روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
13 أبريل,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
1,134 زيارة
ماهيّة العبادة وآثارها
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
-
يعرّف حقيقة الصلاة ويستنتج أنّها أهم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق.
-
يدرك أهمية النوافل وفضلها.
-
يبيّن أهمية وفضل صلاة الليل وآثارها المعنوية والمادية.
حقيقة الصلاة وأهميتها
عن الإمام الصادق عليه السلام: “أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإذا قُبلت قُبل منه سائر عمله، وإذا ردّت عليه ردّ عليه سائر عمله، فإذا صلّيت فأقبل بقلبك إلى الله عزّ وجلّ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل في صلاته ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين إليه وأيده مع مودّتهم إيّاه بالجنة”[1].
لا يخفى سبب اختيار الصلاة من بين العبادات لاستهلال بياننا للأعمال العبادية وحقائقها وآدابها بها، فإن الصلاة هي عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ عمود الدين الصّلاة وهي أوَل ما يُنظَر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظِرَ في عمله وإن لم تَصِحَّ لم يُنظَر في بقيّة عمله”[2].
الصلاة عمود الدين بمعنى أنها قوامه، وموضعها من الدين كموضع الرأس من الجسد. وهي أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله سبحانه، وأفضل ما توسّل به المتوسّلون للتقرّب إليه، وهي معراج المؤمنين والعارفين وسفر العاشقين. والصلاة أوّل ما افترض الله سبحانه على الناس، وأول ما يجب تعلّمه من الفرائض، وأوّل ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، وأوّل ما يُحاسب به، وآخر وصية للرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنّه كان من آخر وصاياه: “الصلاة، الصلاة، الصلاة…”[3].
وللصلاة آثارها المعنوية العظيمة على الإنسان.
فهي مثل عين الماء الزلال تطهر المصلّي الذي يصلّي خمس مرات في اليوم، فعن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إنما مثل الصلاة فيكم كمثل السري وهو النهر على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة يغتسل منه خمس مرات فلم يبق الدرن مع الغسل خمس مرات ولم تبق الذنوب مع الصلاة خمس مرات”[4].
وليس في العبادات ما يضاهي الصلاة، فهي مرهمٌ إلهيٌ جامعٌ يتكفّل بسعادة البشر، فإن تمام الصلاة بكل ما تحويه من ذكر وركوع وسجود وتوجّه، هو إذعان بالعبودية لرب العالمين حيث يلقي المصلّي جانباً الأنانية وعبادة النفس ويسلّم كيانه بأجمعه لله تعالى، ﴿ إِنِّي وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ حَنِيفا وَمَا أَنَا مِنَ ٱلمُشرِكِينَ ﴾[5]، فيقف المصلّي بين يدي الله متواضعاً ويهوي برأسه إلى تراب الذل والمسكنة ويعلن التسليم الكامل والإذعان والخضوع له تعالى.
وهذه الخاصّية للصلاة هي ما يعطيها موقعها المميّز بين سائر العبادات، فالصلاة بإمكانها أن تكرّس كيان الإنسان بأسره بدءاً من البعد الظاهري أي البدني وانتهاءً بالأبعاد الباطنية كالعقلية والقلبية في ربقة العبودية، فليس من عبادة أخرى تُعنى بجميع أبعاد وجود الإنسان الظاهرية والباطنية في برنامج يومي يغطي جلّ أوقات المكلّف غيرها. ولذا فإن الصلاة هي خير وسيلةٍ تربط الإنسان بربّه، وهذا هو السرّ في كون الصلاة “خير العمل”.
وهذه الخاصّية نفسها هي ما يجعل الصلاة أكمل وسيلة للسير والسلوك إلى الله تعالى، وأهم وسيلة لبلوغ الهدف الأعلى للإنسانية.
عن الإمام الرضا عليه السلام: “إنّما أمروا بالصلاة لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبية”[6]. وعن
الإمام الصادق عليه السلام قال: “العبودية جوهر[7] كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي من الربوبية أصيب في العبودية”[8].
فضل وأهمية الصلاة في القرآن والسنة
نستشفّ من الآيات القرآنية الكريمة ومن الأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة أهميةً وفضلاً ومقاماً عظيماً للصلاة، نورد هنا بعض النماذج:
-
الصلاة أفضل وسيلة لذكر الله تعالى:
إذ يشير الله سبحانه في الآية الكريمة: ﴿ إِنَّنِي أَنَا ٱللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَٱعبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكرِي ﴾[9] إلى واحدة من أهم أسرار الصلاة، وهي أن الإنسان يحتاج في حياته في هذا العالم، إلى عمل يذكره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوامة الغفلة والجهل، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمة.
