توحيد المفضل بن عمر – المقدمة
12 يونيو,2018
بحوث اسلامية, صوتي ومرئي متنوع
1,167 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(كلام ابن العوجاء مع صاحبه)
روى محمد بن سنان (1)، قال: حدثني المفضل بن عمر (2) قال: كنت ذات بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر والمنبر، وأنا مفكر فيما خص الله تعالى به سيدنا محمدا صلى الله عليه وعلى آله، من الشرف والفضائل، وما منحه وأعطاه وشرفه وحباه، مما يعرفه الجمهور من الأمة وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته، وخطير مرتبته، فإني لكذلك إذ أقبل (ابن أبي العوجاء) (3)
(هامش)
1 – هو أبو جعفر الزاهري. لا ذكر الكشي في شأنه ما يدل على مدح عظيم وعلى قدح أيضا، وذكر أنه روى عنه جماعة من العدو والثقاة من أهل العلم والإنصاف، وجميع الروايات المجرحة له واهية ساقطة، فقد أشار الكثير إلى قوته والذب عنه، وتفنيد ما قيل فيه من الضعف. وإن اجتماع الأعيان على الرواية عنه أدل شيء على كمال قوته عده الشيخ المفيد من خاصة الإمام الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته كما عده الشيخ في الغيبة من الوكلاء المرضيين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، بل مضوا على منهاج الأئمة، وفي الخلافة كان مكفوف البصر أعمى توفي عام 220 ه. 2 – مضت ترجمة المفضل بصورة مفصلة في المقدمة. 3 – هو عبد الكريم بن أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة على ما يقول ابن الجوزي ومن تلامذة الحسن البصري، وذكر البغدادي إنه كان مانويا يؤمن بالتناسخ ويميل إلى مذهب الرافضة (!) ويقول بالقدر، ويتخذ من شرح سيرة ماني وسيلة للدعوة، وتشكيك الناس في عقائدهم، = (*)
ص 6
فجلس بحيث أسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذ من أصحابه قد جاء فجلس إليه، فتكلم (ابن أبي العوجاء) فقال: لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله، وحاز الشرف بجميع خصاله، ونال الحظوة في كل أحواله، فقال له صاحبه: إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى، والمنزلة الكبرى، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول، وضلت فيها الأحلام، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر، فرجعت خاسئات، وهي حسر، فلما استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء، دخل الناس في دينه أفواجا، فقرن اسمه باسم ناموسه (1)، فصار يهتف به على رؤوس الصوامع، في جميع البلدان والمواضع، التي انتهت إليها دعوته، وعلتها كلمته، وظهرت فيها حجته برا وبحرا، سهلا وجبلا، في كل يوم وليلة خمس مرات مرددا في الأذان والإقامة، ليتجدد في كل ساعة ذكره، ولئلا يخمل أمره. فقال (ابن أبي العوجاء): دع ذكر محمد (صلى الله عليه وعلى آله) فقد تحير فيه عقلي، وضل في أمره فكري. وحدثنا في الأصل الذي نمشي له… ثم ذكر إبتداء الأشياء، وزعم ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير، ولا صانع ولا مدبر، بل الأشياء تتكون من ذاتها بلا مدبر، وعلى هذا كانت الدنيا لم ولا تزال!
