الرئيسية / بحوث اسلامية / المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي 05

المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي 05

س
المراجعة 4 رقم : 8 ذي القعدة سنة 1329
1 – الأدلة الشرعية تفرض مذهب أهل البيت
2 – لا دليل على وجوب الأخذ بمذاهب الجمهور
3 – أهل القرون الثلاثة لا يعرفونها
4 – الاجتهاد ممكن
5 – يلم الشعث باحترام مذهب أهل البيت
1 – إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري وفي الفروع بغير
المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب ، ولا للريب في اجتهاد أئمة تلك
المذاهب ، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا .
لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل
بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل ،
فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده ، وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف
السنة والكتاب ، وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب ، نزولا على حكم
الأدلة والبراهين ، وتعبدا بسنة سيد النبيين والمرسلين ، صلى الله عليه وآله
وعليهم أجمعين .

ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد ، أو تمكنا من
تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصصنا أثر
الجمهور ، وقفونا إثرهم ، تأكيدا لعقد الولاء ، وتوثيقا لعرى الإخاء ،
لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم .
2 – على أنه لا دليل للجمهور على رجحان شئ من مذاهبهم ، فضلا
عن وجوبها وقد نظرنا في أدلة المسلمين نظر الباحث المحقق بكل دقة
واستقصاء ، فلم نجد فيها ما يمكن القول بدلالته على ذلك ، إلا ما ذكرتموه
من اجتهاد أربابها وأمانتهم وعدالتهم وجلالتهم .

لكنكم تعلمون أن الاجتهاد والأمانة والعدالة والجلالة غير محصورة
بهم ، فكيف يمكن – والحال هذه – أن تكون مذاهبهم واجبة على سبيل
التعيين ؟

وما أظن أحدا يجرؤ على القول بتفضيلهم – في علم أو عمل – على
أئمتنا وهم أئمة العترة الطاهرة وسفن نجاة الأمة ، وباب حطتها ، وأمانها
من الاختلاف في الدين ، وأعلام هدايتها ، وثقل رسول الله ، وبقيته في
أمته ، وقد قال صلى الله عليه وآله : فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا
تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ( 4 ) لكنها السياسة ،
وما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام .

والعجب من قولكم أن السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب ،
ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها ، واتفقوا على التعبد بها في كل عصر
ومصر ، كأنكم لا تعلمون بأن الخلف والسلف الصالحين من شيعة آل
محمد – وهم نصف المسلمين في المعنى – إنما دانوا بمذهب الأئمة من ثقل
رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يجدوا عنه حولا ، وأنهم على
ذلك من عهد علي وفاطمة إلى الآن ، حيث لم يكن الأشعري ولا واحد من
أئمة المذاهب الأربعة ولا آباؤهم ، كما لا يخفى .

3 – على أن أهل القرون الثلاثة مطلقا لم يدينوا بشئ من تلك
المذاهب أصلا ، وأين كانت تلك المذاهب عن القرون الثلاثة ؟ – وهي خير
القرون – وقد ولد الأشعري سنة سبعين ومئتين ، ومات سنة نيف وثلاثين
وثلاث مئة ( 5 ) وابن حنبل ولد سنة أربع وستين ومئة ، ومات سنة إحدى
وأربعين ومئتين ( 6 ) والشافعي ولد سنة خمسين ومئة ، وتوفي سنة مئتين
وأربع ( 7 ) وولد مالك سنة خمس وتسعين ( 1 ) ومات سنة تسع وسبعين ومئة
( 8 ) وولد أبو حنيفة سنة ثمانين ، وتوفي سنة خمسين ومئة ( 9 ) . والشيعة
يدينون بمذهب الأئمة من أهل البيت – وأهل البيت أدرى بالذي فيه –

وغير الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين ، فما الذي
أوجب على المسلمين كافة بعد القرون الثلاثة – تلك المذاهب دون غيرها
من المذاهب التي كان معمولا بها من ذي قبل ؟ وما الذي عدل بهم عن
أعدال كتاب الله وسفرته وثقل رسول الله وعيبته ، وسفينة نجاة الأمة
وقادتها وأمانها وباب حطتها ؟ !