فمع توزع الصلوات الواجبة على أوقات اليوم المختلفة فإن العبد يغسل بها غبار الغفلة الذي استقرّ على قلبه. ومن هنا يقول الله سبحانه لنبيّه موسى عليه السلام في أول الأوامر في بداية الوحي: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكرِي ﴾، وفي آيات أخرى نقرأ: ﴿ أَلَا بِذِكرِ ٱللَّهِ تَطمَئِنُّ ٱلقُلُوبُ ﴾[10] و﴿ يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفسُ ٱلمُطمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرضِيَّة ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدخُلِي جَنَّتِي ﴾[11].
فإذا جعلنا هذه الآيات الثلاث جنباً إلى جنب فسنفهم جيداً أن الصلاة تذكر الإنسان بالله، وذكر الله يجعل نفسه مطمئنة، ونفسه المطمئنة ستوصله إلى مقام العباد المخلصين والجنة الخالدة.
-
للصلاة صورة ملكوتية:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “من صلّى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقيّة، تقول: حفظك الله كما حفظتني استودعتني ملكاً كريماً. ومن صلاّها بعد وقتها من غير علّةٍ ولم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به: ضيّعك الله كما ضيّعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني”[12].
من هنا يتبيّن أن للصلاة حقيقة، وهي تدعو للمصلي إذا أتى بها في أول وقتها ولاحظ آدابها، وإذا لم يصلّ الصلاة لوقتها ترتفع سوداء وهي تدعو عليه.
-
3. الصلاة أحب الأعمال إلى الله تعالى:
عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى الله عزّ وجلّ ما هو فقال: “ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة ألا ترى أنّ العبد الصّالح عيسى ابن مريم عليه السلام قال ﴿ وَأَوصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمتُ حَيّا ﴾[13].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: “أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصّلاة وهي آخر وصايا الأنبياء”[14].
-
الصلاة أوثق سبب لقرب العبد من الله:
عن الإمام الرِّضَا عليه السلام: “أقرب ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ وهوَ ساجد وذلك قوله عزّ وجلّ ﴿وَٱسجُدۤ وَٱقتَرِب ﴾[15]“[16]، وعنه عليه السلام أيضاً قال: “الصّلاة قربان كلّ تقيّ”[17].
-
الصلاة سبب مغفرة الذنوب:
عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ ٱلحَسَنَٰتِ يُذهِبنَ ٱلسَّئَِّاتِ ﴾[18] قال: “صلاة المؤمن باللّيل تَذهَب بما عمل من ذنب بالنّهار”[19].
وعنه عليه السلام قال: “من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف وليس بينه وبين الله ذنب“[20].
-
للمصلي مقام عظيم:
يقول الإمام الباقر عليه السلام: “للمصلّي ثلاث خصال: إذا هو قام في صلاته حفّت به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء، ويتناثر البرّ عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، وملكٌ موكّلٌ به ينادي لو يعلم المصلّي من يناجي ما انفتل“[21].
النوافل
تبيّن لنا أن الصلاة هي أفضل وسيلة للسير والسلوك والتقرّب إلى الله سبحانه، والصلوات تقسم إلى قسمين: واجبة، ومستحبة، فالصلوات الواجبة أو الفرائض هي من قبيل: الصلوات اليومية، وصلاة الآيات، وصلاة الميت، وصلاة الطواف الواجب..
وأمَّا الصلوات المستحبة أو النوافل فكثيرة، وأهمّها وأفضلها: الرواتب اليومية، وهي أربع وثلاثون ركعة على الشكل التالي: نافلة الظهر ثماني ركعات قبل فريضة الظهر، نافلة العصر ثماني ركعات قبل فريضة العصر، نافلة المغرب أربع ركعات بعد فريضة المغرب، نافلة العشاء ركعتان من جلوس تعدّان ركعة واحدة وتسمّى الوتيرة، ونافلة الصبح ركعتان قبل فريضة الصبح، ونافلة الليل إحدى عشر ركعة وغيرها…
أهمية النوافل
عن الفضيل: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُم عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِم يُحَافِظُونَ ﴾[22]، قال عليه السلام: “هي الفريضة“، قلت: ﴿ ٱلَّذِينَ هُم عَلَىٰ صَلَاتِهِم دَائِمُونَ ﴾[23] قال: “هي النافلة”[24].
