المقدمة
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَاوَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
لعلّنا كثيراً ما قرأنا هذه الآية المباركة، أو تردّدت في أسماعنا عند كلّ زفاف، ولعلّنا فكّرنا أيضاً في معناها وتفسيرها، ولكن كلام الله بحر لا ينفد، وقعره عمق لا يدرك، وكلّ مَن دخل فيه خرج بحلّة جديدة. ولو سلّطنا الضوء في هذه الآية على كلمة ” مودّة ورحمة ” لوجدنا أنّ بناء الأسرة كما يريده الله سبحانه لا بدّ أن يكون على هذين الركنين العظيمين، وإنّ أيّ أسرة تفقد أساس المودّة أو أساس الرحمة تُهدّد بالتدمير، ولم تبق أسرة، وتتحوّل إلى علاقة ماديّة بين الزوجين، أو علاقة تسلّط وسيطرة من طرف على طرف، بينما نلاحظ أنّ الأسرة الّتي تسودها المودّة، يبذل فيها الزوج أغلى ما عنده لزوجه لا لشيء ماديّ، ولا يريد منه أجراً أو جزاءً، وإنّما فقط لأنّه يحبّه، بل قد تترقّى هذه المودّة عبر المعاشرة،بمرور الوقت، لتصبح العلاقة هي علاقة الرحمة والأنس، لا كما يظنّ بعض الناس من أنّ الزواج “مقبرة الحب ّ”، كلّا، الزواج المبنيّ على المودّة والرحمة لا يكون مقبرة الحبّ، بل يصبح الزوج لا يستطيع العيش من دون زوجه ولو للحظات.
وقد تؤدّي الظروف إلى مرض أحد الزوجين مرضاً عضالاً، أو تصيبه عاهة جسديّة، فالزواج المبنيّ على الرحمة لا يتخلّى فيه الزوج عن زوجه المصاب، مهما كلّفته الإصابة، لأنّه يتعامل معه معاملة الرحمة. فالرحمة أرقى وأسمى وأوسع بكثير من مفهوم الحبّ.
هكذا بنى الإسلام العلاقة الزوجيّة، وهكذا أسّس الأسرة، ولأجل أن تكون أُسرنا الحبيبة في مجتمعنا تنعم بالدفء والمودّة والسعادة. اخترنا أهمّ النصائح التي كان كان
11
يقدّمها وليّ أمر المسلمين السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله، للزوجين قبل عقد زواجهما، ليبنيا حياتهما على أساس الوعي المعيشيّ.
والإدراك لهذا البناء الجديد، ولهذه الأسرة الواعدة.
على أمل أن يكون هذا العمل مساهماً في الهدف الذي نرنو إليه، وهو سعادة الزوجين في كلّ بيت، وعلى أمل أن ننال بهذا الجهد رضى صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
مركز نون للتأليف والترجمة
الفصل الأول: الزواج ناموس الطبيعة ودستور الشريعة
1- الزواج أحد القيم الإسلاميّة:
إنّ الرؤية الإسلاميّة النابعة من كتاب الله سبحانه وسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واضحة الدلالات؛ في حثِّها وترغيبها، بل في إعطائها للزواج مكانة قلّ نظيرها، حتّى قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ” ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من التزويج “1 .
وهذا ما يُشير إليه سماحة وليّ أمر المسلمين السيّد علي الخامنئي دام ظله:
” الموضوع الأساس والأوّل هو أنَّ الزواج الذي جعله الله تعالى سُنّةً، وتقتضيه الفطرة أيضاً، هو إحدى النعم والأسرار الإلهيّة، وإحدى الظواهر التي لا يُمكن اجتنابها في الحياة البشريّة. فقد كان بالإمكان أن يترك الله تعالى الناس وشأنهم ليذهبوا ويتزوّجوا، ولم يحكم بأنّ هذه المسألة واجبة أو جائزة، ولكنَّه تعالى اعتبر الزواج إحدى القيم، وأنَّ من لم يتزوَّج فقد أضاع تلك القيمة “2 .
2- منهج الإسلام هو الأفضل:
” يوجد في المسيحيّة واليهوديّة والأديان الأخرى أيضاً مثل هذه الضوابط للزواج، لكن بنحو آخر، وقد أمضى الإسلام ذلك واعتبرهما (أي الزوج والزوجة) زوجاً وزوجة واعتبر أبناءهما شرعيّين “3.
1- وسائل الشيعة، ج14، ص3.
2- خطبة العقد المؤرخة 6/10/1372 هـ.ش.
3- خطبة العقد المؤرخة 11/5/1375 هـ.ش.
