أنصار الحسين – دراسة عن شهداء ثورة الحسين
6 سبتمبر,2018
شخصيات أسلامية, صوتي ومرئي متنوع
804 زيارة
القسم الأول
الرجال
كم هم ؟ ومن هم ؟
مقدمة
كان قد اجتمع إلى الحسين ( مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز
ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه ) ( 1 ) .
وحدد الخوارزمي عدد هؤلاء يوم خرج الحسين من مكة :
( . . وفصل من مكة يوم الثلاثاء ، يوم التروية ، لثمان مضين من
ذي الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلا من شيعته ، ومواليه ، وأهل
بيته ) ( 2 ) .
وربما لا يكون هذا التقدير الذي ذكره الخوارزمي عمن رواه دقيقا .
ونحن على أي حال لا نملك تقديرا صحيحا لعدد كل فئة من شيعته ،
ومواليه ، عند خروجه من مكة .
وقال أبو مخنف :
( . . لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن
العاص عليهم يحيى بن سعيد ، فقالوا له : انصرف أين تذهب ! فأبى
عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان ، فاضطربوا بالسياط ، ثم إن الحسين
وأصحابه امتنعوا امتناعا قويا ، ومضى الحسين عليه السلام على
وجهه ) ( 1 ) .
وقال الدينوري :
( . . ولما خرج الحسين اعترضه صاحب شرطة أميرها عمرو بن
سعيد بن العاص في جماعة من الجند ، فقال : إن الأمير يأمرك
بالانصراف ، فانصرف ، وإلا منعتك ، فامتنع الحسين ، وتدافع
الفريقان ، واضطربوا بالسياط . وبلغ ذلك عمرو بن سعيد ، فخاف أن
يتفاقم الامر ، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالانصراف ) ( 2 ) .
وإذن ، فقد بذلت محاولة رسمية ، تتسم بالعنف ، للحيلولة بين
الحسين وبين ( الخروج ) من مكة ، ولكنها باءت بالفشل ( 3 ) .
قال أبو مخنف :
( كان الحسين لا يمر بأهل ماء إلا اتبعوه حتى إذا انتهى إلى زبالة
سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة ، مقتل عبد الله بن بقطر ، وكان سرحه
إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدري أنه قد أصيب . . . فأتى ذلك
الخبر حسينا وهو بزبالة ، فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم .
( بسم الله الرحمن الرحيم ) : أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع ، قتل
مسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة ، وعبد الله بن بقطر ، وقد خذلتنا
شعيتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام ) .
( فتفرق الناس عنه تفرقا ، فأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في
أصحابه الذين جاءوا معه من مكة ( 1 ) . وإنما فعل ذلك لأنه ظن أنما اتبعه
الاعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن
يسيروا معه إلا وهم يعلمون علام يقدمون ، وقد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته والموت معه ) ( 1 )
وقال الدينوري :
( وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق فلما سمعوا خبر مسلم ،
وقد كانوا ظنوا أنه يقدم على أنصار وعضد ، تفرقوا عنه ، ولم يبق معه إلا
خاصته ) ( 2 ) .
وإذن فقد بقي رجال الثورة الحقيقيون وحدهم بعد أن انجلى
الموقف وتبين المصير .
وقد كان هذا الاعلان الذي سمعه الناس من الحسين في زبالة هو
الاختبار الأول في هذه المسيرة ، وقد أدى إلى تفرق الكثيرين الذين رافقوه
عن رغبة وطمع ، وبقي معه هؤلاء الرجال النادرون الذين سيعرفهم
التاريخ عما قليل باسم ( أنصار الحسين ) .
وقد مروا في اختبار ثان حين حثهم الحسين على النجاة بأنفسهم في
ليلة العاشر من المحرم قائلا لهم :
( هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، ثم ليأخذ كل رجل منكم
بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ،
فإن القوم إنما يطلبوني ، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ) ( 1 ) .
ولكنهم رفضوا هذه الفرصة وآثروا البقاء معه إلى النهاية ،
واستشهدوا جميعا .
وسنرى أنه لم يبق في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة ، وذلك لان
عددا قليلا من الرجال قد انضم إليه فيما بعد ، وشارك أصحابه الأولين
مصيرهم المجيد .