وقد ورد التأكيد في الأحاديث الشريفة على أداء النوافل اليومية، وأنَّها مكمّلة للصلوات الواجبة، وأنَّ لها ثواباً وآثاراً في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿ وَمِنَ ٱلَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِۦ نَافِلَة لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَّحمُودا ﴾[25].
إنّ من الأخطار الجسيمة على مستوى تربية النفس وتزكيتها أن لا يعي الإنسان أهميّة النوافل والمستحبّات في حياته فيتغافل عنها بحجة أنّها غير واجبة وأنّ الأمور المستحبّة تحتاج لوقتٍ وفراغٍ وأنّ هناك أموراً أهمّ من الانشغال بالنوافل، فهذا المنطق يحرم أصحابه من بركاتها العظيمة وآثارها التي لا تعدّ ولا تحصى، والتي يسّرها الله للإنسان، وفتح له من خلالها أسباب قوّة الإيمان ومنعته وانعكاسات التجلّيات الإلهيّة الحقّة في قلبه، وصولاً إلى إدراك الحقائق والمعاني السامية للعبادة.
إن ضرورة تقديم الفرائض على النوافل في معراج الكمال والسير نحو الله تعالى أمرٌ لا نقاش فيه، بل ورد في الرواية رفض النوافل إذا أضرّت بالفرائض كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام: “إذا أضرّت النوافل بالفرائض فارفضوها”[26]. ولكن هذا لا يعني مطلقاً ترك النوافل وحرمان النفس من بركاتها وفوائدها الجمّة. وعلى المرء أن يترصّد قلبه دائماً ولا يضيّع فرصة إقباله، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة”[27].
آثار النوافل وفوائدها
أما فوائد النوافل وآثارها فكثيرة نذكر منها ما يلي:
-
قربان يتقرّب به المؤمن إلى الله تعالى: فالله لم يفرضها ولكن المؤمن يؤديّها عن محبةٍ وشوق وفي ذلك تعبير عن رغبته الصادقة بعبادة الله والتقرّب إليه: عن أبي الحسن عليه السلام قال: “صلاة النوافل قربان كل مؤمن”[28].
-
تجبر الفرائض: عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنَّ العبد لترفع له من صلاته نصفها أو ربعها أو خمسها، وما يرفع له إلَّا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنَّما أمرنا بالنوافل ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة”[29].
-
سبب محبة الله للعبد: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “قال الله تعالى ما تحبَّب إلي عبدي بشيء، أحب إلي مما افترضته عليه، وإنَّه يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته”[30].
فالنافلة وسيلة اتصال دائم بالله تعالى يعيش معها العبد المؤمن أجمل لحظات القرب من الله فيفيض عليه تعالى من فضله وكرمه ما يعجز المرء عن وصفه.
-
محو السيئات: عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ ﴿إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ ﴾ قال: “صلاة المؤمن باللّيل تذهب بما عمل من ذنب بالنّهار”[31].
أهمية صلاة الليل
صلاة الليل من أهم النوافل التي لها أثر كبير في نيل مقام القرب الإلهيّ وتزكية النفس، فقد أمر تعالى بها نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ووعده عليها بالمقام الرفيع قال تعالى: ﴿ وَمِنَ ٱلَّيۡلِ
فَتَهَجَّد بِهِۦ نَافِلَة لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَّحمُودا ﴾[32]. وقال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُم عَنِ ٱلمَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفا وَطَمَعا وَمِمَّا رَزَقنَٰهُم يُنفِقُونَ ١٦ فَلَا تَعلَمُ نَفس مَّا أُخفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعيُن جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَعمَلُونَ ﴾[33].
وبهذه الصلاة أوصى الأنبياء والملائكة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لن يناموا”[34]، وفي وصيته صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: “عليك بصلاة الليل عليك بصلاة الليل عليك بصلاة الليل…”[35].
فمن الطبيعي أن تكون شعار الأولياء ومنهاج الأصفياء وسبيل الأتقياء، فأهل الولاية المتربّون في مدرسة أهل البيت عليهم السلام هم أهل صلاة الليل والاستغفار بالأسحار. وعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام يقول: “شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم ويحجّون البيت ويجتنبون كل محرم”[36].
كما قال عليه السلام: “ليس من شيعتنا من لم يصلّ صلاة الليل”[37].
