الرئيسية / القرآن الكريم / قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم

قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم

العـلامة  السيد محمد حسين الطباطبائي

 

 

ـ 4 ـ
اعتبار الاسلام لرابطة الفرد والمجتمع

الصنع والإيجاد أولاً يجعل أجزاءً ابتدائية لها آثار وخواص ثم يركبها ويؤلف بينها على ما فيها من جهات البينونة فيستفيد منها فوائد جديدة مضافة إلى ما للأجزاء من الفوائد المشهودة ، فالإنسان مثلاً له أجزاء وأبعاض
____________
(1) سورة آل عمران ، الآيات : 103 ـ 105 .
(2) سورة الأنعام ، الآية : 159 .
(3) سورة الحجرات ، الآية : 10 .
(4) سورة الأنفال ، الآية : 46 .
(5) سورة المائدة ، الآية : 2 .
(6) سورة آل عمران ، الآية : 104 .
( 13 )

وأعضاء وقوى لها فوائد متفرقة مادية وروحية ربما ائتلفت فقويت وعظمت كثقل كل واحد من الأجزاء وثقل المجموع والتمكن والانصراف من جهة إلى جهة وغير ذلك ، وربما لم تأتلف وبقيت على حال التباين والتفرق كالسمع والبصر والذوق والارادة والحركة إلا أنها جميعاً من جهة الوحدة في التركيب تحت سيطرة الواحد الحادث الذي هو الانسان ، وعند ذلك يوجد من الفوائد ما لا يوجد عند كل واحد من أجزائه وهي فوائد جمة من قبيل الفعل والانفعال والفوائد الروحية والمادية ، كالنطفة مثلاً إذا استكملت نشأتها قدرت على إفراز شيء من المادة من نفسها وتربيتها إنساناً تاماً آخر يفعل نظائر ما كان يفعله أصله ومحتده من الافعال المادية والروحية ، فأفراد الانسان على كثرتها إنسان وهي واحد ، وأفعالها كثيرة عدداً واحدة نوعاً وهي تجتمع وتأتلف بمنزلة الماء يقسم إلى آنية فهي مياه كثيرة ذو نوع واحد وهي ذات خواص كثيرة نوعها واحد ، وكلما جمعت المياه في مكان واحد قويت الخاصة وعظم الأثر .
وقد اعتبر الاسلام في تربية أفراد هذا النوع وهدايتها إلى سعادتها الحقيقية ، هذا المعنى الحقيقي فيها ولا مناص من اعتباره ، قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) (1) . وقال أيضا : ( بعضكم من بعض ) (2) . وهذه الرابطة الحقيقية بين الشخص والمجتمع لا محالة تؤدي إلى كينونة اخرى في المجتمع حسب ما يمده الأشخاص من وجودهم وقواهم وخواصهم وآثارهم فيتكون في المجتمع سنخ ما للفرد من الوجود ، وخواص الوجود وهو ظاهر مشهود ، ولذلك اعتبر القرآن للأمة وجوداً وأجلاً
____________
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(2) سورة آل عمران ، الآية : 195 .
( 14 )

وكتاباً وشعوراً وفهماً وعملاً وطاعة ومعصية ، فقال تعالى : ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) (1) .
وقال أيضاً : ( كل أمة تدعى إلى كتابها ) (2) .
وقال : ( زينا لك أمة عملهم ) (3) ( يتلون آيات الله ) (4) .
وقال : ( وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ) (5) .
وقال أيضاً : ( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قُضي بينهم بالقسط ) (6) .
ومن هنا ما نرى أن القرآن يعتني بتواريخ الأمم كاعتنائه بقصص الأشخاص بل أكثر حينما لم يتداول في التواريخ إلا ضبط أحوال المشاهير من الملوك والعظماء ، ولم يشتغل المؤرخون بتواريخ الأمم والمجتمعات إلا بعد نزول القرآن فاشتغل بها بعض الاشتغال آحاد منهم ، كالمسعودي وابن خلدون حتى ظهر التحول الأخير في التأريخ النقلي بتبديل الأشخاص أمما ، وأول من سنه على ما يقال : أوغست كُمت الفرنسي المتوفى سنة 857 ميلادية .
وبالجملة لازم ذلك على ما مرت الاشارة اليه تكون قوى وخواص اجتماعية قوية تقهر القوى والخواص الفردية عند التعارض والتضاد على ان
____________
(1) سورة الأعراف ، الآية : 34 .
(2) سورة الجاذية ، الآية : 28 .
(3) سورة الأنعام ، الآية : 108 .
(4) سورة آل عمران ، الآية : 113 .
(5) سورة غافر ، الآية : 5 .
(6) سورة يونس ، الآية : 47 .
( 15 )

الحس والتجربة يشهدان بذلك في القوى والخواص الفاعلة والمنفعلة معاً ، فمهمة الجماعة وإرادتها في أمر كما في موارد الغوغاءات وفي الهجمات الاجتماعية لا تقوم لها إرادة معارضة ، ولا مضادة من واحد من أشخاصها وأجزائها ، فلا مفر للجزء من أن يتبع كله ويجري على ما يجري العامة كما في موارد الانهزام وانسلاب الأمن والزلزلة والقحط والوباء أو ما هو دونها ، كالرسومات المتعارفة والأزياء القومية ونحوهما تضطر الفرد على الاتباع وتسلب عنه قوة الإدراك والفكر .
وهذا هو الملاك في اهتمام الاسلام بشأن الاجتماع ذلك الاهتمام الذي لا نجد ولن نجد ما يماثله في واحد من الاديان الاُخر ولا في سنن الملل المتمدنة ( ولعلك لا تكاد تصدق ذلك ) ، فإن تربية الاخلاق والغرائز في الفرد وهو الاصل في وجود المجتمع لا تكاد تنجح مع كينونة الاخلاق والغرائز المعارضة والمضادة القوية القاهرة في المجتمع إلا يسيراً لا قدر له عن القياس والتقدير .
فوضع أهم أحكامه وشرائعه كالحج والصلاة والجهاد والانفاق وبالجملة التقوى الديني على أساس الاجتماع ، وحافظ على ذلك مضافاً إلى قوى الحكومة الاسلامية الحافظة لشعائر الدين العامة وحدودها ، ومضافاً إلى فريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العامة لجميع الأمة بجعل غرض المجتمع الاسلامي ـ وكل مجتمع لا يستغني عن غرض مشترك ـ هي السعادة الحقيقية ، والقرب والمنزلة عند الله ، وهذا رقيب باطني لا يخفى عليه ما في سريرة الانسان وسره ـ فضلاً عما في ظاهره ـ وإن خفي على طائفة الدعاة وجماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو الذي ذكرنا أن الاسلام تفوق سنة اهتمامه بشأن الاجتماع سائر السُنن والطرائق .

( 16 )

 

 

الولاية الاخبارية

 

https://t.me/wilayahinfo

 

[email protected]

 

شاهد أيضاً

قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم

ـ 9 ـ الحرية والمجتمع الاسلامي كلمة الحرية على ما يراد بها من المعنى لا ...