الرئيسية / بحوث اسلامية / المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي41

المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي41

ش
المراجعة 75 رقم : 17 صفر سنة 1330
1 – لا تستسلم أم المؤمنين في حديثها إلى العاطفة
2 – الحسن والقبح العقليان منفيان
3 – البحث عما يعارض دعوى أم المؤمنين
1 – المحور الذي يدور عليه كلامكم مع أم المؤمنين في حديثها الصريح بعدم
الوصية أمران :
أحدهما أن انحرافها عن الإمام يأبى عليها – فيما زعمتم – إلا نفي
الوصية إليه ، والجواب : أن المعروف من سيرتها أنها لا تستسلم في حديثها عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى العاطفة ، ولا تراعي فيه الغرض ، فلا
تتهم فيما تنقله عن النبي سواء عليها أكان ذلك خاصا بمن تحب ، أم كان خاصا بمن
تبغض ، وحاشا الله أن تستحوذ عليها الأغراض ، فتحدث عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ، بغير الواقع ، إيثارا لغرضها على الحق .
2 – الثاني : أن العقل بمجرده يمنع – فيما زعمتم – من تصديق هذا الحديث
لامتناع مؤداه عقلا ، فإنه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وآله ، أن يترك دين
الله عز وجل وهو في أول نشأته ، وعباد الله تعالى وهم في أول فطرتهم الجديدة ، ثم
يرتحل عن غير وصي يعهد إليه بأمورهم ، والجواب أن هذا مبني على الحسن والقبح
العقليين ، وأهل السنة لا يقولون بهما ، فإن العقل عندهم لا يفضي بحسن شئ
ما أصلا ، ولا بقبح شئ ما على الإطلاق ، وأن الحاكم بالحسن والقبح في جميع
الأفعال إنما هو الشرع لا غير ، فما حسنه الشرع فهو الحسن ، وما قبحه فهو القبيح ،
والعقل لا معول عليه في شئ من ذلك بالمرة .
3 – أما ما أشرتم إليه – في آخر المراجعة 74 – من معارضة أم المؤمنين في
دعواها ، بأن النبي قضى وهو في صدرها ، فلا نعرف مما يعارضها حديثا واحدا من
طريق أهل السنة ، فإن كان لديكم شئ منه فتفضلوا به ، والسلام .
س
المراجعة 76 رقم : 19 صفر سنة 1330
1 – استسلامها إلى العاطفة
2 – ثبوت الحسن والقبح العقليين
3 – الصحاح المعارضة لدعوى أم المؤمنين
4 – تقديم حديث أم سلمة على حديثها
1 – ذكرتم في الجواب عن الأمر الأول أن المعروف من سيرة السيدة أنها لا
تستلم إلى العاطفة ، ولا تراعي في حديثها شيئا من الأغراض ، فأرجو أن تتحللوا
من قيود التقليد والعاطفة ، وتعيدوا النظر إلى سيرتها فتبحثوا عن حالها مع من تحب
ومع من تبغض ، بحث إمعان وروية ، فهناك العاطفة بأجلى مظاهرها ، ولا
تنس سيرتها مع عثمان قولا وفعلا ( 1 ) ( 786 ) ووقائعها مع علي وفاطمة والحسن
والحسين سرا وعلانية ، وشؤونها مع أمهات المؤمنين بل مع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، فإن هناك العاطفة والغرض ( 787 ) .
