نوعا الولاء
في القرآن يكثر ورود ألفاظ ( الولاء والموالاة) و(التوالي) باعتبارها عناوين لمسائل يتناولها هذا الكتاب السماوي العظيم. إنّ ما يمكن استنتاجه على وجه الإجمال من التمعن في هذا الكتاب المقدس هو أن هناك نوعين من الولاء في الإسلام: الولاء السلبي، والولاء الإيجابي, أي أن المسلمين مأمورون بأن يرفضوا نوعاً من الولاء، وأن يتقبلوا نوعاً آخر منه وأن يتمسكوا به.
إنّ الولاء الإسلامي الإيجابي على نوعين أيضاً: الولاء العام والولاء الخاص. وللولاء الخاص أقسام؛ ولاء المحبة، وولاء الإمامة وولاء الزعامة، وولاء التصرف، أو الولاء التكويني. ولسوف نبحث كلاً على وجه الإجمال
1 ـ الولاء السلبي
حذر القرآن الكريم المسلمين من منح ولائهم ومحبتهم لغير المسلمين، ليس لأن حب الآخرين أمر منهي عنه، ولا لأن القرآن يطلب من المسلم أن يبغض غير المسلم في كل الأحوال أو يعارض الإحسان إليه، فالقرآن صريح في هذا بقوله:
{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[1].
إنّ الإسلام لا يقول إن أعمال الخير والمحبة التي تعلمونها يجب أن تختص بالمسلمين دون غيرهم، وإن خيركم يجب ألا يصل إلى غير المسلمين. كيف يصح هذا في دين يقول قرآنه صراحة إنه (رحمة للعالمين)؟
إلا أن هناك قضية مهمة وهي أن على المسلمين ألاّ يغفلوا عن أعدائهم الذين ينظرون إليهم نظرة مغايرة. إنّ عليهم أن ينتبهوا إلى العدو الذي يلبس لبوس الصديق. فلا يحسبونه صديقاً ويطمئنون إليه.
على المسلم أن يتذكر دائماً أنه عضو في مجتمع إسلامي، وأنه جزء من هذا المجموع، وإن شروطاً ينبغي أن تتوفر في العضو الذي ينتمي إلى الجسد، شاء العضو ذلك أم أبى. أما غير المسلم فهو عضو في جسد آخر. إن علاقات عضو الجسد الإسلامي مع أعضاء الجسد غير الإسلامي ينبغي أن تكون بصورة لا تخل، في الأقل، بعضويته في الجسد الإسلامي، فلا يصيب الجسد الإسلامي ضرر من جراء ذلك. إنّ علاقات المسلم بغير المسلم لا يمكن أن تكون مساوية لعلاقته بالمسلم، ولا أن تكون أقرب من ذلك.
إنّ روابط المحبة الحميمة فيما بين المسلمين ينبغي أن تكون بما تستوجبه عضوية العضو في الجسد ككل. الولاء السلبي في الإسلام يعني أن المسلم لا ينسى وهو يواجه غير المسلم أنه يواجه عضواً في جسد غريب. وإنّ القول بأن عليه أن لا يقبل، ولاء غير المسلم يعني أن علاقات المسلم بغير المسلم ينبغي ألا تكون بمستوى علاقاته مع المسلم، بحيث يصبح المسلم عضواً في جسد غير مسلم، أو أن عضويته في الجسد الإسلامي لا تؤخذ بنظر الإعتبار.
إذن لا يتنافى أن يحسن المسلم إلى غير المسلم، وفي الوقت نفسه لا يحسبه عضواً في الجسد الذي يكون هو عضواً فيه ويعامله كما يعامل الغريب.
كذلك لا يوجد تناقض بين الولاء السلبي ومبدأ حب الإنسان والعطف عليه. إنّ حب الإنسان يعني, إن على الإنسان أن يعني بسعادة بني البشر الحقيقية وسعادتهم.
ومن هنا يتمنى كل مسلم أن يصبح جميع الناس الآخرين مسلمين, وليهتدوا إلى الصراط المستقيم. أما إذا لم يحصل لهم مثل هذا التوفيق، فلا يجوز التضحية بمن وفق في سبيل من لم يوفق، أو أن تتداخل الحدود وتزول الفواصل بين الأفعال والإنفعالات.
فلنفرض أن جماعة من الناس مصابة بمرض معين، فالإنسانية توجب علينا أن ننقذهم مما هم فيه، وأن نوالي الإحسان إليهم ماداموا في تلك الحالة. ولكن الإنسانية لا توجب علينا ألاّ نقيم أي فاصل بينهم ـ وهم المصابون بمرض معد ـ وبين السالمين من الناس. لذلك فالإسلام يجيز من جهة الإحسان إلى غير المسلم، ولا يجيز من جهة أخرى أن يتقبل المسلم الولاء لغير المسلم.
إنّ الإسلام الإنسانية، حتى إنه يحب المشرك، لا لكونه مشركاً، بل لكونه مخلوقاً من مخلوقات الله. إنّ المسلم ليحزن إذ يرى المشرك يسير على طريق الضلالة والهلاك، مبتعداً عن طريق السعادة والخلاص. ولولا حبه الإنساني لما عناه أن يبقى المشرك في تعاسته وعماه.