كم هم ؟
من المؤكد أنه لا سبيل لنا إلى معرفة العدد الحقيقي لأصحاب
الحسن عليه السلام ، من استشهد منهم ومن لم يرزق الشهادة ، وذلك
لان المستندات المباشرة لهذه المسألة ، وهي روايات شهود العيان ،
مختلفة في التقدير . وهي ، بطبيعة الحال ، غير مبنية على الاحصاء ، بل
مبنية على الرؤية البصرية والتخمين كما تقضي بذلك طبيعة الموقف ،
ومن هنا فإن أيا منها لا تعبر عن عدد نهائي ، وإنما تعبر عن عدد تقريبي ،
لا بد أن يفترض فيه أنه يزيد على العدد الحقيقي قليلا أو ينقص عنه
قليلا .
فيما يلي نعرض الروايات الرئيسية في الموضوع ، ونحللها ،
ونناقشها .
لدينا ، بالنسبة إلى من شارك في المعركة من الهاشميين وغيرهم ،
أربع روايات .
الرواية الأولى :
رواية المسعودي ، وهي : ( فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر
بن يزيد التميمي . . . فعدل إلى كربلاء ، وهو في مقدار خمسمائة فارس
من أهل بيته وأصحابه ، ونحو مائة راجل ) ( 1 ) .
إن المسعودي لم يذكر مستنده في هذه الرواية ، ومع أن المسعودي
يتسم بالدقة في تاريخه إلا أننا لا يمكن أن نقبل العدد الوارد في هذه
الرواية على أنه العدد الذي وصل مع الحسين إلى كربلاء ، فهي من هذه
الجهة تخالف كل الروايات المعروفة التي نعرف مستنداتها ، دون أن تمتاز
هذه الرواية بما يجعلها حرية بالقبول دون غيرها .
يمكن أن تكون هذه الرواية صادقة إلى حد بعيد إذا أخرجناها من
إطارها الجغرافي ، وتأخرنا بها في الزمان قليلا عن لقاء الحسين للحر ،
واعتبرنا أنها تعبر عن العدد الذي كان قبل أن يعلن الحسين عن مقتل مسلم
ابن عقيل وعبد الله بن بقطر وهاني بن عروة ، وأما بعد ذلك فمن المؤكد
أن عدد الأصحاب ليس بالمقدار الذي ورد في رواية المسعودي
الرواية الثانية :
رواية عمار الدهني عن أبي جعفر ( محمد بن علي بن الحسين =
الإمام الباقر ) وقد جاء فيها : ( . حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة
أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي . . . فلما رأى ذلك عدل إلى
كربلاء . . . فنزل وضرب ابنتيه ، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا
ومائة راجل ) ( 1 ) .
وقد أورد ابن نما الحلي هذا العدد ، إلا أن الرواية عنده تختلف في
التأقيت عن رواية عمار ، فرواية عمار تؤقت العدد بساعة النزول في
كربلاء ، وقد كان ذلك في اليوم الثاني من المحرم ( 2 ) ، وابن نما يؤقت
العدد في اليوم العاشر من المحرم عند التعبئة ، قال : ( . . وعبا الحسين
أصحابه ، وكانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل ) ( 3 ) ، وكذلك الحال
عند ابن طاووس وقد صرح بإسناد الرواية إلى الإمام الباقر ( 4 ) .
ونحن نرجح أن ابن نما – كابن طاووس قد استند إلى رواية عمار
الدهني هذه ، وليس لديه مصدر آخر غيرها ، وأن اختلافهما عن رواية
عمار في التأقيت ناشئ من عدم دقتهما في قراءة الرواية .
إن عمار الدهني قد تلقي الرواية من أوثق المصادر وهو الإمام الباقر
، والمفروض أنه قد تلقي صورة حية ودقيقة لما حدث ، فقد طلب
الحديث بقوله ( حدثني عن مقتل الحسين كأني حضرته ) ولذا فإن مما
يبعث على الدهشة أن نجد في الرواية تحريفا منكرا لوقائع التاريخ ، فهي
تخالف ، من عدة وجوه ، بعض الحقائق الهامة المتصلة بمعركة كربلاء ،
ونرجح أن ذلك ناشئ من تلاعب الرواة بها كما ذكرنا آنفا ، إلا أن هذا لا
يمنع من قبول العدد الوارد في هذه الرواية بصورة مبدئية .
