الرئيسية / الاسلام والحياة / المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي

المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي

معايير الزواج الإيجابيّة والسلبيَّة

الزواج ضروريّ للشباب وهم يطمحون إليه. ولكن ثمّة عقبات في طريقه لا تقتصر على المشاكل الاقتصادية، بل هي جانب من

 

المشكلة، والمشكلة الأساس ثقافية وتتمثّل في الأعراف والتقاليد والتكاثر وحبّ الأبّهة، فهي التي تحول إلى حد ما دون حصول الزواج كما ينبغي. فعليكم أنتم وعوائلكم معالجة هذه المعضلات. وإنّني أشعر بالغبطة والسرور لمراسيم زواج الطلبة التي تقام سنوياً. وإذا درجت العادة على إقامة مراسم الزواج على بساطتها وبعيداً عن البهرجة والتشريفات، فإنّني أتوقّع حلّ الكثير من المشاكل. وأساس الزواج في الإسلام يقوم على البساطة، وهذا ما كان سائداً مطلع انتصار الثورة، غير أنّ ثقافة التكاثر والتفاخر والثراء عقّدت الأمور إلى حدّ كبير[1].

 

أنا شخصياً أوصي بتسهيل أمر الزواج وعدم المبالغة في المهر، وتحاشي تكلّف الأثاث الباهظ الثمن، وأن لا يكون هناك تبذير وإسراف في حفلات الزواج، وهذا أمر جدير بأن تُبذل في إشاعته الجهود. ويا حبّذا (لو توجد) دعاية إعلامية وثقافية بشأنه من أجل أن يتنبّه إليه الناس. وإذا هم تنبّهوا إليه أعتقد أنّ أمر الزواج يصبح أكثر سهولة.

 

أما سنّ الزواج فيجب أن لا يكون فيها إفراط أو تفريط. فقد يرى بعض الناس التعجيل في الزواج. إنّي لا أعارض هذا النمط من الزواج طبعاً، ولا مؤاخذة على من يريد التزويج مبكراً جداً، ولكن لا ضرورة

 

للتأكيد عليه، ولا ينبغي التأخير فيه كما يفعل الغربيّون ويتزوّجون في سنّ الثلاثين أو الأربعين. ثمّ إنّ النزعة الأنانيّة السائدة في ذلك المجتمع تجعل الكثير من الرجال في سنّ الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين يتزوّجون فتيات شابات، فيكون بينهما فاصل في العمر شاسع. وهذا طبعاً من أسباب عدم استقرار الحياة الزوجية. ولهذا نلاحظ كثرة من الناس الذين يقضون أعمارهم بمفردهم في الغرب، وهي لحسن الحظ ظاهرة نادرة في إيران وعموم البلدان الإسلامية.

 

وعلى كلّ حال يجب التساهل في أمر الزواج وعدم التشدّد في الشكليّات لكي يتسنّى للشباب الزواج بسهولة. ويجب أن يتوفّر العزم والهمّة لدى الأسرة ولدى الفتيان والفتيات أنفسهم، وأن لا يكون هناك إحجام عن الزواج. ويا حبّذا لو تساهم الدولة في تقديم التسهيلات. وأنا أحرص وأحثّ المسؤولين على الدوام ليوفّروا للشباب السكن والسلفة المالية وسائر متطلّبات الحياة، ونحن ننظر إلى هذه الأمور كفرض علينا. ولكن أؤكّد ثانية على أنّ مسؤولية هذا العمل تقع بالدرجة الأولى على الأسرة وهي قضية خاصّة.

 

وقد قدّمنا في هذا الصدد توصيات كثيرة للمسؤولين الحكوميين ـ بشأن زواج الشباب، وبشأن ما يستلزمه الزواج من متطلّبات ـ ومن جملة ذلك قضية السكن، حيث أوصيت وزارة الإسكان منذ مدّة، وهم حالياً قيد اتّخاذ بعض التدابير لبناء دور مؤقّتة يستأجرها المتزوّجون حديثاً. أتأمّل توفير هذه المقدّمات لتحلّ قضيّة الزواج على نحو ما بإذن الله.

 

ثمّة معايير معيّنة في ذهني، إلّا أنّها لا تبتعد كثيراً عن المعايير الشرعية المتعارفة لدينا. ولكنّني أؤكّد على رفض بعض المعايير. أي إنّ أكثر ما أؤكّد عليه لا يتعلّق بطرح إطار معياريّ معيّن، لأنّ الإسلام ـ كما تعلمون ـ ترك الميدان مفتوحاً ولم يطرح إلّا قيماً ذات أهمية من الدرجة الأولى، ولم يقيّد الناس ضمن ذلك الإطار تقييداً صارماً. ومعنى كلامي هذا هو أنّني لا أؤكّد على تحديد معايير معيّنة بقدر ما أؤكّد على رفض معايير أخرى.

