنها وصلت بالإرث الى آل هذين النبييّن المعظّمين وهم جعلوها في التابوت ((تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ)) حملاً واقعياً أو حملاً ظاهراً بأن رأى بنو إسرائيل الملائكة بين السماء والأرض أتت بالتابوت ((إِنَّ فِي ذَلِكَ)) التابوت الذي رجع إليكم بعد فقده ((لآيَةً لَّكُمْ)) على أنّ طالوت ملك ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) مصدّقين، أي إن كنتم مؤمنين قلباً تصدّقون ذلك.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

249

((فَلَمَّا)) رأى بنو إسرائيل التابوت صدّقوا وإنضووا تحت لواء طالوت وتحركوا نحو الجهاد مع أعدائهم ولما ((فَصَلَ)) خرج وانفصل عن المدينة ((طَالُوتُ بِالْجُنُودِ)) الذين كانوا معه ((قَالَ)) طالوت ممتحناً للجنود حتى يتبيّن مقدار صبرهم وثباتهم على المكاره وأنهم إن جازوا من نهر الماء عطشاً يوثق بهم في الحرب وإن لم يسمعوا ولم يتمكنوا من الصبر على عطش قليل فهم أحرى بأن لا يصبروا أمام السيوف والرماح ((إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم)) ممتحنكم ((بِنَهَرٍ)) من ماء في طريقكم ((فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي)) ممن يتبعني ولينصرف ((وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ))، أي لم يذق طعم ذلك الماء ((فَإِنَّهُ مِنِّي)) ويتّبعني ((إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً)) واحدة ((بِيَدِهِ)) فشربها فقط لا أكثر من ذلك ((فَشَرِبُواْ مِنْهُ)) من النهر ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ)) الذين أطاعوا أمر طالوت فلم يشربوا إلا غرفة واحدة وهؤلاء الذين أطاعوا هم الذين إتبعوا طالوت الى الحرب أما من عصاه فلم يتبعه ((فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ))، أي جاوز طالوت النهر ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ)) ممن تبعه ولم يشرب الماء إلا غرفة ((قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ)) وهو رئيس الكفار ((وَجُنودِهِ)) لما رأوا من كثرتهم ((قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ)) من أصحاب طالوت، وفي قوله “يظنون” إشارة الى أن الظن بالمعاد كافٍ في تحفيز الإنسان نحو الجهاد والأعمال الصالحة، وملاقات الله كناية عن القيامة لأنهم يلاقون جزاء الله ((كَم مِّن فِئَةٍ))، أي جماعة ((قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ))، أي بنصره ((وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) الذين يصبرون على المكاره ويثبتون عند ملاقات الكفار، وبهذا الكلام شجّعوا أنفسهم وأصحابهم لمقابلة جالوت وجنوده.

شاهد أيضاً

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ *  *  * ٢٢١ الأسئلة ...