الرئيسية / المرأة في الإسلام / المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي

المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي

المرأة والدور السياسيّ

الدور السياسيّ للمرأة[1]

إنّ الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً وقضية حيوية على صعيد القضايا السياسية والاجتماعيّة.

 

وبإلقاء نظرة على العالم الغربيّ وتلك البلدان الأوربية التي تدّعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة ـ وهي أكاذيب في مجملها ـ فإنّنا نجد أنّ المرأة، وحتّى العقود الأولى من هذا القرن، لم يكن لها حقّ في إبداء الرأي، ولا في الانتخاب، بل وحتّى لم يكن لها حقّ في الملكية، أي أنّها لم تكن أيضاً مالكة لأموالها الموروثة، وإنّما كان المالك هو زوجها! ولكن الإسلام يقرّ بيعة المرأة ومالكيتها ومشاركتها في الساحات الأساسية السياسية والاجتماعيّة، فيقول القرآن الكريم ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ﴾[2], فالنساء كنّ يأتين أيضاً لمبايعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل رسول الإسلام الرجال ينوبون عن النساء فيخترن من اختاروا ويقبلن بمن قبلوا، بل قال إنّ النساء

يبايعن أيضاً ولهنّ أن يشاركن في القبول بهذه الحكومة وهذا النظام الاجتماعيّ والسياسيّ. فالغربيّون متأخّرون عن الإسلام ألفاً وثلاثمائة سنة في هذا المجال، ولكنّهم يتشدّقون بهذه المزاعم!

 

ولقد كانت فاطمة الزهراء عليها السلام، هي نفسها، أسوة في ذلك، سواء في مرحلة الطفولة أو في المدينة المنوّرة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليها، وكذلك في الشؤون العامّة كافّة، في ذلك الزمان الذي كان فيه أبوها محوراً لجميع الأحداث السياسية والاجتماعيّة، حيث كان لها عليها السلام حضور واسع، وكانت مظهراً لدور المرأة في النظام الإسلاميّ. وبالطبع فإنّ فاطمة الزهراء عليها السلام كانت قمّة في هذه الأمور، ولكنّ سيّدات أخريات كنّ في صدر الإسلام على قدر كبير من المعرفة والحكمة والعلم، وكان لهنّ حضور في ميادين الحرب، لدرجة أنّ بعض مَن كُنّ يتمتّعن بقوّة بدنية كانت لهنّ صولات وبطولات في المعارك والضرب بالسيف وسوح التضحية. ولكنّ الإسلام لم يوجب ذلك طبعاً على النساء، بل أسقطه عنهنّ لعدم ملاءمته لطبيعتهنّ الجسدية وكذلك لعواطفهنّ.

 

دور المرأة في التحوّلات الاجتماعيّة والثورات

فيما يتعلّق بدور النساء في التحوّلات الاجتماعيّة وفي الثورات، في هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلامية، لو أنّ النساء لم يشاركن في الحركة الاجتماعيّة لأيّ شعبٍ فإنّ تلك الحركة لن تصل إلى أيّ مكان ولن تنجح. ولو ساهمت النسوة في أيّة حركة مساهمة جادّة

وواعية وعن بصيرة فإنّ تلك الحركة ستتقدّم بنحوٍ مضاعف. وفي هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلامية فإنّ دور النساء هو دورٌ لا بديل عنه، ويجب أن يستمرّ. فالنساء هنّ اللواتي يهيّئن أزواجهنّ وأبناءهنّ ويدفعنهم للمشاركة في أخطر الميادين والجبهات.

 

نحن، وفي زمن النضال ضدّ الطاغوت في إيران، وكذلك بعد انتصار الثورة وإلى اليوم، كنّا نشاهد عظمة الدور النسائيّ بشكلٍ واضحٍ وملموس. فلو لم يكن لنسائنا في هذا البلد أثناء الحرب، التي فُرضت علينا طيلة ثماني سنوات، حضور في ميادين الحرب وفي الساحات الوطنية العظيمة لما انتصرنا في هذا الاختبار الصعب والمليء بالمحن. فالنساء هنّ اللواتي نصرننا، أمّهات الشهداء وزوجاتهم وزوجات المعوّقين والأسرى والأحرار، فبصبرهنّ أشاعت الأمّهات مناخاً في نطاقٍ محدودٍ كان يدفع بالشباب والرجال للحضور بشوق ورغبة عارمة. وقد انتشر هذا في سائر البلد واتّسع. وكانت النتيجة أنّ الجوّ العامّ لبلدنا أضحى دفعةً واحدةً مناخ الجهاد والتضحية والإيثار وبذل النفوس، وانتصرنا. واليوم الوضع هو كذلك في العالم الإسلاميّ، في تونس وفي مصر والبحرين وليبيا واليمن، وفي كلّ منطقة أخرى. لو أنّ النساء استطعن تقوية حضورهنّ في الصفوف الأمامية واستمررن على ذلك ستكون الانتصارات المتلاحقة من نصيبهنّ. ولا شكّ في ذلك[3].