4 – وما الذي ارتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في
القرون الثلاثة مفتوحا على مصراعيه ؟ لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى
الكسل والرضا بالحرمان ، والقناعة بالجهل ، ومن ذا الذي يرضى لنفسه
أن يكون – من حيث يشعر أو لا يشعر – قائلا بأن الله عز وجل لم يبعث أفضل
أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه ؟ ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه ،
فأفضل حكمه ونواميسه ، ولم يكمل له الدين ، ولم يتم عليه النعمة ، ولم
يعلمه علم ما كان وعلم ما بقي ، إلا لينتهي الأمر في ذلك كله إلى أئمة تلك
المذاهب فيحتكروه لأنفسهم ، ويمنعوا من الوصول إلى شئ منه عن طريق
غيرهم ، حتى كأن الدين الاسلامي بكتابه وسنته ، وسائر بيناته وأدلته من
أملاكهم الخاصة ، وأنهم لم يبيحوا التصرف به على غير رأيهم ، فهل كانوا
ورثة الأنبياء ، أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمة ، وعلمهم علم ما كان
وعلم ما بقي ، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ؟ كلا بل كانوا كغيرهم
من أعلام العلم ورعاته ، وسدنته ودعاته ، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا
بابه ، أو يصدوا عن سبيله ، وما كانوا ليعتقلوا العقول والأفهام ولا ليسملوا
أنظار الأنام ، ولا ليجعلوا على القلوب أكنة ، وعلى الأسماع وقرا ، وعلى
الأبصار غشاوة ، وعلى الأفواه كمامات ، وفي الأيدي والأعناق أغلالا وفي
الأرجل قيودا ، لا ينسب ذلك إليهم إلا من افترى عليهم ، وتلك أقوالهم
تشهد بما نقول .

5 – هلم بنا إلى المهمة التي نبهتنا إليها من لم شعث المسلمين ، والذي
أراه أن ذلك ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم ، ولا على عدول
السنة عن مذهبهم وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجح ،
بل ترجيح للمرجوح ، بل تكليف بغير المقدور ، كما يعلم مما قدمناه .

نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل
البيت ، واعتباركم إياه كأحد مذاهبكم ، حتى يكون نظر كل من الشافعية
والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر
بعضهم إلى بعض ، وبهذا يجتمع شمل المسلمين وينتظم عقد اجتماعهم .

والاختلاف بين مذاهب أهل السنة لا يقل عن الاختلاف بينها وبين
مذهب الشيعة ( 10 ) تشهد بذلك الألوف المؤلفة في فروع الطائفتين
وأصولهما ، فلماذا ندد المنددون منكم بالشيعة في مخالفتهم لأهل السنة ، ولم
ينددوا بأهل ألسنة في مخالفتهم للشيعة ( 11 ) ؟ بل في مخالفة بعضهم لبعض ،
فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة ، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة ؟ وكيف
يمكن أن تكون الأربعة موافقة لاجتماع المسلمين ، فإذا زادت مذهبا خامسا تمزق
الاجتماع ، وتفرق المسلمون طرائق قددا ؟ وليتكم إذا دعوتمونا إلى الوحدة
المذهبية دعوتم أهل المذاهب الأربعة إليها ، فإن ذلك أهون عليكم
وعليهم ( 12 ) ولم خصصتمونا بهذه الدعوة ؟ فهل ترون أتباع أهل البيت سببا
في قطع حب الشمل ونثر عقد الاجتماع ، وأتباع غيرهم موجبا لاجتماع
القلوب واتحاد العزائم وإن اختلفت المذاهب والآراء ، وتعددت المشارب
والأهواء ، ما هكذا الظن بكم ، ولا المعروف من مودتكم في القربى
والسلام .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...