في السنوات التي انقضت منذ سقوط نظام حزب البعث في عام 2003، كانت بلا شك واحدة من المحاور الرئيسية للصراع بين الفصائل السياسية العراقية، هو فيما يتعلق بالمادة 140 من الدستور العراقي وموضوع المناطق المتنازع عليها. وتشكل المناطق المتنازع عليها حوالي 7٪ من أراضي العراق، التي تقع على حدود المحافظات الأربع في الأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى، وهي متاخمة مع ثلاث من المحافظات التي تُشكّل حكومة إقليم كردستان (السليمانية وأربيل ودهوك). وفي سياق المفاوضات المتعلقة بصياغة الدستور العراقي في عامي 2004 و 2005، تم وضع الصيغة النهائية لفيصلة موضوع هذه المناطق في المادة رقم 140 من الدستور العراقي.
لغز المادة 140 من الدستور العراقي
ان المادة 140 مأخوذة في الحقيقة من المادة 58 من الدستور العراقي المؤقت. وقد اُدرجت هذه المادة القانونية في الدستور العراقي للحكومة الانتقالية كمادة 58، وفي وقت لاحق تم ادراجها ضمن الدستور الدائم كمادة رقم 140، وذلك خلال التطورات السياسية العراقية بعد سقوط حكومة البعث، ووفقا لاتفاق بين القوى السياسية المحلية، بما في ذلك الشيعة والأكراد.
وقد صيغت المادة 58 في ثلاث فقرات في الدستور العراقي المؤقت للقضاء على التمييز والاضطهاد الذي مارسه النظام البعثي. وتنص الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه ينبغي للحكومة الانتقالية، من خلال مجلس تسوية المنازعات المدنية، أن تعمل في أقرب وقت ممكن لرفع المعاناة والظلم الذي مارسه نظام الحزب السابق على شيعة العراق واكراده.
كما تنص هذه الفقرة من المادة، على ضرورة إعادة الممتلكات، ودفع التعويضات، وخلق فرص العمل، وإعطاء حق حرية التعبير عن الرأي للهويات الإثنية والعرقية للمواطنين. وتشير الفقرة الثانية من المادة 58 إلى عودة الحدود الإدارية للمحافظات العراقية إلى السنوات التي سبقت ظهور نظام البعث في عام 1968.
وفي الفقرة الثالثة، يتم التوصل إلى تسوية نهائية للأراضي المتنازع عليها، بما فيها كركوك – تنفيذ الفقرة الثانية – لحين يتم الانتهاء من الخطط المذكورة أعلاه ويتم إجراء احصائية واضحة بناءاً على طلب سكان المحافظة. وقد انتقلت المادة رقم 58 من الدستور المؤقت، الى المادة رقم 140 بعد صياغة الدستور العراقي الدائم.
وقد تضمنت المادة 140 من الدستور الدائم للعراق على فقرتين رئيسيتين. وتنص الفقرة الأولى على أن تتخذ السلطة التنفيذية التدابير اللازمة لإنهاء تنفيذ المادة 58 من الدستور المؤقت في جميع أحكامه. كما وقد نصت الفقرة الثانية، ان المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستورعلى ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.
ويركز العديد من القادة السياسيين العرب والتركمان بشكل خاص على المادة 140، مُدعين أن المادة 58 من الدستور العراقي المؤقت العراقي قد صيغت بشكل غير عادل. ولذلك، فإنهم يؤكدون على عدم تنفيذ هذه المادة ويطالبون بإعادة النظر فيها. وعلى النقيض من ذلك، فإن القادة السياسيين الأكراد يركزون بشكل خاص على تنفيذ المادة 140؛ ويمكن ملاحظة الإصرار الكردي على تنفيذ أحكام هذه المادة بوضوح في اجتماعاتهم ومواقفهم.
كما يمكن ملاحظة إصرار الأكراد على عودة 80 ألف كردي مشرد من كركوك كشرط مسبق للمشاركة في أول انتخابات برلمانية في العراق الفدرالي في عام 2004. وفي جميع الاجتماعات التي عقدت بين قادة اقليم كردستان ورؤساء الحكومة المركزية كانت مسألة ” تنفيذ المادة 140″ من الركائز الرئيسية للاجتماعات.
وبشكل عام، كانت المادة 140 والقضايا المتعلقة بها هي العامل الأساسي في الصراع بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في العراق. وبالإضافة إلى ذلك، فقد ساهمت هذه المادة في ظهور خطابات وتصريحات مثيرة للجدل بين القوميات الكردية والعربية والتركمانية بشأن كركوك.