وحسبك مثالا لهذا ما أيدته – نزولا على حكم العاطفة – من إفك أهل الزور
إذ قالوا – بهتانا وعدوانا في السيدة مارية وولدها إبراهيم عليه السلام – ما قالوا ،
حتى برأهما الله عز وجل من ظلمهم براءة – على يد أمير المؤمنين – محسوسة ملموسة
( 2 ) ( 788 ) ، ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ) ( 789 ) وإن أردت
المريد ، فاذكر نزولها على حكم العاطفة إذ قالت ( 3 ) لرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : ” إني أجد منك ريح مغافير ” ( 790 ) ليمتنع عن أكل العسل من بيت أم
المؤمنين زينب رضي الله عنها ، وإذا كان هذا الغرض التافه يبيح لها أن تحدث
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن نفسه بمثل هذا الحديث ، فمتى نركن إلى
نفيها الوصاية إلى علي عليه السلام ، ولا تنس نزولها على حكم العاطفة يوم زفت
أسماء بنت النعمان عروسا إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت لها ( 1 ) : أن
النبي ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له : أعوذ بالله منك ( 791 ) ،
وغرضها من ذلك تنفير النبي صلى الله عليه وآله من عرسه ، وإسقاط هذه
المؤمنة البائسة من نفسه ، وكأن أم المؤمنين تستبيح مثل هذا الحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ، ترويجا لغرضها ، حتى لو كان تافها أو كان حراما ،
وكلفها صلى الله عليه وآله وسلم مرة بالاطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره عن حالها
فأخبرته – إيثارا لغرضها – بغير ما رأت ( 2 ) ( 792 ) ، وخاصمته صلى الله عليه وآله
وسلم ، يوما إلى أبيها – نزولا على حكم العاطفة – فقالت له : أقصد ( 3 ) ، فلطمها
أبوها حتى سال الدم على ثيابها ( 793 ) ، وقالت له مرة في كلام غضبت عنده ( 4 ) :
أنت الذي تزعم أنك نبي الله ؟ ( 794 ) ، إلى كثير من أمثال هذه الشؤون ،
والاستقصاء يضيق عنه هذا الاملاء ، وفيما أوردناه كفاية لما أردناه .
2 – وقلتم في الجواب عن الأمر الثاني أن أهل السنة لا يقولون بالحسن والقبح
العقليين إلى آخر كلامكم في هذا الموضوع وأنا أربابكم عن هذا القول ، فإنه شبيه
بقول السوفسطائية الذين ينكرون الحقائق المحسوسة ، لأن من الأفعال ما نعلم
بحسنه ، وترتب الثناء والثواب على فعله ، لصفة ذاتية له قائمة به ، كالأحسن
والعدل من حيث هما إحسان وعدل ومنها ما نعلم بقبحه وترتب الذم والعقاب على
فعله لصفته الذاتية القائمة به ، كالإساءة والجور من حيث هما إساءة وجور ،
والعاقل يعلم أن ضرورة قاضية بذلك ، وليس جزم العقلاء بهذا أقل من جزمهم
بكون الواحد نصف الاثنين ، والبداهة الأولية قاضية بالفرق بين من أحسن إليك
دائما ، وبين من أساء إليك دائما ، إذ يستقل العقل بحسن فعل الأول معك ،
واستحقاقه للثناء والثواب منك ، وقبح فعل الثاني واستحقاقه للذم والقصاص ،
والمشكك في ذلك مكابر لعقله ، ولو كان الحسن والقبح فيما ذكرناه شرعيين ، لما
حكم بهما منكر والشرائع كالزنادقة والدهرية ، فإنهم مع إنكارهم الأديان يحكمون
بحسن العدل والاحسان ، ويرتبون عليهما ثناءهم وثوابهم ، ولا يرتابون في قبح
الظلم والعدوان ، ولا في ترتيب الذم والقصاص على فعلهما ، ومستندهم في هذا
إنما هو العقل لا غير ، فدع عنك قول من يكابر العقل والوجدان ، وينكر ما علمه
العقلاء كافة ، ويحكم بخلاف ما تحكم به فطرته التي فطر عليها ، فإن الله سبحانه
فطر عباده على إدراك بعض الحقائق بعقولهم كما فطرهم على الادراك بحواسهم
ومشاعرهم ، ففطرتهم توجب أن يدركوا بعقولهم حسن العدل ونحوه ، وقبح
الظلم ونحوه ، كما يدركون بأذواقهم حلاوة العسل ومرارة العلقم ، ويدركون
بمشامهم طيب المسك ونتن الجيف ، ويدركون بملامسهم لين اللين وخشونة
الخشن ، ويمييزون بأبصارهم بين المنظرين الحسن والقبيح ، وبأسماعهم بين
الصوتين : صوت المزامير وصوت الحمير ، تلك فطرة الله * ( التي فطر الناس عليها
لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) * ( 795 ) .