وقد حثَّت الروايات الشريفة على صلاة الليل، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ الله جلّ جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمكِ واخدمي من رفضك، وإنَّ العبد إذا تخلَّى بسيده في جوف الليل المظلم، وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال يا رب! يا رب! ناداه الجليل جلّ جلاله: لبيك عبدي، سلني أعطك، وتوكَّل عليّ أكفك، ثمَّ يقول جل جلاله لملائكته: ملائكتي انظروا إلى عبدي فقد تخلَّى في جوف هذا الليل المظلم، والبطَّالون لاهون، والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له”[38].
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “شرف المؤمن صلاته بالليل“[39].
قال أبو عبد الله عليه السلام: “يا سليمان!.. لا تدع قيام الليل، فإن المغبون من حرم قيام الليل”[40].
فضل صلاة الليل وآثارها
ولصلاة الليل من الفضل والآثار المعنوية والمادية ما لا يمكن الإحاطة به، فهي من روح الله تعالى وتجلب رضاه وتستمطر رحمته وهي تمسّكٌ بأخلاق النبيين وهي شرف المؤمن، وهي المانعة من نزول العذاب وهي النور والأنيس في القبر، كما أنها تنفي السيئات، وتذهب بما عمل من ذنب بالنهار.. وغير ذلك مما روي من قبيل أنَّها تدرّ الأرزاق، وتذهب بالهمّ وتقضي الدين، وتبيّض الوجه وتحسّن الخلق والأخلاق وتبعد الداء من الأجساد وتصحّح البدن وتجلو البصر وتطيّب الريح…
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “صلاة الليل مرضاة الرب، وحب الملائكة، وسنَّة الأنبياء، ونور المعرفة، وأصل الإيمان، وراحة الأبدان، وكراهية الشيطان، وسلاح على الأعداء، وإجابة الدعاء، وقبول الأعمال، وبركة في الرزق، وشفيع بين صاحبها وملك الموت، وسراج في قبره، وفراش تحت جنبه، وجواب مع منكر ونكير، ومونس وزائر في قبره إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة كانت الصلاة ظلاً فوقه، وتاجاً على رأسه، ولباساً على بدنه، ونوراً يسعى بين يديه، وستراً بينه وبين النار، وحجّة للمؤمن بين يدي الله تعالى، وثقلاً في الميزان، وجوازاً على الصراط، ومفتاحاً للجنة، لأن الصلاة تكبير، وتحميد، وتسبيح، وتمجيد، وتقديس، وتعظيم، وقراءة دعاء، وإن أفضل الأعمال كلّها الصلاة لوقتها“[41].
عن الإمام علي عليه السلام قال: “قيام الليل مصحّة البدن، ورضا الرب، وتمسّك بأخلاق النبيين، وتعرّض لرحمته”[42].
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “كذب من زعم أنه يصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إن صلاة الليل تضمن رزق النهار”[43].
وعنه عليه السلام قال: “صلاة الليل تحسّن الوجه، وتحسّن الخلق، وتطيّب الريح، وتدرُّ الرزق، وتقضي الدين، وتُذهب بالهمّ، وتجلو البصر”[44].
وعنه عليه السلام أيضا قال: “إنّ في اللّيل لساعة ما يُوافقها عبد مسلم يصلّي ويدعو الله فيها إلّا استجيب له في كلّ ليلة قلت أصلحك الله فأيّ ساعة هي من اللّيل قال إذا مضى نصف اللّيل في السّدس الأوّل من النّصف الباقي”[45].
أسباب الحرمان من صلاة الليل
إن كثيرين يحبون أن ينالوا شرف قيام الليل وأداء هذه النافلة المباركة ويتشوقون إلى ذلك، لكن سرعان ما تراهم لا يبادرون إلى ما أحبّوه، ويبقى هذا الحب في عالم النفس وحديثها دون أن يترجم بالفعل والخارج فكأن شيئاً حال بينهم وبين تحقيق مطلوبهم ولقاء محبوبهم، فما هو ذلك الشيء الذي أوجد حاجزاً أو شكّل مانعاً؟
والجواب: أنه ليس أمراً واحداً وإنما جملة من الأمور لكنها تنتمي إلى أصل واحد يسمّى الذنب على اختلاف أنواعه وأشكاله.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: “إن الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم”[46].
وفي حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام لرجل شكى من حرمانه صلاة الليل: “أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك”47[47].
وفي حديث آخر: “إن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حُرِم صلاة اللّيل حرم بها الرزق”[48].