15
8
الفصل الأول: الزواج ناموس الطبيعة ودستور الشريعة
” إنّ كيفيّة الزواج في الإسلام أفضل منها في بقيّة الأديان والشعوب، سواءٌ في مقدّماته أم أصله أم استمراره، فكلّها قد شُرِّعت حسب مصلحة الإنسان. الزيجات في الأديان الأخرى محترمة ومعتبرة عندنا، أي تلك العقود التي تتمّ في الكنائس ومعابد اليهود أو أيّ شعب من الشعوب كيفما تمّت فهي معتبرة عندنا، ولا نراها باطلة بالنسبة لهم. لكنّ الأسلوب الذي حدّده الإسلام هو أفضل، لأنّ الإسلام أكّد على أنَّ هناك حقوقاً للرجل وحقوقاً للمرأة، وآداباً للمعاشرة وأسلوباً خاصّاً للزواج، والأصل هو أن تدوم الأسرة وتسعد العائلة “1.
3- تكوين الأسرة فريضة إلهيّة:
” يُعتبر تكوين الأُسرة فريضة إلهيّة من وجهة نظر الإسلام، وهو عمل لا بُدّ أن يقوم به الرجل والمرأة بصفته واجباً وتكليفاً إلهيّاً، وهو إن لم يُذكر ضمن الواجبات الشرعيّة, إلّا أنّه قد حُضَّ عليه كثيراً، بحيث يُفهم أنّ الله تعالى يؤكّد على هذا الأمر لا بصفته تشريعاً، وإنّما بصفته حادثة خالدة ومؤثِّرة في الحياة والمجتمع، لذا ورد كلُّ هذا الحثّ على الارتباط بين الزوج والزوجة وذمّ الانفصال “2.
4- الله تعالى لا يُحبِّذ العزوبيّة:
“إنّ الشابّ الّذي يستطيع أن يتزوَّج ولا يفعل ذلك، والبنت التي تروم الزواج وترفض الخاطبين، متذرّعَين بأنّ الوقت لم يحن بعدُ لا أظنّهما صادقين في عواطفهما وفي حديثهما ذاك، ولا بأس عليهما في أن يسألا غرائزهما الجنسيّة، ليأتي الجواب من تلك الغدد التي ترشّحت في الدم، وليس من اللّسان، وليحاولا أيضاً توجيه السؤال لنبيّهما الأكرم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليُجيبهما بصراحة:
1-خطبة العقد المؤرخة 19/1/1377 هـ.ش.
2- خطبة العقد المؤرخة 11/12/1377 هـ.ش.
16
9
الفصل الأول: الزواج ناموس الطبيعة ودستور الشريعة
“النكاح سنتّي، فمن رغب عن سُنتّي فليس منّي”1.
ويقول دام ظله:
“إنّ الله تعالى لا يُحبّذ الرجل الأعزب والمرأة العزباء، لا سيّما الشباب الذين لم يتزوّجوا لحدّ الآن، ولا يختصّ ذلك بالشباب. الله تعالى يُحبّ الحياة المشتركة2. ومن غير المحبّذ في نظر الإسلام أن يقضي الإنسان عمره وحيداً؛ إذ سيكون كالموجود الغريب في الهيكل الإنسانيّ، فقد أراد الإسلام أن تكون العائلة هي الخليّة الحقيقيّة لمجموعة الهيكل الاجتماعيّ لا الفرد بمفرده”3.
5- سُنَّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الزواج في الوقت المناسب:
ويقول سماحته دام ظله:
“لدينا رواية معروفة، وهي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: “النكاح سنّتي”. وطبعاً هي سُنَّة التكوين، وسُنَّة جميع البشر وكلّ الأقوام والأديان، فلماذا إذاً قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سُنّتي؟ وما سرُّ هذا الاختصاص؟ ربّما يكون السبب هو التأكيد الكثير في الإسلام، أمّا في الأديان الإلهية الأُخرى فلم يكن كذلك.
أنتم تُلاحظون أنّ تأكيد الإسلام على الزواج لا يوجد له مثيلٌ في المدارس الاجتماعيّة والفلسفات الشائعة والسياسات الرائجة في العالم. فالإسلام يُصرّ على أن يتزوّج الأولاد والبنات في الوقت الذي يكونون فيه مُستعدّين للزواج”.
“النكاح بالإضافة إلى كونه حاجة طبيعيّة فهو سُنّة دينيّة وإسلاميّة أيضاً، وعليه فمن السهل جدّاً كسب الثواب من هذا العمل الذي تقتضيه الطبيعة التكوينيّة والحاجة”4.
“الزواج هو سنّة تكوينيّة وإلهيّة، وعندما يُعبِّر النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ الزواج
1- بحار الأنوار، ج103، ص 220.
2- خطبة العقد المؤرخة 20/11/1375 هـ.ش.
3- خطبة العقد المؤرخة 5/10/1375 هـ.ش.
4- خطبة العقد المؤرخة 28/6/1379 هـ.ش.
17
10
الفصل الأول: الزواج ناموس الطبيعة ودستور الشريعة
سُنّتهُ فهذا يعني أنّ الإسلام أكّد كثيراً على هذه المسألة، أمّا لماذا؟ فهذا راجع إلى أهميّة الموضوع، وبسبب التأثير الكبير لتكوين الأُسرة في تربية الإنسان وتكامُله الخُلُقيّ، وفي بناء الإنسان السليم من الناحية العاطفيّة والروحيّة وغيرها “1.