وقد أراد الأشاعرة أن يبالغوا في الإيمان بالشرع والاستسلام لحكمه ،
فأنكروا حكم العقل ، وقالوا : لا حكم إلا للشرع ، ذهولا منهم عن القاعدة
العقلية المطردة – وهي كل ما حكم به العقل حكم به الشرع – ولم يلتفتوا إلى أنهم
قطعوا خط الرجعة بهذا الرأي على أنفسهم ، فلا يقوم لهم بعده على ثبوت الشرع
دليل ، لأن الاستدلال على ذلك بالأدلة الشرعية دوري لا تتم به حجة ، ولولا
سلطان العقل لكان الاحتجاج بالنقل مصادرة ، بل لولا العقل ما عبد الله عابد ،
ولا عرفه من خلقه كلهم واحد ، وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مظانه من
مؤلفات علمائنا الأعلام .
3 – أما دعوى أم المؤمنين بأن النبي صلى الله عليه وآله ، قضى وهو في
صدرها فمعارضة ، بصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة ( 796 ) وحسبك
من طريق غيرهم ما أخرجه ابن سعد ( 1 ) بالإسناد إلى علي ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله ، في مرضه : ” ادعوا لي أخي ، فأتيته ، فقال : أدن
مني ، فدنوت منه ، فاستند إلي فلم يزل مستندا إلي ، وإنه ليكلمني حتى أن بعض
ريقه ليصيبني ، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” ( 797 )
وأخرج أبو نعيم في حليته ، وأبو أحمد الفرضي في نسخته ، وغير
واحد من أصحاب السنن ، عن علي ، قال : ” علمني رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم – يعني حينئذ – ألف باب كل باب يفتح
ألف باب ( 2 ) ” ( 798 ) وكان عمر بن الخطاب إذا سئل عن شئ
يتعلق ببعض هذه الشؤون ، لا يقول غير : سلوا عليا ، لكونه هو القائم بها ،
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، ” أن كعب الأحبار سأل عمر ، فقال : ما كان
آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال عمر : سل عليا ، فسأله
كعب ، فقال علي : أسندت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدري ،
فوضع رأسه على منكبي ، فقال : الصلاة الصلاة ، قال كعب : كذلك آخر عهد
الأنبياء ، وبه أمروا وعليه يبعثون ، قال كعب فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ فقال
عمر : سل عليا ، فسأله فقال : كنت أنا أغسله . . . الحديث ( 1 ) ” ( 799 ) وقيل
لابن عباس : ” أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ، توفي ورأسه في حجر
أحد ؟ قال : نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي ، فقيل له : إن عروة يحدث عن
عائشة أنها قالت : توفي بين سحري ونحري ، فأنكر ابن عباس ذلك قائلا
للسائل : أتعقل ؟ والله لتوفي رسول الله وإنه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي
غسله . . . الحديث ( 800 ) ” ( 2 ) وأخرج ابن سعد ( 3 ) بسنده إلى الإمام أبي محمد
علي بن الحسين زين العابدين ، قال : ” قبض رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ، ورأسه في حجر علي ( 801 ) ا ه‍ . “
قلت والأخبار في تلك متواترة ، عن سائر أئمة العترة الطاهرة ، وأن كثيرا
من المنحرفين عنهم ليعترفون بهذا ، حتى أن ابن سعد أخرج ( 4 ) بسنده إلى
الشعبي ، قال : ” توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورأسه في حجر
علي ، وغسله علي . ا ه‍ ” ( 802 ) وكان أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بذلك