(هامش)
= ويتحدث في التعديل والتجوير على ما يذكر البيروني. ومن هنا يتبين أن ابن أبي العوجاء هذا كان زنديقا مشهورا بذلك. وله مواقف حماسة مع الإمام الصادق، أفحمه الإمام في كل مرة منها، سجنه والي الكوفة محمد بن سليمان ثم قتله في أيام المنصور عام 155 ه، وقيل عام 160 ه في أيام المهدي تجد ذكره في تاريخ الطبري ج 3 ص 375 ط ليدن، وفهرست ابن النديم ص 338، والفرق بين الفرق ص 255 ط محمد بدر، ودائرة المعارف الإسلامية مج 1 ص 81، واحتجاج الطبرسي ص 182 و183 ط النجف، وما للهند من مقولة ص 123. 1 – الناموس: الشريعة. (*)
ص 7
(محاورة المفضل مع أبي العوجاء) (قال المفضل): فلم أملك نفسي غضبا وغيظا وحنقا، فقلت: يا عدو الله ألحدت في دين الله، وأنكرت الباري جل قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم، وصورك في أتم صوره، ونقلك في أحوالك حتى بلغ حيث انتهيت. فلو تفكرت في نفسك وصدقك (1) لطيف حسك، لوجدت دلائل الربوبية وآثار الصنعة فيك قائمة، وشواهده جل وتقدس في خلقك واضحة، وبراهينه لك لائحة، فقال: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبتت لك حجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا، ولا بمثل دليلك تجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش خطابنا، ولا تعدى في جوابنا وأنه الحليم الرزين، العاقل الرصين، لا يعتريه خرق (2)، ولا طيش ولا نزق (3) يسمع كلامنا، ويصغي إلينا ويتعرف حجتنا، حتى إذا استفرغنا (4) ما عندنا، وظنننا قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردا، فإن من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه. (سبب إملاء الكتاب المفضل قال المفضل: فخرجت من المسجد محزونا مفكرا فيما بلي به الإسلام
(هامش)
(1) صدقك: أي قال لك صدقا. (2) الخرق: ضعف الرأي وسوء الصرف والحمق. (3) النزق: هو الطيش والخفة عند الغضب. (4) لعله من الإفراغ بمعنى الصب. يقال: استفرغ مجهوده، أي بذل طاقته. (*)
ص 8
وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها (1) فدخلت على مولاي (عليه السلام) فرآني منكسرا فقال: ما لك؟ فأخبرته بما سمعت من الدهريين (2) وبما رددت عليهما. فقال: يا مفضل لألقين عليك من حكمه الباري وعلا وتقدس اسمه في خلق العالم، والسباع، والبهائم، والطير، والهوام، وكل ذي روح من الأنعام والنبات (3)، والشجرة المثمرة، وغير ذات الثمر والحبوب، والبقول، المأكول من ذلك وغير المأكول، ما يعتبر به المعتبرون ويسكن إلى معرفته المؤمنون: ويتحير فيه الملحدون فبكر علي غدا.
(هامش)
(1) التعطيل: مصدر، وفي الاصطلاح الديني هو إنكار صفات الخالق الباري، والمعطلة: هم أصحاب مذهب التعطيل. (2) واحده الدهري، وهو الملحد الذي يزعم بأن العالم موجود أزلا وأبدا. (3) العطف التشريكي هنا يكشف عن رأي الإمام الصادق في النبات وإن له روحا، وبعبارة أخرى أن لديه حسا وحركة، ولم تكتشف هذه النظرية العلمية إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وأول من قال بأن في النبات حسا تشله السموم وتميته الكهربية هو (بيشا) العالم الفسيولوجي الفرنسي المتوفى عام 1802 م (عجائب الخلق لزيدان ص 193) وقد ثبتت هذه النظرية بوجود بعض الأزهار المتفتحة نهارا والمقفلة ليلا (ص 625 من كتاب التأريخ الطبيعي) وقام عالم هندي هو (السرجفادس بوز) بوضع آلة دقيقة تظهر بها حركات النبات، وما يتأثر به من المؤثرات الخارجية، كالمنبهات والمخدرات، وأنشأ هذا العالم معهدا كبيرا في (كلكتا) لدرس حركات النبات، وانفعاله بالحر والبرد والظلمة والنور – فصول في التاريخ الطبيعي للدكتور يعقوب صروف ص 49 – وقد أصبح من المشهور وجود بعض نباتات تفترس بعض الحشرات والحيوانات الصغيرة، وتوجد أيضا أزهار تضحك وأخرى تبكي – ص 1020 من السنة السادسة والثلاثين لمجلة الهلاك – وأمثلة ذلك النبتة المستحية وندى الشمس وأعجوبة القدر والأباريق ومصيدة الذباب واللقاح وغير هذه. وفي مقدمات كتابنا (في دنيا النبات) وضعنا فصلا طريفا عن طبائع النبات وحركاته، ومنه اقتبسنا هذه الكلمات. (*)
ص 9
2018-06-12