الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / العبادة الواعية

العبادة الواعية

الدرس الرابع عشر

عوامل الانصراف

إن انصراف الإنسان وعدم رغبته بتناول الطعام، أو الفاكهة السليمة ينبئ بلا ريب إما عن عدم سلامة في الجسم، أو جهل بأثر الفيتامينات وخصائص الطعام عليه، أو عن وجود عوامل جانبية تمنعه من الأكل. ولما كانت المناجاة والدعاء والصلاة تمثل الغذاء الروحي للإنسان؟ فلماذا يبدي البعض انصرافاً وإهمالاً لها؟! وما العوامل التي تقف حائلاً دون انجذاب الإنسان إليها والاعتناء بها؟!

وهذا هو ما نقوم بدراسته فيما يلي:

1 ـ اقتراف الذنوب والمعاصي والآثام:

إن من جملة التركات القيّمة في الثقافة الإسلامية، الأدعية والنجاوى التي خلّفها الأئمة المعصومين (ع) حيث بينت كثير من العلوم الإسلامية بلغة الدعاء. فالإمام السجاد (ع) مثلاً يأخذ في دعاء أبي حمزة الثمالي بدراسة عوامل انصراف الإنسان عن الصلاة ويقول مخاطباً الله تبارك وتعالى:

“اللهم إني كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمتُ للصلاة بين يديك، وناجيتك ألقيتَ عليَّ نعاساً إذا أنا صلّيتُ، وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيتُ.. لعلك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني، أو لعلّك رأيتني مستخفاً بحقك فأقصيتني، أو لعلّك رأيتني معرضاً عنك فقليتني، أو لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني… أو لعلّك بقلة حيائي منك جازيتني…” وهكذا يبين الإمام (ع) أن اقتراف الذنوب والآثام هو من جملة العوامل المهمة للانصراف عن الصلاة…[1].

2 ـ الجهل:

لا ريب ان الشخصية المجهولة وغير الموصوفة لا جاذبية لها، ولا تحظى بالاحترام والتقدير. فالله سبحانه في سورة الحمد يصف نفسه للعالمين بأنه ربهم، وأن علاقته بهم علاقة المالك والمربي، وأنه حبُّ ولطف كلّه لمملوكيه ومربوبيه. ولا تنقطع هذه العلاقة بغلق ملف البشرية في النشأة الأولى، ودار الدنيا، بل هو في عالم الآخرة مركز كلّ العنايات والقدرات ولا غير، فبعد أن يعرف الإنسان ربّه، ويجد الشعور بالحبّ والعشق في ضوء هذه المعرفة يردد عن الإنسان قوله:

(إياك نعبد وإياك نستعين).

أمّا من لا يُحني رأسه تعظيماً وإجلالاً لبحر الرحمة واللطف الإلهي اللامتناهي، ولا يشعر بالمحبة تجاهه، فهو يشعر بالغربة لأنه لم يعرفه. ففي حديث قدسي يذكر الله سبحانه وتعالى أن الرغبة إلى الصلاة تنجم من المعرفة لله ومحبته إذ يقول:

“يا ابن عمران! لو رأيت الذين يصلّون لي في الدجى، وقد مثُلت نفسي بين أعينهم، وهم يخاطبوني…يا ابن عمران كذب من زعم أنّه يحبني، فإذا جنّهُ الليل نام عنّي، أليس كلّ محب يحب خلوة حبيبه”[2].

الجهل بفلسفة الصلاة ومعانيها:

