إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب
10 ديسمبر,2017
بحوث اسلامية
2,746 زيارة
الثمرة الخامسة في معرفة الإمام (عليه السلام):
الثمرة الخامسة في معرفة الإمام (عليه السلام) في البحار عن محمد بن صدقة سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي (رحمه الله) وقال: يا أبا عبد الله ما معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية؟ قال جندب: فامض بنا حتى نسأله عن ذلك. قال: فأتينا فلم نجده فانتظرناه حتى جاء. قال صلوات الله عليه: ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية. قال (عليه السلام): مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستما بمقصرين، لعمري إن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة. ثم قال: يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب. يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيامة)(1) يقول: ما أمروا إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وهو الدين الحنفية المحمدية السمحة، وقوله: (ويقيموا الصلاة) فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة، وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فالملك إذا لم يكن مقربا لم يحتمله والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله. قلت: يا أمير المؤمنين من المؤمن؟ وما نهايته؟ وما حده حتى أعرفه؟ قال: يا أبا عبد الله. قلت: لبيك يا أخا رسول الله. قال: المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه شئ إلا شرح صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتد. إعلم يا أبا ذر: أنا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لم تبلغوا كنه ما فينا ولا نهايته، فإن الله عز وجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، إذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون. قال سلمان: قلت: يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)(2) فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصلاة إقامة ولايتي فمنها قال الله تعالى (وإنها لكبيرة) ولم يقل وإنهما لكبيرة لأن الولاية كبير حملها على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون بفضلي لأن أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد (صلى الله عليه وآله) ليس بينهم خلاف، وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل، وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين). وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وفي ولايتي فقال عز وجل (وبئر معطلة وقصر مشيد)(3) فالقصر محمد (صلى الله عليه وآله) والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها، ومن لم يقر بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله)، ألا إنهما مقرونان، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) نبي مرسل وهو إمام الخلق ووصي محمد (صلى الله عليه وآله) كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي مرسل بعدي، وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله تعالى (ذلك دين القيامة) وسأبين ذلك بعون الله تعالى وتوفيقه. يا سلمان ويا جندب ! قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال: كنت أنا ومحمد (صلى الله عليه وآله) نورا واحدا من نور الله عز وجل فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف: كن محمدا وقال للنصف: كن عليا، فمنها قال رسول الله: علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي، وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل فقال: يا محمد. قال: لبيك. قال: إن الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل منك، فوجهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال: يا رسول الله أنزله في القرآن؟ قال: لا ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أخا رسول الله. قال: من لا يصلح لحمل صحيفة يؤديها عن رسول الله كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله نور واحد صار رسول الله محمد المصطفى وصرت أنا وصيه المرتضى، وصار محمد الناطق وصرت أنا الصامت، وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت. يا سلمان صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي وذلك قوله عز وجل (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)(4) فرسول الله المنذر وأنا الهادي (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله).(5)