ومن الموانع رذيلة العجب، فإن الإنسان إذا قدر على التخلص من سائر الذنوب وبقيت له آفة العجب والرضا عن النفس فهي كافية للحؤول بينه وبين التوفيق للتهجد والقيام بالليل.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى: “إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجّد لي الليالي، فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظراً مني له وإبقاءً عليه فينام حتى يصبح فيقرأه وهو ماقت لنفسه، زار عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه عند حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرّب إليّ”[49].
التمارين
ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:
1 – السر في جعل الصلاة خير الأعمال كونها كغيرها من العبادات التي أمرنا الله تعالى بها
2 – الصلاة هي إذعان بالعبودية لربّ العالمين حيث يُلقي المصلّي جانباّ الأنانية وعبادة النفس ويُسلّم كيانه بأجمعه لله تعالى
3 – الصلاة أكمل وسيلة للسير والسلوك إلى الله تعالى، والسبب في ذلك أنها تجلٍّ لحالة العبودية من جهة العبد، وتجلٍّ للربوبية من جهة الله سبحانه وتعالى
4 – الصلاة تُحقّق العبودية للإنسان بشكل جزئي ويتجلّى فيها أحياناً الإقرار لله بالوحدانية
5 – أداء الصلاة بكل آدابها وشرائطها ترتفع إلى السماء سوداء مظلمة وتلف وتضرب بوجه صاحبها
6 – من الأخطار الروحية على مستوى تربية النفس وتزكيتها أن يعي الإنسان أهميّة النوافل والمستحبّات فيُحرم من بركاتها العظيمة وآثارها
7 – صلاة الليل من أهم الواجبات التي لها أثر كبير في نيل مقام القرب الإلهيّ وتزكية النفس
8 – تُعتبر النوافل قربان يتقرّب به المؤمن إلى الله تعالى حيث إنّها تجبر الفرائض وتمحو السيئات
9 – من أسباب الحرمان من صلاة الليل الذنوب على اختلافها، والرذائل الأخلاقية
10 – تُعتبر النوافل الطريق الأمثل والأكمل لأداء الصلاة ولولاها لم تُقبل للإنسان صلاة
المفاهيم الرئيسة
-
ليس في العبادات ما يضاهي الصلاة، فهي مرهمٌ إلهيٌّ جامعٌ يتكفّل بسعادة البشر، فإن تمام الصلاة بكل ما تحويه من ذكر وركوع وسجود وتوجّه، هو إذعان بالعبودية لرب العالمين حيث يلقي المصلّي جانباّ الأنانية وعبادة النفس ويسلّم كيانه بأجمعه لله تعالى.
-
الصلاة أكمل وسيلة للسير والسلوك إلى الله تعالى، والسبب في ذلك أنها تجلٍّ لحالة العبودية من جهة العبد، وتجلٍّ للربوبية من جهة الله وتعالى. يقول الإمام الرضا عليه السلام: “إنّما أمروا بالصلاة لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبية“.
-
تعطي الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة أهميةً وفضلاً عظيماً للصلاة، فهي أفضل وسيلة لذكر الله تعالى، لها صورة ملكوتية، هي أحب الأعمال إلى الله تعالى، هي أوثق سبب لقرب العبد من الله، هي سبب مغفرة الذنوب.
-
من الأخطار الجسيمة على مستوى تربية النفس أن لا يعي الإنسان أهميّة النوافل والمستحبّات فيُحرم من بركاتها العظيمة وآثارها التي لا تحصى، والتي يسّرها الله للإنسان، وفتح له من خلالها أسباب قوّة الإيمان ومنعته.
-
فوائد النوافل وآثارها كثيرة، منها: هي قربان يتقرّب به المؤمن إلى الله تعالى، إنّها تجبر الفرائض، انها سبب محبة الله للعبد، وانها تمحو السيئات.
-
صلاة الليل من أهم النوافل التي لها أثر كبير في نيل مقام القرب الإلهيّ وتزكية النفس، فقد أمر تعالى بها نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ووعده عليها بالمقام الرفيع وقد حثت الأحاديث الشريفة كثيراً عليها.
-
لصلاة الليل من الفضل والآثار المعنوية والمادية ما لا يمكن الإحاطة به، فهي من روح الله تعالى وتجلب رضاه وهي تمسّكٌ بأخلاق النبيين، وهي المانعة من نزول العذاب وهي النور والأنيس في القبر، كما أنها تنفي السيئات، وتدرّ الأرزاق،
-
من أسباب الحرمان من صلاة الليل الذنوب على اختلافها، والرذائل مثل العجب.