تمثّل الصلاة مصداقاً عن احتياجات الإنسان الباطنية فإقامتها تستند إلى الفهم الصحيح لأسرار الصلاة وفلسفتها. فالإنسان الذي لا يدري لماذا يصلّي؟ وأي أثر يترتب على الصلاة؟ وما هي مضامين هذه المحاورات المتكرّرة؟ سيكون فاقداً للدوافع والميل تجاه هذه العبادة. وهذا الأمر لا يقتصر على الصلاة، بل ان الإنسان إنّما يطوع نفسه إزاء الأعمال التي يعتقد ـ وإن كان خطأ ـ بها، ويرى جسمه أو نفسه محتاجين لها. فالحاجة أساس جميع الأفعال، وقطب جميع جهود ومساعي الإنسان بما في ذلك الأكل والنوم، إذ لو لا الاعتقاد بفائدتهما لتركهما الإنسان، ولحمل نفسه على الجوع والسهر للظفر بمنفعة أكبر. فإذا بقيت الصلاة أو أي عبادة أخرى من بين كل هذه الحاجات المتعارفة مجهولة وغير معروفة، فأي شيء يمكن أن يكون موجّهاً لرغبة الإنسان وميله إليها؟ وكيف للإنسان أن يعطي بدل العمل، أو الخلود إلى الراحة، أو مشاهدة التلفزيون… الأولوية لهذه الرواية المجهولة!. فعلاج مرض الانصراف وعدم الرغبة بالصلاة رهين معرفة الصلاة ومعانيها وأسرارها. فعن النبي الأكرم (ص) قال:

“لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ما سئمت وما التفتَّ”.

جهل الإنسان بحاجاته:

يُؤدي عدم تقدير الإنسان لحاجاته تقديراً صحيحاً إلى غفلته عن الضرورات. فلو أن الإنسان أدرك حاجته إلى المعبود، وعلم أن إثمار كل سعي وجهد مرهون بالله سبحانه، ومشيّته، ما توانى أبداً عن مخاطبته والاتصال به في جميع مراحل النشاطات والبرامج التي يقوم بها ليلاً أو نهاراً. فهو لا يعلم أن جميع عقده يجب حلّها بالصلاة والارتباط بالله.

فالله سبحانه يخاطب ملائكته حول هذه الجهل والضلال فيقول: “أما ترون إلى عبدي كأنه يرى أن قضاء حوائجه بيد غيري، أما يعلم أن قضاء حوائجه بيدي”[3].

فمقاطعة الله وترك ذكره ليس له من علة إلاّ الجهل… الجهل بالله، والجهل بالصلاة، وجهل الإنسان بحاجاته وفقره. لذا هو يغتنم كلّ فرصة للفرار. وما أجمل ما نظم الشاعر إذ قال:

فراراً من النور إلى ظلمةٍ

                     ومن مائه ضامئاً تركض

دعاك الإله إلى منحةٍ

                     لماذا إلى غيره توفض

فأمك منه استقت حنوها

                     وأنت له تارك مبغض

لئن أعرض الناس عن اجنبيٍ

                     فعن صاحب أنت ذا معرض

فأنى تحلى فظل الإلـ

                     ـه ظليل وظلّه لا يقبضُ

التأثر بالدنيا:

إن من يرغب في استعمال الدخانيات يشعر في أولى مرّة يتجه فيها إلى رسول المرض والذبول هذا بردود فعل سيئة في الحاسة الذائقة، والجهاز الهضمي، والتنفسي. لكنه بعد مدة يعتاد التغيير في الطبع والميول ما يجعله لا يعبأ بشيء كما يعبأ بالسيجارة. فلا يشعر باللذة لدى تناوله الأطعمة المفيدة واللذيذة، ولا يبعث فيه الهدوء والاستقرار والطمأنينة غير دخان السيجارة المولد للسرطان. والتعلق بالدنيا والتأثر بها، ظلمة وجهل وغباوة تفقد الإنسان القدرة على تذوّق الجمالات واللذات المعنوية والعبادية. ففي رواية عن المسيح قال:

“صاحب الدنيا لا يلتذّ بالعبادة، ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حبّ المال”[4].

وعن أمير المؤمنين عليّ (ع) قال:

“كيف يجد لذة العبادة من لا يصوم عن الهوى”[5].

وفي حديث قدسي يخاطب الله سبحانه داود (ع) فيقول:

“ما لأوليائي والهم بالدنيا إنّ الهم يُذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم”[6].