دور المرأة في الثورة عند الإمام الخمينيّ قدس سره

المرأة من بعد انتصار الثورة حظيت بالتكريم، وكان رائد هذا التكريم والسبّاق إليه هو الإمام القائد (الإمام الخمينيّ قدس سره) الذي كان يحترم المرأة الإيرانية المسلمة كل كمال الاحترام، وهذه النظرة هي التي استقطبت النساء لمناصرة الثورة الإسلامية بحيث يمكن القول إنّه لولا مشاركة النساء فيها لكان من المحتمل جداً أن لا يكتب لها النَّصر بتلك الكيفية، أو لا تنتصر أساساً، أو تعترضها مشاكل كبرى. وعلى هذا الأساس أدّى حضور النساء إلى سقوط المعوقات أمام طريق الثورة. وهكذا كان موقفها أيضاً طوال فترة الحرب، وفي قضايا الثورة الأخرى كافّة منذ انطلاقتها ولحدّ الآن[4].

 

لقد أدرك الإمام الخمينيّ قدس سره دور النساء، وأهميَّة مشاركتهنّ في التظاهرات، والحضور في الساحات، على الرغم من الموقف المعارض لبعض العلماء الكبار[5].

 

ذلك الحصن المنيع الذي كان الإنسان يعتمد عليه ويطمئنّ ليقدر على الوقوف في مواجهة مثل هذه الآراء الصادرة عن مراكز هامّة،

كان حصنّ رأي الإمام وفكر الإمام وعزمه. رحمة الله تعالى على هذا الرجل العظيم إلى أبد الآبدين[6].

 

أوّل حركة شعبية كانت نسائية

إنّ النساء كان لهنّ دور (مميّز) سواء أكان في بدايات النهضة أم في زمن الثورة، أي في تلك السنة والنصف من التحرّكات الجماهيرية الثورية، كان للنساء دور مؤثّر ولا بديل له حتّى أنّهنّ لو لم يشاركن فقط في هذه التحرّكات والتظاهرات الحاشدة والعظيمة، لما كان لهذه التحرّكات كل ذلك الأثر. بل إنّه في بعض الأماكن – مثلاً عندنا في مشهد – كان انطلاق التظاهرات بواسطة النساء، أي إنّ أوّل حركة شعبية كانت حركة نسائية، وقد تصدّت لهنّ الشرطة، وانطلقت فيما بعد التحرّكات من الرجال. هكذا كان الأمر في الثورة والمواجهات. وكذلك بالنسبة إلى دورهنّ في تشكيل النظام وما جرى بعده بشكل سريع، أي زمن الحرب، زمن المحنة، زمن الامتحان الصعب ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾[7]. لقد كانت الأوضاع قاسية في زمن الحرب. والحال، فإنّ بعضهم شاهد الحرب عبر التلفاز والإذاعة وما شابه، وبعضهم كان في ميدان الحرب بجسده وروحه، ما يتمّ

عرضه من تقارير وأخبار مفعمة بالحماس والشوق في الحرب، كلّه صحيح وحقيقيّ، حيث إنّني أقرأ الكثير من الكتب المتعلّقة بذكريات المقاتلين وأعلم بأنّها صحيحة، كلّ ذلك الشوق والحرقة والعشق للجهاد والاشتياق للشهادة وعدم الرهبة من الموت وما شابه، هو ما يُعرض في التقارير وهو صحيح، لكنّ النظرة العامة للحرب كانت نظرة مثقلة بالمحنة والحزن…[8].

 

دور أمّهات وزوجات الشهداء والجرحى

لقد كان زمناً صعباً، وفي هذا الزمن الصعب كان دور النساء دوراً استثنائياً، دور أمّهات الشهداء، دور زوجات الشهداء، دور النساء المباشر المتّصل بساحة الحرب مباشرة في أعمال الدعم والمؤازرة، وأحياناً، وبشكل نادر، في الأعمال العسكرية والعمليات. ولقد شاهدتُ عن قرب أعمال الدعم الحربيّ للنساء في الأهواز حيث كان دوراً منقطع النظير. لقد كانت النساء فاعلات حتّى في الأقسام العسكرية. القصة “دا”[9] التي كتبتها السيدة حسيني تدلّ على هذا الأمر، لقد شكّلن فريق عمل لا يمكن قياسه بأيّ مقياس ولا ميزان. أن تكون أمّاً، أمّاً لشهيد، أمّاً لشهيدين، لثلاثة شهداء، لأربعة شهداء، ليس