للمطالعة
خلق الله الإنسان لنفسه سبحانه
أيها العزيز! استيقظ وانتبه وافتح أذنيك، وحرّم نوم الغفلة على عينيك، واعلم أن الله خلقك لنفسه كما يقول في الحديث القدسي: “يا ابنَ آدَمَ خَلَقْتُ الأَشْيَاءَ لأَجْلِكَ وَخَلَقْتُكَ لأَجْلِي“[50] واتّخذ من قلبك منزلاً له، فأنت وقلبك من النواميس والحرمات الإلهية، والله تعالى غيور، فلا تهتك حرمته وناموسه إلى هذا الحدّ، ولا تدع الأيادي تمتدّ إلى حرمه وناموسه. احذر غيرة الله، وإلا فضحك في هذا العالم بصورة لا تستطيع إصلاحها مهما حاولت. أتهتك في ملكوتك وفي محضر الملائكة والأنبياء العظام ستر الناموس الإلهي؟ وتقدم الأخلاق الفاضلة التي تخلَّق بها الأولياء إلى الحق، إلى غير الحق؟ وتمنح قلبك لخصم الحق؟ وتشرك في باطن ملكوتك؟ كن على حذر من الحق تعالى فإنه مضافاً إلى هتكه سبحانه لناموس مملكتك في الآخرة ـ وفضحه لك أمام الأنبياء العظام والملائكة المقرّبين، سيفضحك في هذا العالم ويبتليك بفضيحة لا يمكن تلافيها… وبتمزيق عصمة لا يمكن ترقيعها.
إنّ الحق تعالى “ستّارُ” ولكنه غيور أيضاً… إنه “أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” ولكنه “أَشَدُّ المَعَاقِبِيَن” أيضاً يستر ما لم يتجاوز الحد. فقد تؤدي هذه الفضيحة الكبرى ـ لا سمح الله ـ إلى تغليب الغيرة على الستر، كما سمعت في الحديث الشريف.
فارجع إلى نفسك قليلاً، وعد إلى الله، فالله رحيم، وهو يبحث عن ذريعة لإفاضة الرحمة عليك. إذا أنبت إليه، فإنه يستر بغفرانه معاصيك وعيوبك الماضية، ولن يطلع عليها أحداً ويجعلك صاحب فضيلة، ويظهر فيك الأخلاق الكريمة، ويجعلك مرآة لصفاته تعالى ويجعل إرادتك فعّالة في ذلك العالم كما أن إرادته نافذة في جميع العوالم[51].
[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه ج1، ص 208، تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 2، لا ت، باب الرغبة والرهبة في الصلاة، ح 626.
[2] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص34.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج7، ص51.
[4] الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه،ج1، ص 208، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1413 ه، ط 2.
[5] سورة الأنعام، الآية 79.
[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص10.
[7] بعض الروايات وردت بصيغة جوهر؛ العبودية جوهر كنهها الربوبية.
[8] منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، الباب الأول في العبودية، ص7، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1400هـ، ط1.
[9] سورة طه، الآية 14.
[10] سورة الرعد، الآية 28.
[11] سورة الفجر، الآيات 27 – 30.
[12] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص123.
[13] الشيخ الكليني، الكافي ج 3، ص 264.
[15] سورة العلق، الآية 19.
[16] م.ن، ج 3، ص 265.
[18] سورة هود، الآية 114.
[19] الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 266.
[21] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص210.
[22] سورة المؤمنون، الآية 9.
[23] سورة المعارج، الآية 23.
[24] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص269.
[25] سورة الإسراء، الآية 79.
[26] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص28.
[27] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص454.
[28] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص73.
[29] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، 238.
[30] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص352.
[31] م.ن، ج3، ص266.
[32] سورة الإسراء، الآية 79.
[33] سورة السجدة، الآيتان 16 ـ 17.
[34] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج8، ص154.
[35] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص79.
[36] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص57.
[37] م. ن، ج8، ص162.
[38] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج38، ص 99.
[39] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص 488.
[40] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج8، ص160.
[41] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج84، ص 161.
[42] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج8، ص150.
[43] م. ن، ص158.
[44] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج59، ص268.
[45] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص447.
[46] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص272.
[47] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص450.
[48] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج8، ص160.
[49] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص60.
[50] مهذب الدين أحمد، المنهج القويم، ج 5، ص 516.
[51] الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، الحديث الثاني: الرياء.
2019-04-13