روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
13 فبراير,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
782 زيارة
أسئلة مشروعة حول العبادة ولزومها
في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ الإمام الحسين عليه السلام خطب أصحابه فقال: “إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه”[1].
لماذا يتعبّد الإنسان؟ ولماذا يتحمّل المشقّة ويبذل الجهد؟ فيصلي ويصوم ويحج ويجاهد ويبذل المال؟ فالله تعالى غير محتاج للعبادة وغنيٌّ عنها، والإنسان يلاقي الكلفة البدنية والتعب في أداء العبادة، ويبذل الجهد والمال والوقت في سبيلها. فلماذا كل ذلك إذن؟ هل يكفي القول بأن ثمة فوائد كبرى فردية واجتماعية للعبادة تعود على الإنسان فيتحمّل من أجل نيلها المشقّة؟ أو أن يقال بأن الرغبة بنيل الثواب الأخروي المنتظر من العبادة ودفع العقوبة الإلهية المتوقعة لتارك العبادة هما الدافعان اللذان يدفعان الإنسان نحو العبادة؟
فلماذا نجد إذاً أشخاصاً بلغ بهم حبّ العبادة بحيث لا يجدون لها أية مشقة؟ بل على العكس من ذلك، نراهم يندفعون لأدائها بكل رغبة وشوق ويترقّبون هدأة الليل ونوم الأنام لينصرفوا لمناجاة معشوقهم الأوحد وبثّه لواعج أشجانهم؟
ولماذا نسمع شخصاً كأمير المؤمنين عليه السلام يناجي ربه فيقول: “ما عبدتك خوفاً من نارك ولا رغبة في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك”[2].
فهل في البين دوافع أخرى تجعل للعبادة موقعاً مختلفاً لدى العابدين؟
هذه أسئلة تطرأ على الكثيرين، ويتصوّرها العديد من الناس حول وجوب العبادة. وما يزيد أهمية هذه الأسئلة تأكيد القرآن الكريم كما ذكرنا على أن العبادة هي الهدف من الخلق: ﴿ وَمَا خَلَقتُ ٱلجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ ﴾[3].
فما هو سرّ ذلك؟ وما هو منشأ العبادة؟ ولماذا كانت لازمة للإنسان؟
مع بعض البحث والتأمل يجد الإنسان جواب سؤاله حاضراً، يقدّمه القرآن الكريم إليه، بعد أن يضع أمامه جملةً من الحقائق التي تفيد بأن القيام بعبادة الله وحده حقٌّ، وبأن هذه العبادة نتيجة طبيعية في هذا الوجود تمليها طبيعة العلاقة بين الإنسان وخالقه.
وبإمكاننا أن نتابع تلك الحقائق الجوهرية التي تنتج حتمية العبادة لله سبحانه وتعالى كما بسطها القرآن الكريم، والربط بين كل سببٍ ونتيجته العبادية في العديد من آياته، وفيما يلي نلقي نظرةً على هذه الحقائق التي تحكي عن طرفي هذه العلاقة: الله عز وجل من جهة والإنسان من جهة ثانية.
الحقائق الإلهية التي توجب عبادة الله
-
الخلق لله:
تحدّث القرآن الكريم عن الخلق والإيجاد والنشأة التكوينية للإنسان وربط بين مبدأ الخلق والإبداع والتكوين من جهة، وبين العبادة والخضوع لله من جهة أخرى، كحقيقتين مترابطتين لا تنفكّ إحداهما عن الأخرى، قال تعالى: ﴿َأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم وَٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ٢١ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرضَ فِرَٰشا وَٱلسَّمَاءَ بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاء فَأَخرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزقا لَّكُم فَلَا تَجعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادا وَأَنتُم تَعلَمُونَ ﴾[4]. ﴿ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُم لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيء فَٱعبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء وَكِيل ﴾[5].
بهذا جعل القرآن عبادة الله نتيجةً تتولّد بصورةٍ طبيعيةٍ عن حقيقة أن الخلق لله وأنه تعالى خالق الإنسان وخالق كلّ شيء بما فيه الأرض والسماء والماء ومسخّرها للإنسان، فجعل العبادة حقيقةً وجوديةً في دنيا الإنسان تشكل الرابط ما بين الطرفين في معادلة الخلق والعلاقة بالله سبحانه. فالله تعالى هو الخالق والإنسان هو المخلوق الذي يمتّ إلى خالقه بالعبادة والخضوع.
-
الملك لله:
والحقيقة الثانية التي ينتج عنها وجوب عبادة الله هي: إن الإنسان ملكٌ لله كغيره من أجزاء هذا الكون.
فالإنسان مملوكٌ لخالقه، لا يملك من هذا الوجود ولا من نفسه شيئاً: ﴿ لَيسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمرِ شَيءٌ ﴾[6]، وهو يتصرّف بنفسه، وبالكون، وبالأرض، والملك، والثروة، وكل وسائل الحياة بتخويلٍ من الله سبحانه. فيجب عليه أن يخضع لمشيئة الله ويمارس الحياة وفقها، ليكون بهذا الالتزام عبداً لله: ﴿ يُولِجُ ٱلَّيلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمسَ وَٱلقَمَرَ كُلّ يَجرِي لِأَجَل مُّسَمّى ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُم لَهُ ٱلمُلكُ وَٱلَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ ﴾[7]. ﴿ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُم لَهُ ٱلمُلكُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصرَفُونَ ﴾[8].
﴿ تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلمُلكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء قَدِيرٌ ﴾[9].
وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم أيضاً وهو يخاطب الإنسان، ويوضح له: إن كل ما بيده في هذه الحياة هو ملك لله وليس له، وسيفارقه ويتركه ليتصرّف به غيره، وستُنزع نفسه من الحياة صفر اليدين، قال تعالى: ﴿ وَلَقَد جِئتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقنَٰكُم أَوَّلَ مَرَّة وَتَرَكتُم مَّا خَوَّلنَٰكُم وَرَاءَ ظُهُورِكُم ﴾[10].
كما يربط القرآن الكريم في آيةٍ أخرى بين اختصاص الله بالملك وبين الإيمان به وحده، فيكشف أن الذي يملك الخلق والموت والحياة هو وحده الذي يجب أن يؤلّه، وبالتالي الوحيد الذي يستحقّ العبادة والوحيد الذي يصحّ أن يكون الإنسان عبداً له. وبما أن العبودية خضوعٌ مطلقٌ وتسليمٌ تامٌّ للمعبود، فلا يصحّ خضوع المملوك واستسلامه إلاّ لمالكه: ﴿ قُل يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيكُم جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحيِۦ وَيُمِيتُ فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ ﴾[11].
[1] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار،ج5، ص312.
[2] م.ن، ج 67، ص 186.
[3] سورة الذاريات، الآية 65.
[4] سورة البقرة، الآيتان 21-22.
[5] سورة الانعام، الآية 102.
[6] سورة آل عمران، الآية 128.
[7] سورة فاطر، الآية 13.
[8] سورة الزمر، الآية 6.
[9] سورة الملك، الآية 1.
[10] سورة الانعام، الآية 94.
[11] سورة الأعراف، الآية 158.
2019-02-13