عدم البرمجة الصحيحة للصلاة:

يعتبر القرآن الكريم إقامة الصلاة، وإيجاد الظروف المواتية والمحرّكة للرغبة نحو الصلاة إحدى علامات حكومة الصالحين. ومع أن هناك محاولات ومساعي كثيرة قد بذلت بعد انتصار الحكومة الإسلامية في إيران، واستحكامها من أجل الارتقاء بثقافة الصلاة في المجتمع مما سجل ارتفاعاً شديداً في نسبة المصلين، وملأ المدارس والمراكز الثقافية والجامعية بعطر الصلاة. لكن الملاحظ أن الخبراء والمتخصصين يؤكدون في ندواتهم ومؤتمراتهم على ضرورة ملء الشواغر المتنوعة فيما يخص التشويق وبعث الرغبة نحو الصلاة. وفيما يلي عدد من المحاور التي ينبغي البحث عنها:

ـ علاقة الرغبة في الصلاة بإقامتها جليلة أمام عامة الناس.

ـ دور تعريف الصلاة للشباب بلغة الفن في بعث الرغبة إليها.

ـ دور البرامج التعليمية والتربوية للمسجد في تحريك الرغبة إلى الصلاة.

ـ دور الجو التربوي للعائلة في إيجاد الشوق والرغبة إلى الصلاة.

ـ اصطحاب الوالدين لأولادهم في البرامج العاطفية والمسلية، ودورها في صحبة الأولاد لهم في البرامج الدينية (كالصلاة في المسجد).

ـ ارتباط رغبة العاملين بحضور المسؤولين والمدراء في الصلاة.

ـ دور الجليس والصاحب في إيجاد الرغبة لدى الإنسان في الصلاة.

ـ دور تنظيم خطط تشتمل على برامج في الضيافة والترفيه وإعداد تسليات تلفزيونية في ذلك والحيلولة دون إطالتها لحفظ روحية المصلّي.

ـ ارتباط رغبة الأولاد في الصلاة بحثّ والديهم وتشجيعهم وطبيعة تعاملهم معهم.

ـ دور محبة أولياء الأمور لأبنائهم عند إقامتهم الصلاة، وتأثيرها في تحريك الرغبة فيهم نحوها.

ـ العلاقة بين رغبة الجيل الجديد بالصلاة، وكيفية تعامل الأمناء والمشرفين على المسجد معه.

ـ علاقة تصرّف المصلين في المجتمع بمقاطعة الأفراد، أو رغبتهم وشوقهم إلى الصلاة.

ـ العلاقة بين رغبة الناس بالصلاة، ونظافة المسجد، وجمال بنائه، وجوّه المعنوي.

ـ أثر إقامة الصلاة في المراكز العامة في نشر ثقافة الصلاة.

ـ ارتباط الرغبة في الصلاة بكيفية توجيه آثارها وثمراتها في المجتمعات العلمية والتعليمية.

ـ دور أسلوب التعامل والأخلاق التي يبذلها إمام الجماعة في بعث الرغبة نحو الصلاة.

ـ دور المؤذّن في الترغيب نحو الصلاة.

ـ أثر غريزة التقليد والمحاكاة الموجودة لدى الأبناء في تعلّم إقامة الصلاة ومدى اهتمام الوالدين بها.

ـ دور عرض أحوال المصلين المخلصين ونشرها، في تحريك رغبة الناس نحو الصلاة.

ـ أثر الاعتدال في العبادة في استمرار الرغبة فيها والمداومة عليها.

إلهي… أسألك بجاه محمد وآله أن تجعلنا من مقيمي الصلاة، وتوفقنا لفهم حلاوة مناجاتك وذكرك، وأعنّا على سدّ النقائص، ورفع الخلل آمين يا ربّ العالمين.

[1]  مفاتيح الجنان ـ دعاء أبي حمزة الثمالي.

[2]  إرشاد القلوب عن الإمام الصادق (ع).

[3]  وسائل الشيعة ج3، ص24.

[4]  بحار الأنوار ج14، ص310.

[5]  غرر الحكم.

[6]  بحار الأنوار ج82، ص143.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...