الأمر بالطرفة التي يسهل ذكرها على اللسان. إذا تعرّض طفل للزكام وسعل عدّة مرات، كم نقلق عليه؟ فماذا لو ذهب الولد فقُتل، ثم قُتل الثاني، ثمّ الثالث، هل هذه طرفة؟ وهذه الأمّ بكل عواطفها الأمومية المرهفة والملتهبة تؤدّي دورها بشكل تتشجّع معه مئة أمّ أخرى لإرسال أولادهنّ إلى ساحة الحرب، لو أنّ تلك الأمهات – حين وصلتهنّ جثامين أبنائهن أو لم تصل – صدرت عنهنّ آهات وأنين، عتاب وشقّ للجيوب أو اعتراض على الإمام (الخمينيّ قدس سره) وعلى الحرب، فلا شكّ أنّ الحرب كانت ستُشلّ في تلك السنوات والمراحل الأولى للحرب. وهذا هو دور أمّهات الشهداء، وزوجات الشهداء الصابرات. نساء شابّات يفقدن أزواجهنّ في بداية الحياة الجميلة التي كنّ يتمنّينها، أن يرضين أولاً بأن يذهب أزواجهنّ الشباب إلى حيث من الممكن أن لا يرجعوا، ومن ثمّ يتحمّلن شهادتهم، ثمّ يفتخرن بهذا ويرفعن رؤوسهنّ شموخاً، هذه أدوار لا بديل لها ولا مثيل. ثمّ المعاناة المستمرّة حتّى الآن لزوجات المعوّقين من جرحى الحرب. سيّدات تزوّجن بمعوّق جسده ناقص، وفي بعض الأحيان يكون سيّئ الخُلُق بسبب وضعه الجسديّ أو العوارض الناشئة من حالات الصرع والتشنّج العصبيّ، أن تقوم سيّدة بملء إرادتها وبشكل ملتزم ومسؤول وتتحمّل هذا بشكل تطوّعي وبدون أي إجبار تكون قد قامت بعمل فدائيّ كبير. أحياناً قد تَقُلنَ (أيّتها السيّدات) إنّنا نجيء في اليوم لزيارة أحد الجرحى لمدة ساعتين، حسناً في كل مرة تذهبن تُشكرن على تعبكنّ، ولكن أحياناً

يكون العكس، أنتنّ تخترن أن تكنّ زوجات لهؤلاء الجرحى، تصبحن دائنات! أي إنّ طبيعة الحال أن تقمن أنتنّ بهذا العمل، لكنّ أولئك النسوة قمن بتلك التضحية. وفي الحقيقة إنّ دور النساء لا يمكن أن يُحدّ ويُحسب[10].

 

لقد قلتها مراراً!. إنّني في زياراتي لعوائل الشهداء غالباً ما أجد أمّهات الشهداء أشجع وأكثر مقاومة من آباء الشهداء. وهل يمكن مقارنة محبّة الأم وعاطفتها بعاطفة الأب؟ فالمشاعر النسوية الرقيقة، وخصوصاً تجاه فلذة كبدها بعد أن ربّته وكبّرته وأنشأته كباقة ورد، ثمّ ترضى بأن يتوجّه لساحات الحرب ويستشهد، ثمّ لا تبكي على جنازته من أجل أن لا يفرح أعداء الجمهورية الإسلامية! وقد قلت – أنا العبد – لعوائل الشهداء مراراً ابكوا! لماذا لا تبكون؟ لا عيب في البكاء. لكنّهم لا يبكون، ويقولون نخشى أن يفرح بذلك أعداء الجمهورية الإسلامية. لا تسمّها امرأة بل سمّها صانعة رجال العصر…[11]. هؤلاء هنّ نساء إيران، وقد خرجن من الامتحان مرفوعات الرؤوس[12].

[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة، في طهران، بحضور جمع غفير من الأخوات المسلمات، 20/06/1421ه.

[2] سورة الممتحنة، الآية 12.

[3] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.

[4] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران – ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.

[5] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

[6] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

[7] سورة التوبة، الآية 118.

[8] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

[9] اسم سلسلة قصص أدبية كتبت حول الجبهة أثناء الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية.

[10] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

[11] عمان الساماني، ديوان الأشعار.

[12] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران – حسينية الإمام الخميني قدس سره، بحضور جمعٌ من الشعراء والمدّاحين لأهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 12/05/2012م.

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...