قال: فضرب بيده على الأخرى وقال: صار محمد (صلى الله عليه وآله) صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار، أقول لها خذي هذا وذري هذا، وصار محمد صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ، ألهمني الله عز وجل علم ما فيه، نعم يا سلمان ويا جندب صار محمد (يس والقرآن الحكيم)(6) وصار محمد (ن والقلم)(7) وصار محمد (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)(8) وصار محمد صاحب الدلالات، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيين، وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولا أحد اختلف إلا في ولايتي، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف وصار محمد نبيا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي، قال الله عز وجل (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده)(9) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقى هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض. يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عز وجل (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله)(10) إني أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ومحمد (صلى الله عليه وآله) أقام الحجة حجة للناس وصرت أنا حجة الله عز وجل، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب. يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي، وأنا الذي جاوزت بموسى ابن عمران البحر بإذن ربي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي، وأنا عذاب يوم الظلمة وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجن والإنس وفهمه قوم إني لأسمع كل قوم، الجبارين والمنافقين بلغاتهم، وأنا الخضر معلم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عز وجل. يا سلمان ويا جندب أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني. قال الله (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان).(11) يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إن ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لم يقتلوا. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال: أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي وأيدت بروح العظمة، وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لم تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر، لأنا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناء الله وأئمته ووجه الله وعين الله ولسان الله، بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب، ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم كفر وأشرك، لأنه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام): من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك. قال: أنا أحيي وأميت بإذن ربي وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم، والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا إنا كلنا واحد، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد، فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربنا، لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيئته فينا. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك. قال: لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله. قلنا: يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أجل وأعظم من هذا كله؟ قال (عليه السلام): قد أعطانا ربنا عز وجل، علمنا الاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنة والنار ونعرج به السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عز وجل ويطيعنا كل شئ حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار، أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به، ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق نعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين فنحن نقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وحقت كلمة العذاب على الكافرين، أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان. يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا مهديا فإنه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم وارتقى درجة من الفضل واطلع على سر من أسرار الله ومكنون خزائنه.(12) وفيه عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما أفضيت الخلافة إلى بني أمية سفكوا فيها الدم الحرام ولعنوا فيها أمير المؤمنين على المنابر ألف شهر وتبرأوا منه واغتالوا الشيعة في كل بلدة واستأصلوا بنيانهم من الدنيا لحطام دنياهم، فخوفوا الناس في البلدان وكل من لم يلعن أمير المؤمنين ولم يتبرأ منه قتلوه كائنا من كان. قال جابر بن يزيد الجعفي: فشكوت من بني أمية وأشياعهم إلى الإمام المبين أطهر الطاهرين زين العابدين وسيد الزهاد وخليفة الله على العباد علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجر ومدر واستأصلوا شأفتنا وأعلنوا لعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر والمنارات والأسواق والطرقات وتبرأوا منه، حتى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيلعنون عليا علانية لا ينكر ذلك أحد ولا ينهر، فإن أنكر ذلك أحد منا حملوا عليه بأجمعهم وقالوا: هذا رافضي أبو ترابي، وأخذوه إلى سلطانهم وقالوا: هذا ذكر أبا تراب بخير، فضربوه ثم حبسوه ثم بعد ذلك قتلوه. فلما سمع الإمام صلوات الله عليه ذلك مني نظر إلى السماء فقال: سبحانك اللهم سيدي ما أحلمك وأعظم شأنك في حلمك وأعلى سلطانك يا رب قد أمهلت عبادك في بلادك حتى ظنوا أنك أمهلتهم أبدا وهذا كله بعينك، لا يغالب قضاؤك ولا يرد المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنى شئت وأنت أعلم به منا. قال: ثم دعا ابنه محمدا، قال: يا بني، قال: لبيك يا سيدي. قال: إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذ معك الخيط الذي أنزل مع جبرئيل على جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا، الله الله فتهلك الناس كلهم. قال جابر: فبقيت متفكرا متعجبا من قوله (عليه السلام) فما أدري ما أقول لمولاي، فغدوت إلى محمد وقد بقي على ليل حرصا على أن أنظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على الباب، إذ خرج الإمام فقمت وسلمت عليه فرد علي السلام وقال: ما غدا بك؟ فلم تكن تأتينا في هذا الوقت فقلت: يا بن رسول الله سمعت أباك يقول بالأمس خذ الخيط وصر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فتهلك الناس كلهم. فقال: يا جابر لولا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا المخلوق المنكوس في طرفة عين، لا بل في لحظة، لا بل في لمحة، ولكننا عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. قال: قلت له: يا سيدي ولم تفعل هذا بهم؟ قال: ما حضرت أبي بالأمس والشيعة يشكون إليه ما يلقونه من الناصبية الملاعين والقدرية المقصرين؟ فقلت: بلى يا سيدي. قال: فإني أرعبهم وكنت أحب أن يهلك طائفة منهم ويطهر الله منهم البلاد ويريح العباد. قلت: يا سيدي فكيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ قال: إمض بنا إلى المسجد لأريك قدرة من قدرة الله تعالى، قال جابر: فمضيت معه إلى المسجد فصلى ركعتين ثم وضع خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه وأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك وكان أدق في المنظر من خيط المخيط ثم قال لي: خذ إليك طرف الخيط وامش رويدا وإياك ثم إياك أن تحركه، قال: فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال (عليه السلام): قف يا جابر، فوقفت فحرك الخيط تحريكا لينا فما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال: ناولني طرف الخيط. قال: فناولته فقلت: ما فعلت به يا بن رسول الله؟ فقال: ويحك أخرج إلى الناس وانظر ما حالهم. قال: فخرجت من المسجد فإذا صياح وولولة من كل ناحية وزاوية وإذا زلزلة وهدة ورجفة وإذا الهدة أخربت عامة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وإذا بخلق يخرجون من السكك لهم بكاء وعويل وضوضاء ورنة شديدة وهم يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة وهلك الناس. وآخرون يقولون: الزلزلة والهدة، وآخرون يقولون: الرجفة والقيامة هلك فيها عامة الناس، وإذا أناس قد أقبلوا يبكون يريدون المسجد وبعضهم يقولون لبعض: لم لا يخسف بنا وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر الفسق والفجور وكثر الزنا والربا وشرب الخمر واللواط، والله لينزلن بنا ما هو أشد من ذلك وأعظم أو نصلح أنفسنا. قال جابر: فقمت متحيرا أنظر إلى الناس يبكون ويصيحون ويولولون ويفدون زمرا إلى المسجد فرحمتهم حتى والله لبكيت لبكائهم، وإذن لا يدرون من أين أوتوا وأخذوا فانصرفت إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وقد اجتمع الناس عليه وهم يقولون: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ترى ما نزل بنا وبحرم رسول الله قد هلك الناس وماتوا فادع الله عز وجل لنا، فقال: افزعوا إلى الصلاة والصدقة والدعاء. ثم سألني وقال: يا جابر ما حال الناس؟ فقلت: يا سيدي لا تسأل يا بن رسول الله خربت الدور والقصور وهلك الناس ورأيتهم بغير رحمة فرحمتهم. فقال (عليه السلام): لا رحمهم الله أبدا، أما إنه قد بقي عليك بقية، لولا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا. ثم قال: سحقا سحقا وبعدا بعدا للقوم الظالمين والله لو حركت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعلوا أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ولكن أمرني سيدي ومولاي أن لا أحركه شديدا. ثم إنه صعد المنارة والناس لا يرونه وأنا أراه فنادى بأعلى صوته ألا أيها الضالون المكذبون فنظر الناس أنه صوت من السماء فخروا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم: الأمان الأمان. فإذا هم يسمعون الصيحة بالحق ولا يرون الشخص ثم أشار بيده صلوات الله عليه وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة ليست كالأولى وتهدمت فيها دور كثيرة ثم تلا هذه الآية (ذلك جزيناهم ببغيهم)(13) ثم تلا بعدما نزل (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من طين مسمومة عند ربك للمسرفين)(14) وتلا (عليه السلام) (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون).(15) قال: وخرجت المخدرات في الزلزلة الثانية من خدورهن مكشفات الرؤوس وإذا الأطفال يبكون ويصرخون فلا يلتفت أحد، فلما بصر الباقر (عليه السلام) ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفه فسكنت الزلزلة ثم أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فإذا قوم قد اجتمعوا على باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون: ما سمعتم في مثل هذه المدرة(16) من الهمهمة، فقال بعضهم: بلى همهمة كثيرة. وقال آخرون: بلى والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنا والله لم نقف على الكلام. قال جابر: فنظر الباقر (عليه السلام) إلى قصتهم ثم قال: يا جابر هذا دأبنا ودأبهم في كل عصر، إذا بطروا وبشروا وتمردوا وبغوا أرعبناهم وخوفناهم فإذا ارتدعوا وإلا أذن الله في خسفهم. قال جابر: يا بن رسول الله فما هذا الخيط الذي فيه الأعجوبة؟ قال: هذه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إلينا، يا جابر: إن لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولولا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا رطبا ولا يابسا ولا حلوا ولا مرا ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا، واخترعنا الله من نور ذاته، ولا يقاس بنا بشر، بنا أنقذكم الله عز وجل وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربكم فقفوا عند أمرنا ونهينا ولا تردوا كلما ورد عليكم منا فإنا أكبر وأجل وأعظم وأرفع من جميع ما يرد عليكم، ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا: أئمتنا أعلم بما قالوا. قال: ثم استقبله أمير المدينة راكبا وحواليه حراسه وهم ينادون في الناس: معاشر الناس احضروا إلى ابن رسول الله علي بن الحسين وتقربوا إلى الله عز وجل به لعل الله يصرف به عنكم العذاب، فلما بصروا بمحمد بن علي الباقر (عليه السلام) تبادروا نحوه وقالوا له: يا بن رسول الله أما ترى ما نزل بأمة جدك محمد، هلكوا وفنوا عن آخرهم، أين أبوك حتى نسأله أن يخرج إلى المسجد ونتقرب به إلى الله ليرفع به عن أمة جدك هذا البلاء؟ قال لهم محمد بن علي (عليه السلام): يفعل الله ما يشاء أصلحوا من أنفسكم وعليكم بالتوبة والتضرع والورع والنهي عما أنتم عليه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. قال جابر: فأتينا علي بن الحسين وهو يصلي فانتظرناه حتى فرغ من صلاته وأقبل علينا فقال: يا محمد ما خبر الناس؟ فقال: ذلك لقد رأى من قدرة الله عز وجل ما لا زال متعجبا منها. قال جابر: فقلت: يا سيدي إن سلطانهم سألنا أن نسألك أن تحضر إلى المسجد حتى يجتمع الناس ( يدعون ) ويتضرعون إلى الله عز وجل ويسألونه الإقالة. قال: فتبسم ثم تلا (أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)(17) وقرأ (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون)(18) فقلت: يا سيدي العجب أنهم لا يدرون من أين أتوا. قال: أجل ثم تلا (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وكانوا بآياتنا يجحدون)(19) وهي والله آياتنا وهذه أحدها وهي والله ولايتنا. يا جابر ما تقول في قوم أماتوا سنتنا وتولوا أعداءنا وانتهكوا حريمنا فظلمونا وغصبونا وأحيوا سنن الظالمين وساروا بسيرة الفاسقين. قال جابر: الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لطاعتكم وموالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم. قال صلوات الله عليه: يا جابر أتدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الأبواب ثالثا ثم معرفة الإمام رابعا ثم معرفة الأركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا وهو قوله تعالى (ولو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)(20) وتلا أيضا (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)(21) يا جابر: مالك أمركم إثبات التوحيد ومعرفة المعاني، أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه. أما المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم، اخترعنا من نور ذاته وفوض إلينا أمور عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا أردنا أراد الله، ونحن أحلنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجة في بلاده، فمن أنكر شيئا من ذلك ورده فقد رد على الله جل اسمه وكفر بأنبيائه ورسله. يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفات فقد أثبت التوحيد لأن هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ليس كمثله شئ وهو السميع العليم)(22) وقوله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)(23) قال جابر: يا سيدي ما أقل أصحابي. قال (عليه السلام): هيهات هيهات أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك؟ قلت: يا بن رسول الله كنت أظن في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل إقليم منهم ما بين الألف إلى ألفين، بل كنت أظن أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيها. قال (عليه السلام): يا جابر خالفك ظنك وقصر رأيك أولئك المقصرون وليسوا لك بأصحاب. قلت: يا بن رسول الله ومن المقصر؟ قال: الذين قصروا في معرفة الأئمة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه. قلت: يا سيدي وما معرفة روحه؟ قال (عليه السلام): أن يعرف كل من خصه الله تعالى بالروح فقد فوض إليه أمره، يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، ذلك أن هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصه الله تعالى بهذا الروح فهو كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله، يسير من المشرق إلى المغرب بإذن الله في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض يفعل ما شاء وأراد. قلت: يا سيدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وأنه من أمر خصه الله تعالى بمحمد وأوصيائه (عليهم السلام). قال: نعم إقرأ هذه الآية (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان وكذلك جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عباده)(24)، وقوله تعالى (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)(25) قلت: فرج الله عنك كما فرجت عني ووقفتني على معرفة الروح والأمر. ثم قلت: يا سيدي صلى الله عليك فأكثر الشيعة مقصرون وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة. قال: يا جابر فإن لم تعرف منهم أحدا فإني أعرف منهم نفرا قلائل يأتون ويسلمون ويتعلمون مني شيئا من سرنا ومكنوننا وباطن علومنا. قلت: إن فلان بن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله وذلك أني سمعت منهم سرا من أسراركم وباطنا من علومكم ولا أظن وقد كملوا وبلغوا. قال: يا جابر ادعهم غدا واحضرهم معك. قال: فأحضرتهم من الغد فسلموا على الإمام وبجلوه ووقروه ووقفوا بين يديه. فقال: يا جابر أما إنهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية، أتقرون أيها النفر أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون؟ قالوا: نعم إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال جابر: فقلت: الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا. قال: يا جابر لا تعجل بما لا تعلم، فبقيت متحيرا. فقال (عليه السلام): هل يقدر علي بن الحسين (عليه السلام) أن يصير بصورة ابنه محمد وهل يقدر ابني محمد أن يصير بصورتي؟ قال جابر: فسألتهم فأمسكوا وسكتوا. قال: يا جابر سلهم: هل يقدر محمد أن يكون بصورتي؟ قال جابر: فسألتهم فأمسكوا وسكتوا. قال: فنظر إلي الإمام وقال: يا جابر هذا ما أخبرتك به قد بقي عليهم بقية. فقلت لهم: ما لكم لا تجيبون إمامكم فسكتوا وشكوا فنظر إليهم وقال: يا جابر هذا ما أخبرتك به، قد بقي عليهم بقية. وقال الباقر (عليه السلام): ما لكم لا تنطقون فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون وقالوا: يا بن رسول الله لا علم لنا فعلمنا. قال: فنظر الإمام سيد العابدين علي بن الحسين إلى ابنه محمد الباقر (عليه السلام) وقال لهم: من هذا؟ قالوا: ابنك. فقال لهم: من أنا؟ قالوا: أبوه علي بن الحسين (عليهما السلام). قال: فتكلم بكلام لم نفهم فإذا محمد بصورة أبيه علي بن الحسين وعلي بصورة ابنه محمد، قالوا: لا إله إلا الله. فقال الإمام: لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمد ومحمد أنا. وقال محمد: لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا وكلنا واحد من نور واحد وروحنا من أمر الله أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد. قال: فلما سمعوا ذلك خروا لوجوههم سجدا وهم يقولون: آمنا بولايتكم وبسركم وعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم. فقال الإمام زين العابدين: يا قوم ارفعوا رؤوسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون وأنتم الكاملون البالغون الله الله لا تطلعوا أحدا من المقصرين المستضعفين على ما رأيتم مني ومن محمد فيشنعوا عليكم ويكذبوكم. قالوا: سمعنا وأطعنا، قال: وانصرفوا راشدين كاملين. فانصرفوا. قال جابر: قلت: سيدي وكل من لا يعرف هذا الأمر على الوجه الذي صنعته وبينته إلا أن عنده محبة ويقول بفضلكم ويتبرأ من أعدائكم، ما يكون حاله؟ قال (عليه السلام): يكونون في خير إلى أن يبلغوا. قال جابر: قلت: يا بن رسول الله هل بعد ذلك شئ يقصرهم؟ قال (عليه السلام): نعم إذا قصروا في حقوق إخوانهم ولم يشاركوهم في أموالهم ولم يشاوروهم في سر أمورهم وعلانيتهم واستبدوا بحطام الدنيا دونهم فهنالك تسلب المعروف وتسلخ من دونه سلخا ويصيبه من آفات هذه الدنيا وبلائها ما لا يطيقه ولا يحتمله من الإرجاع في نفسه وذهاب ماله وتشتت شمله لما قصر في بر إخوانه. قال جابر: فاغتممت والله غما شديدا وقلت: يا بن رسول الله ما حق المؤمن على أخيه المؤمن؟ قال (عليه السلام): يفرح لفرحه ويحزن إذا حزن وينفذ أموره كلها فيحصلها ولا يغتم بشئ من حطام الدنيا الفانية إلا واساه حتى يجريا في الخير والشر في قرن واحد. قلت: يا سيدي فكيف أوجب الله كل هذا للمؤمن على أخيه المؤمن؟ قال: لأن المؤمن لأبيه وأمه على هذا الأمر لا يكون أخاه وهو أحق بما يملكه. قال جابر: سبحان الله ومن يقدر على ذلك؟ قال (عليه السلام): من يريد أن يقرع أبواب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام. قال جابر: فقلت: هلكت والله يا بن رسول الله لأني قصرت في حقوق إخواني ولم أعلم أنه يلزمني من التقصير كل هذا ولا عشره وأنا أتوب إلى الله تعالى يا بن رسول الله مما كان مني من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين.(26)
الهوامش
(1) البينة: 5.
(2) البقرة: 45.
(3) الحج: 45.
(4) الرعد: 7.
(5) الرعد: 8 – 11.
(6) يس: 1 – 2.
(7) القلم: 1.
(8) طه: 1 – 2.
(9) غافر: 15.
(10) الطلاق: 11.
(11) الرحمن: 19 – 20.
(12) البحار: 26 / 6 ح 1.
(13) الأنعام: 146.
(14) الذاريات: 34.
(15) النحل: 26.
(16) المنارة خ ل.
(17) الرعد: 14.
(18) الأنعام: 111.
(19) فصلت: 15.
(20) الكهف: 109.
(21) لقمان: 27.
(22) الأنعام: 103.
(23) الأنبياء: 23.
(24) الشورى: 52.
(25) المجادلة: 22.
(26) البحار: 26 / 17 ح 2.
2017-12-10