من حين لآخر يطل علينا المتحدث باسم وزارة الاستخبارات الإيرانية ليكشف عن احباط الاجهزة الأمنية الإيرانية لمخططات ارهابية كانت تستهدف الداخل الإيراني. ويبدو أن وتيرة هذه المخططات قد شهدت ارتفاعاً خلال السنوات الأخيرة، وهو أمر طبيعي إذا ما نظرنا إلى الواقع الأمني المتردي الذي تعيشه المنطقة، في ظل اتساع ظاهرة الارهاب والدعم الذي تتلقاه الجماعات الارهابية من جهات دولية واقليمية تقوم بتغذية خطاب الكراهية والفتنة المذهبية خدمة لأجنداتها السياسية.
واليوم اعلنت وزارة الأمن الإيرانية عن احباط أكبر مؤامرة ارهابية كانت الجماعات الإرهابية التكفيرية تنوي تنفيذها في العاصمة الإيرانية طهران ومحافظات أخرى في البلاد. وجاء في البيان الذي أصدرته وزارة الأمن الإيرانية حول هذا المخطط الإرهابي: “بفضل دعاء الشعب الإيراني الصائم والعناية الربانية تم اكتشاف واحباط واحدة من اكبر المؤامرات الإرهابية للجماعات التكفيرية الوهابية خلال الايام الماضية.”
وكشف البيان أن: “الجماعات التكفيرية خططت لارتكاب سلسلة من التفجيرات في العديد من مناطق البلاد لكن هذه المخططات الشيطانية للجماعات الإرهابية والتكفيرية تم اكتشافها واحباطها بفضل تضحيات عناصر وزارة الامن في طهران ومحافظات اخرى”. وأعلنت الوزارة القاء القبض على العناصر الإرهابية التي سعت الى تنفيذ هذا المخطط الإرهابي وضبط كميات كبيرة من المتفجرات والمواد الاولية خلال العملية.
ويأتي هذا الاعلان من وزارة الأمن الإيرانية غداة تصريحات أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني الأدميرال علي شمخاني التي كشف فيها عن احباط عمليات إرهابية انتحارية كان مخططاً لها أن تنفذ في العاصمة طهران خلال شهر رمضان، وأكد شامخاني أنّ ايران قادرة على كشف واحباط التحركات المشكوك فيها في كلّ مكان من جغرافيتها، بفضل المشاركة الشعبية والمؤسسات المعنية ذات التجربة الواسعة.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الجماعات التكفيرية لشن هجمات ارهابية داخل إيران، فمنذ قرابة شهرين في 17 ابريل/نيسان الماضي، أعلنت وزارة الأمن الإيرانية أيضاً عن احباط مخطط لتنظيم داعش الارهابي كان ينوي من خلاله شن هجوم غربي البلاد، وأعلن حينها وزير الأمن محمود علوي أن: “الإرهابي قدم إلى البلاد بهدف التخطيط لهجوم إرهابي غرب إيران، وبحسب اعترافاته فقد تلقى تعليمات من مسؤولي التنظيم الإرهابي بالتخطيط لشن هجوم على الأراضي الإيرانية”، مشيراً إلى أن “بعض دول المنطقة ضالعة في هذا المخطط البغيض لضرب استقرار إيران”.
وتأتي هذه الأحداث في الوقت الذي تواصل فيه الدول المعادية للجمهورية الاسلامية مساعيها من أجل نشر الاضطراب فيها، والعمل على نقل الارهاب إلى الداخل الإيراني، وقد وصلت هذه المساعي إلى الحد الذي هددت فيه أمريكا وبعض دول المنطقة –وفقاً لمصادر أمنية مطلعة- بعض المعارضين الإيرانيين بقطع الدعم عنهم، إذا لم ينفذوا عمليات ارهابية في الداخل الإيراني. كما أن العديد من الأجهزة الأمنية النافذة كالموساد الاسرائيلي والسي آي ايه الأمريكي يبذلون جهوداً كبيرة من أجل زرع الفوضى في الداخل الإيراني، بعد عجزهم عن مواجهة إيران بشتى السبل.
