07)معالم المجتمع الإسلامي من خلال السورة
تتضمّن السورة مسائل من شرائع الدين بها تتم الحياة السعيدة للفرد ويستقر النظام الصالح الطيب في المجتمع، منها ما هو أدب جميل للعبد مع الله سبحانه ومع رسوله كما في الآيات الخمس في مفتتح السورة، ومنها ما يتعلّق بالانسان مع أمثاله من حيث وقوعهم في المجتمع الحيوي، ومنها ما يتعلّق بتفاضل الأفراد وهو من أهم ما ينتظم به الاجتماع المدني ويهدي الانسان إلى الحياة السعيدة والعيش الطيب الهنيء ويتميّز به دين الحق من غيره من السنن الاجتماعية القانونية وغيرها، وتختتم السورة بالإشارة إلى حقيقة الإيمان والإسلام وامتنانه تعالى بما يفيضه من نور الإيمان[1]. إنّ صورة المجتمع الإسلامي الذي تريد بناءه سورة الحجرات هو على الشكل التالي:
– مجتمع رفيع كريم نظيف سليم متضمّنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم والتي تكفل قيامه أولاً، وصيانته أخيراً.
– مجتمع يصدر عن الله، ويتّجه إلى الله، ويليق أن ينتسب إلى الله.
– مجتمع نقي القلب، نظيف المشاعر، عفّ اللسان، وقبل ذلك عفّ السريرة.
– مجتمع له أدب مع الله، وأدب مع رسوله، وأدب مع نفسه، وأدب مع غيره. أدب في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه. وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظّمة لأوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته. يتمثّل هذا الأدب في إدراك حدود العبد أمام الربّ، وأمام الرسول الذي يُبلِّغ عن الربّ. فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي، ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأياً مع خالقه.. تقوى منه وخشية، وحياءً منه وأدباً.
مجتمع له منهجه في التثبُّت من الأقوال والأفعال، والاستيثاق من مصدرها، قبل الحكم عليها. يستند هذا المنهج إلى تقوى الله تعالى.
– مجتمع له نظمه وإجراءاته العملية في مواجهة ما يقع فيه من خلاف وفتن وقلاقل واندفاعات، تخلخل كيانه لو تُركت بغير علاج. وهو يواجهها بإجراءات عملية منبثقة من قاعدة الأخوّة بين المؤمنين، ومن حقيقة العدل والإصلاح، ومن تقوى الله والرجاء في رحمته ورضاه.
– مجتمع له آدابه النفسية في مشاعره تجاه بعضه البعض وله آدابه السلوكية في معاملاته بعضه مع بعض: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾.﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
– مجتمع نظيف المشاعر، مكفول الحرمات، مصون الغيبة والحضرة، لا يؤخذ فيه أحد بظنة، ولا تتبع فيه العورات، ولا يتعرّض أمن الناس وكرامتهم وحريتهم فيه لأدنى مساس.
– مجتمع له فكرته الكاملة عن وحدة الإنسانية المختلفة الأجناس المتعدّدة الشعوب وله ميزانه الواحد الذي يقوم به الجميع. إنّه ميزان الله المبرّأ من شوائب الهوى والاضطراب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
والسورة بعد عرض تلك الحقائق التي تكاد تستقلّ برسم معالم ذلك المجتمع الرفيع الكريم النظيف السليم، تُحدّد معالم الإيمان، الذي باسمه دعي المؤمنون إلى إقامة ذلك المجتمع. وباسمه هتف لهم ليلبّوا دعوة الله الذي يدعوهم إلى تكاليفه بهذا الوصف الجميل، الحافز إلى التلبية والتسليم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. ذلك النداء الحبيب الذي يخجل من يُدعى به من الله أن لا يجيب والذي ييسّر كل تكليف ويهوّن كلّ
مشقة، ويشوّق كلّ قلب فيسمع ويستجيب: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
أمّا في ختامها فتكشف السورة عن ضخامة الهبة الإلهية للبشر. هبة الإيمان التي يمنّ بها على من يشاء، وفق ما يعلمه فيه من استحقاق: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[2].
[1] محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان، ج18، ص 305.
[2] راجع: سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي، في ظلال القرآن، ج6، ص 3335 – 3337. (بتصرّف وتلخيص).