 

أمّا المعايير التي أرغب في أن ترفض بشدّة فمنها معيار الغنى. أي حينما يريد الشابّ أو الشابّة الإقدام على الزواج يجب أن لا يضع أيّ منهما نصب عينه ثروة الخطيبة أو الخطيب.

 

لأنّ هذا يعتبر في رأيي عنصر إغفال وليس نقطة ايجابية حقيقية، ويجب أن لا تؤخذ بنظر الاعتبار. ونحن لم نأخذه بنظر الاعتبار فيما يخصّ زواج أولادنا الذين تزوّج اثنان منهما.

 

الجانب الثاني الذي يجب أن لا يُعار له أيّ اهتمام هو جانب البروز الاجتماعيّ. فقد طرق سمعي أن بعض الناس يبحث كي يجد زوجاً لابنته أو زوجة لابنه، ممّن يتّصل بالأسر المشهورة أو أن يكون له منصب رفيع ـ وهذه الظاهرة قلّما توجد، لحسن الحظّ، بين الفتيات والفتيات أنفسهم، وإنّما هي ممّا يهتمّ به الآباء والأمّهات ـ وهذا في رأيي معيار مغلوط ويجب أن لا يؤخذ بنظر الإعتبار. كما وتوجد عوامل جذب ظاهرية تستقطب اهتمام الشبّان، وهذه أيضاً يجب أن

 

لا تُتّخذ ـ حسب رأيي ـ كمعيار للزواج. كأن يبحث الشباب والشّابّات، فإذا وجدوا ما يشدّ أبصارهم، اعتبروه معياراً وافياً. وهذا أيضاً مما نحذّر وننذر منه بشدّة، ولا نريد للفتيان والفتيات التورّط في هذا الفخّ.

 

وفضلاً عن ذلك، قد تجد فتاة أو فتىً يرغب في أن يكون شريك حياته ذا شهادة دراسية عالية، بينما تجد آخرين لا يعيرون أهمّية لهذا الجانب. وإنّما جئت بهذا المثل لأثبت أنّ المعايير الايجابية والمقبولة غير محدودة. أو على سبيل الفرض يرغب أهالي بعض الأقاليم في أن تكون الزوجة من نفس أهالي ذلك الاقليم. بينما يرغب بعضهم الآخر بالزواج من أُسر مجاهدة في سبيل اللّه أو ممّن قدّمت الشهداء وما إلى ذلك من المعايير الأخرى. ولكن هناك أشخاص آخرون لا يلزمون أنفسهم بمثل هذه المعايير. وأنا لا أريد أن يُطرح معيار إيجابيّ معيّن حتّى لا يكون بمثابة القيد الإلزاميّ، وإنّما أريد فقط تسليط الأضواء على المعايير السلبية. وهذه هي الموازين التي وضعناها نصب أعيننا فيما يخصّ أولادنا.

 

أرى من اللّازم مراعاة ذوق ورغبة الفتى والفتاة نفسيهما. والحقيقة هي أنّني أقول بنمط آخر من الرضا غير الرضا الذي يتناوله عالم المباحث الحقوقية والذي يشترط رضا الفتى والفتاة كشرط لصحّة عقد الزواج. أمّا الرضا الذي أرغب في وجوده كشرط لتحقّق الزواج فهو أن تكون الظروف على نحو يؤدّي إلى ايجاد المحبّة بينهما، وأن

 

لا يتمّ الزواج أساساً بدون توفّر عنصر المحبّة. لا بمعنى ضرورة وجود المحبّة قبل الزواج. وإنّما ينبغي على العموم توفّر نوع من الإعجاب والميل، أي أن يكون هناك ميل من الفتاة نحو الفتى، ومن الفتى نحو الفتاة، ليكون هذا الميل بمثابة الأرضية التي تقوم عليها المحبّة الدائمة.

 

من الطبيعيّ أنّ المحبّة قابلة للزوال، إلا أنّه يمكن أيضاً تكريسها وتعميقها. وهذا منوط بالإنسان ذاته. فمن جملة ما أودعه الباري تعالى في التركيب المعقد للإنسان هو أن جعل المحبّة رهن يديه إلى حدّ بعيد. وبصرف النظر عن بعض أنواع الحبّ الجارف الذي يُقال إنّه حبّ لا إراديّ، وأكثر الشعراء في وصفه، وإذا اعتبرنا هذا النوع من الحبّ ظاهرة استثنائية في حياة الإنسان، فإنّ القاعدة العامّة هي أنّ الشخصين اللذين يوجد بينهما شيء من المحبّة يمكنهما بكل سهولة إرواؤها والتسامي بها وإنماؤها. وعلى كلّ الأحوال هذا شيء ضروريّ ولازم[2].

[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.

[2] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الأخوات المؤمنات العاملات في حقل الثقافة والإعلام، بتاريخ 19/06/1419ه.ق.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...