مطالبات متباينة تتعلق بملكية كركوك والمناطق المتنازع عليها
وتبدأ المناطق المتنازع عليها من مرتفعات سنجار في أقصى غرب منطقة في شمال العراق، وتمتد الى الشرق من ذلك وصولا إلى الأجزاء الجنوبية من محافظة ديالى.
وعلى نحو أدق، تبدأ المناطق المتنازع عليها من مدينة خانقين، الواقعة على الحدود بين محافظة ديالى وتحدها إيران، عبوراً من قرة تبة إلى طوز خرماتو في محافظة صلاح الدين وعلى طول هذه المسافة ستشمل هذه المساحات محافظة كركوك. ويمتد المسير من كركوك إلى مدينة مخمور وسهل نينوى وينتهي في المنطقة الغربية من مدينة سنجار. كما ان السكان الذين يعيشون في هذه المنطقة، وفقا لكثافتهم السكانية، هم على الترتيب الآتي: الأكراد، العرب، التركمان، الإيزديين، الآشوريين، الكلدانيين، المسيحيين واليهود.
ومما لا شك فيه أن القضية الأهم في الخلاف الحاصل حول المناطق المتنازع عليها هي كركوك. والواقع أن كركوك هي محور الأزمة، أما بقية المناطق في المادة 140 من الدستور فهي هامشية. ومع ذلك، فإن كل مجموعة عرقية في كركوك لها نظرة مختلفة على ملكية كركوك ويعتبرون أنفهسم أصحاب هذه المحافظة.
وبشكل عام، هناك قوميات وأثنيات متنوعة في محافظة كركوك. وأهم المجاميع السكنية في كركوك هي الأكراد، العرب، التركمان، الكلدان، الآشوريون، المسيحيون واليهود. من وجهة نظر معظم الحركات السياسية التركمانية، على الرغم من وجود مجموعات عرقية مختلفة في كركوك، هذه المحافظة هي محور تواجد التركمانيين. على سبيل المثال، يقول صبحي صابر ممثل الجبهة التركمانية العراقية في كركوك (2004): “ان التركمان قد هاجروا من آسيا قبل 680 سنة قبل الميلاد واستقروا في كركوك”.
من ناحية أخرى، يرفض الأكراد التصريحات التركمانية ويدّعون أنهم كانوا من سكان كركوك منذ العصور القديمة، حيث بنوا القرى وعملوا في حقولهم. من وجهة نظر الأكراد، ان المدينة كانت سياسيا وإداريا عاصمة “مدينة زور”، منذ زمن نقل الإمبراطورية العثمانية إلى كركوك. ويدّعون أيضا أن التركمان دخلوا كركوك كجنود وأسلاف الامبراطورية في عهد الإمبراطورية العثمانية، وهو وقت لم تكن فيه حدود.
وبالإضافة إلى الأكراد، يدّعي العرب أن التركمان قد استقروا في كركوك خلال عهد الإمبراطورية العثمانية، وكان الأكراد في السابق موجودين في كركوك (ولكن ليس بنفس العدد الذي هم أنفسهم يدعون). وعلى شاكلة الاكراد، العرب والتركمانيين، نرى ان المواطنين الاشوريين والكلدانيين في كركوك، كذلك يدّعون ان كركوك والموصل كانت تابعتين في الأصل لبلاد آشور في العصور القديمة قبل ان يسكنها الاخرين.
من وجهة نظرهم، فإن التركمان والأكراد والعرب قد تدخلوا جميعا ودمروا القرى الآشورية … ووفقا للمجتمع الآشوري، فإن الآشوريين هم سكان كركوك الأصلاء، والبعض الآخر هاجروا إلى كركوك. وباختصار، فإن ادعاءات تابعية كركوك لهذه القوميات العرقية بالنسبة لكركوك، تجعل من الصعب فهم الحقائق الوضع السياسي في هذه المحافظة فضلا عن محدودية العلاقات الاجتماعية بين هذه الفئات السكانية، بسبب عزل الأحياء السكنية عن بعضها بسبب سكونتهم في مناطق استنادا على هويتهم القومية.
والواقع أن فهم مطالب وإرادة كل من هذه الفئات العرقية يمكن أن يمثل حقيقة خاصة عن كركوك. وهذا يعني ان مع بقاء كل من هذه القوميات في حدودهم القومية والاجتماعية والعقلية في كركوك، يمكن للمرء أن يفهم آرائهم بشأن ملكية كركوك.