جهاز أمني مقتدر وجدير
تتمتع الأجهزة الأمنية الإيرانية بجهوزية عالية، ومستوى رفيع من التجربة والتدريب، حتى أضحت العديد من الدول تستعين بخدماتها من أجل مكافحة الارهاب، وقد عززت إيران من قدراتها الأمنية بشكل أكبر بعد الاغتيالات التي استهدفت علماءها النوويين، وذلك من خلال رفع جهوزيتها في مكافحة التجسس وصد الهجمات الالكترونية. وتعتبر إيران اليوم إحدى القوى البارزة في العالم في مجال الفضاء الالكتروني، والحرب السايبرية.
وإلى اليوم ماتزال ماثلة في الأذهان، العملية المعقدة التي قامت بها الأجهزة الأمنية الإيرانية في شباط 2010، والتي استدرجت من خلالها المدعو “عبدالمالك ريغي” زعيم زمرة “جند الله” الارهابية، إلى الأجواء الإيرانية، عبر تحويل مسار الطائرة التي كانت تقله في رحلة بين الإمارات العربية المتحدة وقرغيزستان، واجبارها على الهبوط في الأراضي الإيرانية، ومن ثم اعتقاله ومحاكمته بتهمة الكثير من الأعمال الارهابية والتعاون مع الاستخبارات الأمريكية والاسرائيلية.
ومؤخراً أفضت عملية أمنية قامت بها السلطات الإيرانية إلى تحرير الملحق الاداري في سفارة الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة في صنعاء نور احمد نیکبخت، والذي کان قد اختطف من قبل مجهولین مسلحین یوم 21 تموز / یولیو 2013 حینما کان في طریقه من منزله الی مقر عمله في السفارة الایرانیة في صنعاء، والذي اعتبر انجازاً هاماً لوزارة الأمن الإيرانية.
ويسجل للأجهزة الأمنية الإيرانية أنها إستطاعت أن تحول دون وقوع أي عمل ارهابي طوال السنوات الخمس الماضية من صعود التنظيمات الارهابية والتكفيرية في المنطقة، وذلك بالرغم من العداء الشديد الذي تبديه هذه التنظيمات التكفيرية تجاه إيران، وتهديدها أكثر من مرة بضرب العمق الإيراني، إلا أن هذه التنظيمات بقيت عاجزة أمام الجهوزية الإيرانية، وذلك بالرغم من الدعم الاقليمي وقدراتهم الواسعة التي مكنتهم من استهداف العديد من الدول الغربية والاقليمية. كما كان للقدرات العسكرية والاستخباراتية الإيرانية التأثير الكبير على مجريات المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي في كل من العراق وسوريا، وتغيير سير المعارك فيها.
وقد شكلت القدرات الأمنية الإيرانية محور اهتمام لدى خصوم إيران الذين اعترفوا بفاعلية الجهاز الأمني الإيراني، ففي يناير/كانون الثاني 2013 نشر مركز ابحاث الكونغرس الامريكي تقريراً اعترف فيه بان وزارة الامن الايرانية هي الجهاز الامني الاكثر فاعلية ونشاطاً في منطقة الشرق الاوسط، واضاف التقرير في شرحه المسهب عن تاريخ وهيكلية وزارة الامن الايرانية، ان وزارة الامن الايرانية تستخدم جميع الامكانيات المتوفرة لديها للحفاظ على الثورة الاسلامية.
هذا الانجاز الأمني للجمهورية الاسلامية الإيرانية يُضاف إلى الانجازات الكبيرة التي حققتها إيران في كافة الميادين، العسكرية والعلمية والتقنية والاجتماعية. وهو ما يجعل منها دولة مقتدرة ووازنة ومؤثرة في خريطة السياسات في المنطقة والعالم. وبالطبع سيصيب خصوم إيران بالاحباط والغضب نتيجة اخفاق مساعيهم المتكررة لنشر الفوضى في الداخل الإيراني، واخراجها من دائرة التأثير في المنطقة وهو ما لم يستطيعوا تحقيقه حتى الآن.