الطفل بين الوراثة والتربية
5 ساعات مضت
المرأة في الإسلام
7 زيارة
الواقعي هو الذي لا يكتفي بترك الذنوب فحسب، بل لا يفسح مجالا في ذهنه وفكره للتفكير في الذنب، ولا يدع الفكرة المظلمة تمر بخاطره… فإن التفكير في الذنب حتى ولو لم يصل إلى مرحلة التطبيق، يوجد ظلمة روحية في القلب ويمحو الصفاء الروحي من الانسان.
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): «صيام القلب عن الفكر في الآثام، أفضل من صيام البطن عن الطعام» (1).
ويقول إمامنا الصادق (ع) راويا عن عيسى بن مريم (ع) أنه كان يقول: «إن موسى أمركم أن لا تزنوا، وأنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا، فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق فأفسد التزاويق الدخان وإن لم يحترق البيت» (2) … أي أن فكرة الذنب توجد ظلمة في القلب – شاء الفرد أم أبى – وتسلب صفاء النفس، حتى ولو لم يرتكبه الإنسان.
إن النكات الدقيقة التي أوردها الإسلام في موضوع السعادة الانسانية في القرون السالفة وعلمها اتباعه، تستجلب أنظار العلماء المعاصرين في العصر الحديث فنراهم يفطنون إلى تلك الحقائق في كتبهم ومؤلفاتهم:
«للأمل والإيمان والإرادة القوية أثر كبير على الجسم، وهو يشبه أثر البخار على القاطرة. إن النشاطات الجسدية والروحية تتكامل بدافع الحب فتكسب الشخصية قوة ورصانة وكمالا. وعلى العكس فإن الرذائل تحط من الشخصية وتسحقها. إن الكسل والتردد في الرأي مثلا من أهم العوامل على جمود الفكر، وكذلك العجب بالنفس والغرور والحسد فإنها من عوامل التفرقة والتباعد بين الناس، وهي جميعا تمنع النفس البشرية من التكامل» (3).
(1) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 203 طبعة دار الثقافة – النجف الأشرف.
(2) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للحر العاملي ج 5 / 37.
(3) راه ورسم زندكى ص 72. وهو ترجمة لكتاب ألفه بالفرنسية د. الكسيس كارل.
(١٩)
«إن المعاصي – كما نعلم – تقلل من قيمة الحياة المعنوية. وإن تحمل العيوب والنواقص خطأ فظيع. فليس كل شخص حرا في تصرفاته، وعلى هذا فالذي ينحرف عن الطريق المستقيم في الحياة ويبدو متكاسلا مفتريا على الناس ولا يبالي بارتكاب مختلف الذنوب يجب أن يعتبر مجرما عاما. ولكل ذنب آثاره الوخيمة حيث يؤدي إلى الانحرافات العضوية والنفسية والاجتماعية. فكما أن العض على أنامل الندم لا يتلافى العيوب الناشئة في جسد المدمن على الخمرة أو العيوب الوراثية في أطفالهم… كذلك لا يمكن ترميم الانحرافات الناشئة عن الحسد والحقد والغيبة والأثرة والأنانية» (1).
إن كل ما هو ممنوع في الشريعة المطهرة. وكل ما يعتبره الإسلام ذنبا وإجراما يتصل إما بضرر مباشر أو غير مباشر تجاه المصالح المادية أو المعنوية للانسانية حتما. غاية الأمر أن البشر لم يطلعوا على جميع تلك الجوانب. ويرى البعض كثيرا من الذنوب كشرب الخمر والقمار والاتصالات اللا مشروعة بين الجنسين رائجة في الدول الغربية فيظن أن الإسلام قد حرمها عبثا… وهو في توهمه هذا غافل عن أن ذلك كله حسب حساب دقيق، فقد يأتي يوم يفطن فيه الغرب إلى أضرارها فيمنعها أيضا!.
في رسالة من محمد بن سنان إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) يسأله فيها عن صحة ما يدعيه بعض المسلمين من عدم وجود حكمة للحلال والحرام في الإسلام وأن المقصود من ذلك هو التعبد والانقياد إلى الله فقط. فكتب عليه السلام في جوابه:
«… قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا» ثم يسترسل في ذكر تحريم المحرمات فيقول:
«ووجدنا المحرم من الأشياء، لا حاجة للعباد إليه ووجدناه
(1) راه ورسم زندكى ص 80.
(٢٠)
مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك» (1).
نتائج الذنوب:
وإذا تصفحنا أقوال أئمة الاسلام وقادتنا الكرام (ع)، نجد أنهم يعللون جميع المآسي والمشاكل والنكبات الفردية والاجتماعية بالجرائم والذنوب التي يرتكبها الناس، نتيجة تخلفهم عن القوانين الإلهية، فيلاقون جزاءهم على ذلك التخلف والخروج على أحكام الله.
فلكل من الذنوب أثر خاص في الاضرار بالانسان، فالظلم والخيانة الكذب والتزوير، هتك الأعراض والميوعة، قول الزور والتجاوز على حقوق الآخرين، الفتنة والنميمة…
كل هذه الذنوب تشبه الأمراض التي تصيب جسم الإنسان. وهنا يجدر بنا الإشارة إلى بعض النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) التي تبين العواقب المادية والمعنوية للذنوب والجرائم:
1 – يقول الامام الباقر (ع): «ما من نكبة تصيب العبد إلا بذنب» (2).
2 – وعن الامام الصادق (ع): «تعوذوا بالله من سطوات الله، بالليل والنهار، قال (أي الراوي): قلت له: وما سطوات الله؟ قال: الأخذ على المعاصي» (3).
3 – وعن الامام الصادق (ع) أيضا: «إن الذنب يحرم الرزق» (4).
4 – وعن الإمام الباقر (ع): «إن الله قضى قضاء حتما: ألا ينعم على العبد نعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة» (5).
(١) بحار الأنوار للمجلسي ج ٣ / ١١٨ (٢) الكافي للكليني ج ٢ / ٢٦٩.
(٣) نفس المصدر. وسطوة الله: غضبه وأخذه بالشدة، كما في المصباح.
(٤) الكافي ج ٢ / ٢٧١.
(٥) الكافي ج ٢ / 273. وفيه تلميح إلى قوله عز وجل: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» سورة الرعد، الآية: 12.
(٢١)
2025-03-17