على رؤوس الإشهاد ، وحسبك قوله من خطبة له ( 1 ) عليه السلام ، ” ولقد علم
المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، أني لم أرد على
الله ، ولا على رسوله ساعة قط ، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها
الأبطال ، وتتأخر فيها الأقدام ، نجدة أكرمني الله بها ، ولقد قبض ( ص ) ، وإن
رأسه لعلى صدري ، ولقد سالت نفسه في كفي ، فأمررتها على وجهي ، ولقد
وليت غسله ( ص ) ، والملائكة أعواني . فضجت الدار والأفنية ، ملأ يهبط ،
وملأ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه ، حتى واريناه في
ضريحه ، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا ” ( 803 ) ومثله قوله ( 2 ) – من كلام له عند دفنه
سيدة النساء عليهما السلام – : ” السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة
في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورق
عنها تجلدي ، ألا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك ، موضع تعز ،
فلقد وسدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنا لله وإنا
إليه راجعون . . . إلى آخر كلامه ” ( 804 ) وصح عن أم سلمة أنها قالت :
” والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله ( ص ) ، عدناه غداة
وهو يقول : جاء علي ، جاء علي ، مرارا ، فقالت فاطمة : كأنك بعثته في حاجة ؟
قالت : فجاء بعد ، فظننت أن له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند
الباب ، قالت أم سلمة : وكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكب عليه رسول الله
( ص ) ، وجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض ( ص ) من يومه ذلك ، فكان علي أقرب
الناس به عهدا ( 1 ) ” ( 805 )
وعن عبد الله بن عمرو ( 2 ) أن رسول الله ( ص ) ، قال في مرضه : ” ادعوا
لي أخي ، فجاء أبو بكر ، فأعرض عنه ، ثم قال : ادعوا لي أخي ، فجاء عثمان ،
فأعرض عنه ، ثم دعي له علي ، فستره بثوبه وأكب عليه ، فلما خرج من عنده قيل
له : ما قال لك ؟ قال : علمني ألف باب كل باب يفتح له ألف باب ” ( 806 ) .
وأنت تعلم أنه هو الذي يناسب حال الأنبياء ، وذاك إنما يناسب أزيار ( 3 )
النساء ، ولو أن راعي غنم مات ورأسه بين سحر زوجته ونحرها ، أو بين حاقنتها
وذاقنتها ، أو على فخذها ، ولم يعهد برعاية غنمه ، لكان مضيعا مسوفا ، عفا الله
عن أم المؤمنين ، ليتها – إذ حاولت صرف هذه الفضيلة عن علي – نسبتها إلى
أبيها ، فإن ذلك أولى بمقام النبي مما ادعت ، لكن أباها كان يومئذ ممن عبأهم
رسول الله ( ص ) بيده الشريفة في جيش أسامة ، وكان حينئذ معسكرا في الجرف ،
وعلى كل حال فإن القول بوفاته ( ص ) وهو في حجرها ، لم يسند إلا إليها ، والقول
بوفاته – بأبي وأمي – وهو في حجر علي ، مسند إلى كل من علي ، وابن عباس ، وأم
سلمة ، و عبد الله بن عمرو ، والشعبي ، وعلي بن الحسين ، وسائر أئمة أهل
البيت ، فهو أرجح سندا وأليق برسول الله ( ص ) .
4 – ولو لم يعارض حديث عائشة إلا حديث أم سلمة وحده ، لكان حديث
أم سلمة هو المقدم ، لوجوه كثيرة غير التي ذكرناها ، والسلام .

شاهد أيضاً

في رحاب الولي الخامنئي – الإمام علي عليه السلام 04 \ 17

الفصل الرابع:   الحكم عند أمير المؤمنين عليه السلام مزايا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ...