الرئيسية / بحوث اسلامية / المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي52

المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي52

ش
المراجعة 109 رقم : 23 ربيع الثاني سنة 1330
كنا – في المراجعة 19 – قلنا لكم : إن بعض المتعصبين عليكم قد يشاغبون
في إسناد مذهبكم – في فروع الدين وأصوله – إلى أئمة أهل البيت ، ووعدنا أنفسنا
بمراجعتكم في هذا الشأن ، وهذا وقت الوعد ، فهل تتفضلون بما يدرأ شغبهم ؟
والسلام .
س
المراجعة 110 رقم : 29 ربيع الثاني سنة 1330
1 – تواتر مذهب الشيعة عن أئمة أهل البيت
2 – تقدم الشيعة في تدوين العلم زمن الصحابة
3 – المؤلفون من سلفهم زمن التابعين وتابعي التابعين
1 – إن أولي الألباب ليعلمون بالضرورة انقطاع الشيعة الإمامية ( 1 ) خلفا
عن سلف في أصول الدين وفروعه إلى العترة الطاهرة ، فرأيهم تبع لرأي الأئمة من
العترة في الفروع والأصول وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنة أو يتعلق بهما من جميع
العلوم لا يعولون في شئ من ذلك إلا عليهم ، ولا يرجعون فيه إلا إليهم ، فهم
يدينون الله تعالى ، ويتقربون إليه سبحانه بمذهب أئمة أهل البيت ، لا يجدون عنه حولا
ولا يرتضون بدلا ، على ذلك مضى سلفهم الصالح من عهد أمير المؤمنين والحسن
والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين ( ع ) إلى زماننا هذا ، وقد أخذ الفروع
والأصول عن كل واحد منهم جم من ثقات الشيعة وحفاظهم وافر ، وعدد من أهل
الورع والضبط والاتقان يربو على التواتر ، فرووا ذلك لمن بعدهم على سبيل التواتر
القطعي ، ومن بعدهم رواه لمن بعده على هذا السبيل ، وهكذا كان الأمر في كل
خلف وجيل ، إلى أن انتهى إلينا كالشمس الضاحية ليس دونها حجاب ، فنحن
الآن في الفروع والأصول ، على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول ، روينا بقضنا
وقضيضنا مذهبهم عن جميع آبائنا ، وروى جميع آبائنا ذلك عن جميع آبائهم ،
وهكذا كانت الحال ، في جميع الأجيال ، إلى زمن النقيين العسكريين ، والرضايين
الجوادين ، والكاظمين الصادقين ، والعابدين والباقرين ، السبطين
الشهيدين ، وأمير المؤمنين ( ع ) ، فلا نحيط الآن بمن صحب أئمة أهل البيت من
سلف الشيعة ، فسمع أحكام الدين منهم ، وحمل علوم الاسلام عنهم ، وإن
الوسع ليضيق عن استقصائهم وعدهم ( 964 ) ، وحسبك ما خرج من أقلام
أعلامهم ، من المؤلفات الممتعة ، التي لا يمكن استيفاء عدها في هذا الاملاء (
965 ) ، وقد اقتبسوها من نور أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله ،
واغترفوها من بحورهم ، سمعوها من أفواههم ، وأخذوها من شفاههم ، فهي
ديوان علمهم ، وعنوان حكمهم ، ألفت على عهدهم ( 966 ) فكانت مرجع
الشيعة من بعدهم ، وبها ظهر امتياز مذهب أهل البيت على غيره من مذاهب
المسلمين ، فإنا لا نعرف أن أحدا من مقلدي الأئمة الأربعة مثلا ، ألف على عهدهم
كتابا في أحد مذاهبهم ، وإنما ألف الناس على مذاهبهم ، فأكثروا بعد انقضاء
زمنهم ( 967 ) وذلك حيث تقرر حصر التقليد فيهم ، وقصر الإمامة في الفروع
عليهم ، وكانوا أيام حياتهم كسائر من عاصرهم من الفقهاء والمحدثين ، لم يكن
لهم امتياز على من كان في طبقتهم ، ولذلك لم يكن على عهدهم من يهتم بتدوين
أقوالهم ، اهتمام الشيعة بتدوين أقوال أئمتها المعصومين – على رأيها – فإن الشيعة
من أول نشأتها ، لا تبيح الرجوع في الدين إلى غير أئمتها ، ولذلك عكفت هذا
العكوف عليهم ، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم ، وقد بذلت الوسع والطاقة
في تدوين كل ما شافهوها به ، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه ،
حفظا للعلم الذي لا يصح – على رأيها – عند الله سواه ، وحسبك – مما كتبوه أيام
الصادق – تلك الأصول الأربع مئة ، وهي أربعمائة مصنف لأربع مئة مصنف ،
كتبت من فتاوى الصادق على عهده ( 968 ) ، ولأصحاب الصادق غيرها هو
أضعاف أضعافها ، كما ستسمع تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى .
أما الأئمة الأربعة فليس لهم عند أحد من الناس منزلة أئمة أهل البيت عند
شيعتهم ، بل لم يكونوا أيام حياتهم ، بالمنزلة التي تبوأوها بعد وفاتهم ، كما صرح به
ابن خلدون المغربي ، في الفصل الذي عقده لعلم الفقه من مقدمته الشهيرة
( 969 ) ، واعترف به غير واحد من أعلامهم ، ونحن مع ذلك لا نرتاب في أن
مذاهبهم إنما هي مذاهب اتباعهم ، التي عليها مدار عملهم في كل جيل ، وقد
دونوها في كتبهم ، لأن أتباعهم أعرف بمذاهبهم ، كما أن الشيعة أعرف بمذهب
أئمتهم ، الذي يدينون الله بالعمل على مقتضاه ، ولا تتحقق منهم نية القربة إلى الله
بسواه .
2 – وإن الباحثين ليعلمون بالبداهة تقدم الشيعة في تدوين العلوم على من
سواهم ( 970 ) إذ لم يتصد لذلك في العصر الأول غير علي وأولوا العلم من
شيعته ، ولعل السر في ذلك اختلاف الصحابة في إباحة كتابة العلم
وعدمها ، فكرهها كما عن العسقلاني في مقدمة فتح
الباري وغيره – عمر بن الخطاب وجماعة آخرون ، خشية أن يختلط
الحديث في الكتاب ( 971 ) ، وأباحه علي وخلفه الحسن السبط المجتبى
وجماعة من الصحابة ، وبقي الأمر على هذه الحال حتى أجمع أهل القرن الثاني في آخر
عصر التابعين على إباحته ، وحينئذ ألف ابن جريح كتابه في الآثار عن مجاهد وعطاء
بمكة ، وعن الغزالي أنه أول كتاب صنف في الاسلام ، والصواب أنه أول كتاب
صنفه غير الشيعة من المسلمين وبعده كتاب معتمر بن راشد الصنعاني باليمن ثم
موطأ مالك ، وعن مقدمة فتح الباري أن الربيع بن صبيح أول من جمع ، وكان في
آخر عصر التابعين ، وعلى كل فالإجماع منعقد على أنه ليس لهم في العصر الأول
تأليف ( 972 ) .
أما علي وشيعته ، فقد تصدوا لذلك في العصر الأول ، وأول شئ دونه
أمير المؤمنين كتاب الله عز وجل ، فإنه ( ع ) بعد فراغه من تجهيز النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ، آلى على نفسه أن لا يرتدي إلا للصلاة ، أن يجمع القرآن ، فجمعه
مرتبا على حسب النزول ، وأشار إلى عامه وخاصه ، ومطلقه ومقيده ، ومحكمه
ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، وعزائمه ورخصه ، وسننه وآدابه ، ونبه على
أسباب النزول في آياته البينات ، وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات وكان
ابن سيرين يقول ( 1 ) : ” لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم ” ( 973 ) وقد عني
غير واحد من قراء الصحابة بجمع القرآن ، غير أنه لم يتسن لهم أن يجمعوه على
تنزيله ، ولم يودعوه شيئا من الرموز التي سمعتها × × × فإذن كان جمعه ( ع ) بالتفسير
أشبه . وبعد فراغه من الكتاب العزيز ألف لسيدة نساء العالمين كتابا كان يعرف عند
أبنائها الطاهرين بمصحف فاطمة يتضمن أمثالا وحكما ، ومواعظ وعبرا ،
وأخبارا ونوادر توجب لها العزاء عن سيد الأنبياء أبيها صلى الله عليه وآله
( 974 ) . وألف بعده كتابا في الديات وسمه بالصحيفة ، وقد أورده ابن سعد في
آخر كتابه المعروف بالجامع مسندا إلى أمير المؤمنين ( ع ) ، ورأيت البخاري ومسلما
يذكران هذه الصحيفة ويرويان عنها في عدة مواضع من صحيحيهما ، ومما روياه
عنها ما أخرجاه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه ، قال : ” قال علي رضي
الله عنه ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله غير هذه الصحيفة ، قال : فأخرجها فإذا
فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل ” ( 975 ) قال : وفيها ” المدينة حرم ما بين
عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين ” ( 976 ) الحديث بلفظ البخاري في باب إثم من تبرأ من مواليه من كتاب
” الفرائض ” في الجزء الرابع من صحيحه ( 1 ) ، وهو موجود في باب
فضل المدينة من كتاب الحج من الجزء الأول من صحيح مسلم ( 2 ) ، والإمام أحمد
بن حنبل أكثر من الرواية عن هذه الصحيفة في مسنده ، ومما رواه عنها ما أخرجه من
حديث علي في صفحة 100 من الجزء الأول من مسنده عن طارق بن شهاب ، قال :
شهدت عليا رضي الله عنه ، وهو يقول على المنبر : ” والله ما عندنا كتاب نقرؤه
عليكم إلا كتاب الله تعالى ، وهذه الصحيفة ، وكانت معلقة بسيفه أخذتها من
رسول الله صلى الله عليه وآله . . . الحديث ” ( 977 ) .

شاهد أيضاً

السيّد الخامنئي (دام ظله) هو قائد الأمة وصاحب الأثر الأكبر في مواجهة الاستكبار

أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله، سماحة السيّد، سامي خضرا، أن “فتاوى وخطب قائد ...