الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / العبادة الواعية

العبادة الواعية

الدرس الثاني

2 ـ تدارك الذنوب والآثام:

كثيراً ما تسبب مكائد الشيطان، ونوازع النفس المتكررة، والمغريات المختلفة في حياة الإنسان، والالقاءات والتسويلات التي تعرض له في صدور الخطايا والآثام والذنوب منه بصورة متعاقبة. وهذا الأمر من الغلبة والكثرة ما يجعل الإمام السجاد (ع) يخاطب الله واصفاً حال العباد في دعاء أبي حمزة الثمالي بقوله:

“خيرك إلينا نازل، وشرنا إليك صاعد، ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنا بعمل قبيح”[26].

فارتباط بهذا النحو بين الخالق والمخلوق، وعصيان كهذا من عبد يخالف خالقه الرحيم رغم ضعفه وفقره وفاقته يؤدي عند تواصله دون تدارك وتلاف إلى قطع الأمل بالمستقبل، واتساع الفاصلة تدريجياً بينهما، ويجعل الإنسان مستحقاً لعقاب الله ومستوجباً لغضبه.

ومع أن الإنسان يختار البعد عن بحر رحمة الله سبحانه جهلاً منه وتهاوناً بحق خالقه، لكن الله الرحيم الذي يحب آحاد عباده فوق ما يحب الوالد ولده لا يرضى بعداً ونأياً كهذا فيدعوه للجلوس على مائدة الصلح، ويحثه على مكالمته الشيقة المتمثلة بأذكار الصلاة، ويناديه في القرآن الكريم بعبارات يفيض منها الود واللطف إذ يقول:

(وأقم الصلاة طرفي النهار، وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)[27].

وقد جاء في رواية عن رسول الله (ص) أنه قال:

“إذا قمت إلى الصلاة، وتوجهت، وقرأت أم الكتاب، وما تيسر من السور، ثم ركعت، فاتممت ركوعها، وسجودها، وتشهدت وسلمت، غفر لك كل ذنب فيما بينك وبين الصلاة التي قدمتها إلى الصلاة المؤخرة”[28].

وفي رواية أخرى عنه (ص) يشبه الصلوات اليومية بنهر على باب دار يغتسل فيه صاحبها خمس مرات في اليوم كيف يزول القذر من بدنه روح الإنسان تغسل من حيث الذنوب كل قذر ووسخ فهكذا خمس مرات في اليوم.

ويصف رسول الله (ص) الآية السالفة في رواية بأنها أرجى آية في كتاب الله ويقول: “والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه”[29].

وفي رواية أخرى عنه قال: “سمعت منادياً ينادي عند حضرة كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتموه على أنفسكم، فيقومون، فيتطهرون فتسقط خطاياهم من أعينهم، فيصلون فيغفر لهم ما بنيهما، ثم توقدون فيما بين ذلك، فإذا كان عند صلاة الأولى نادى: يا بني آدم! قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون، فيتطهرون، ويصلون، فيغفر لهم ما بينهما فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك. فإذا حضرت العتمة فمثل ذلك فينامون وقد غفر لهم”[30].

وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين علي (ع) قال:

“الصلوات الخمس كفارة لمن بينهن ما اجتنب الكبائر وهي التي قال الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات)[31].

ويشبه (ع) في حديث آخر له تساقط ذنوب المصلي بتساقط أوراق الشجر[32]. وقد أثني على الصلاة بوصفها بأنها ثمن الجنة[33]، ومهر نسائها ومفتاحها، وجواز العبور على الصراط، وستر من النار والعذاب الإلهي، وأنها زاد المؤمن، وأنيسه في قبره، وتاج فخره يوم القيامة، وجواب منكر ونكير، ونور على وجهه عند المحشر، وسلم رقيه إلى الدرجات العليا[34]، وأنها سبب خزي الشيطان[35]. وكل واحد من هذه التعابير يكشف عن مدى ما للصلاة من تأثير في محق الذنوب، وتداركها وتيسير حسابها.

[1] سورة فاطر، الآية: 28.

[2] سورة الأعراف، الآية: 179.

فلماذا يبقى طلبة علومنا غافلين عن عمق محيط المعارف التوحيدية، ومجرة معراج الموحدين (المؤلف في المتن).

[3] أصول الكافي، ج1، ص212 ـ 214.

[4] روي عن رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والإمام الباقر (ع) انهم قالوا: “إن الصلاة عمود الدين ومعارفه وعلومه” (فروع الكافي ج3، ص366، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج17/5، بحار الأنوار ج82/218.

[5] سورة الصافات، الآية: 180.

[6] سورة الصافات، الآية: 154.

[7] سورة لقمان، الآية: 12. هناك آيات كثيرة تدعو الإنسان إلى شكر النعم الإلهية: (واشكروا لي ولا تكفرون) (البقرة/ 152) (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) (البقرة/ 172) (واشكروا نعمة الله) (النحل/ 194) وآيات أخر. وهي لا تتنافى مع الآية (من شكر فإنما يشكر لنفسه) (النساء/ 147) بل إن شكر الله ليس إلا هذا.

[8] سورة البقرة، الآية: 45.

[9] إشارة إلى صدر الآية: (استعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين).

[10] “روح الصلاة في الإسلام” تأليف عفيف عبد الفتاح طبارة، ص29 نقلاً عن كتاب “عودة إلى الإيمان” تأليف الدكتور هنري لئك.

[11] معالم حضارة الغرب، ص88.

[12] الإنسان المعاصر في طلب الروح.

[13] كلمة الدكتور افروز في مؤتمر الصلاة.

[14] معالم حضارة الغرب، ص61.

[15] سورة يوسف، الآية: 23.

[16] سورة الروم، الآية: 21.

[17] المحجة البيضاء ج3، ص54.

[18] بحار الأنوار ج103، ص221.

[19] بحار الأنوار ج103، ص219 عن الصادق (ع).

[20] بحار الأنوار 103، ص220 عن رسول الله (ص).

[21] بحار الأنوار ج13، ص348 عن الصادق (ع).

[22] بحار الأنوار ج72، ص47 عن الرسول الأكرم (ص).

[23] غرر الحكم عن الإمام علي (ع).

[24] سورة يوسف، الآية: 22.

[25] سورة الإنسان، الآية: 7.

[26] مفاتيح الجنان ـ أعمال أسحار شهر رمضان ـ دعاء أبي حمزة الثمالي.

[27] سورة هود، الآية: 114.

[28] بحار الأنوار، ج82، ص205.

[29] بحار الأنوار ج82، ص220.

[30] بحار الأنوار ج82، ص224.

[31] بحار الأنوار ج82، ص233.

[32] بحار الأنوار ج82، ص224.

[33] بحار الأنوار ج82، ص232.

[34] نفس المصدر في أحاديث مختلفة.

[35] كنز العمال ج7، ص284.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...