ونلاحظ أن رواية عمار تتفق من حيث الزمان والمكان مع رواية
المسعودي التي طرحناها .
الرواية الثالثة .
رواية الحصين بن عبد الرحمان عن سعد بن عبيدة ، قال : ( إن
أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ويقولون : اللهم أنزل
نصرك ، قال : قلت : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه ! قال : فأقبل
الحسين يكلم من بعث إليه ابن زياد ، قال : وإني لأنظر إليه وعليه جبة
من برود ، فلما كلمهم انصرف ، فرماه رجل من بني تميم يقال له عمر
الطهوي بسهم فإني لأنظر إلى السهم بين كتفيه متعلقا في جبته ، فلما أبوا
عليه رجع إلى مصافه ، وإني لأنظر إليهم ، وإنهم لقريب من مائة رجل ،
فيهم لصلب علي بن أبي طالب عليه السلام خمسة ، ومن بني هاشم ستة
عشر ، ورجل من بني سليم حليف لهم ، ورجل من بني كنانة حليف
لهم ، وابن عمر بن زياد ) ( 1 ) .
إن هذه الرواية منقولة عن شاهد عيان هو ( سعد بن عبيدة ) ، ويبدو
أنه كان مع عمر بن سعد وأنه كان مقربا منه ، فهو يقول في رواية أخرى :
( إنا لمستنقعون في الماء مع عمر بن سعد ) ( 2 ) ، بينما تشتمل الرواية
موضوع البحث على ملاحظة تدل على أنه كان متعاطفا مع الإمام الحسين
ومع الثورة : ( . . قلت يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه . . ) ( 3 ) .
والرواية ، من حيث العدد ، تتفق بوجه عام مع رواية أكثر تحديدا
هي رواية الخوارزمي المتقدمة عن عدد من خرج مع الحسين من مكة وأنه
كان اثنين وثمانين رجلا . وكررها الخوارزمي بصيغة التمريض :
( قيل ) ، في حديثه عن اليوم العاشر من المحرم ( 1 ) ، كما ورد هذا العدد
في مصادر أخرى لم نطلع عليها بطريق مباشر .
ويبدو أن هذه الرواية ، من حيث المكان والزمان ، تصور الموقف
في اليوم العاشر من المحرم قبيل المعركة . وربما كانت تصور الموقف
بعد نشوب المعركة ( بعد الحملة الأولى مثلا ) ، فإن الصورة الواردة فيها
عن عمر الطهوي الذي رمي الحسين بسهم بعد أن فرغ من كلامه
وانصرف إلى مصافه ، لم ترد في رواية أخرى من الروايات التي نقلت فيها
خطب الحسين وكلماته مع الجيش الأموي ، كذلك صورة هؤلاء الذين
يبكون ويدعون .
الرواية الرابعة :رواية أبي مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : ( . . .
فلما صلى عمر بن سعد الغداة . . . وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء ، خرج
فيمن معه من الناس . . . . وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة ،
وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ) ( 2 ) .
إن أبا مخنف يتمتع بسمعة جيدة من حيث دقته وصدقه في أخباره
التاريخية . وقد نقل أبو مخنف هذه الرواية بواسطة واحدة عن أحد
أصحاب الحسين الذين قاتلوا معه إلى أن بقي من أصحابه رجلان – كما
سنعرض لذلك فيما يأتي – وهو الضحاك بن عبد الله المشرقي ، وهو ،
فيما يبدو ، رجل صارم وعملي ودقيق جدا ، فحين طلب الحسين منه
النصرة أجابه إلى ذلك مشترطا أن يكون في حل من الانصراف عنه حين لا
يعود قتاله مفيدا في الدفع عن الحسين ، وقد أجابه الحسين إلى شرطه
فاشترك الضحاك في المعركة بصدق . إن هذه الملاحظة تبعث على
الوثوق بدقته .
وهذه الرواية ، من حيث العدد والتأقيت والمكان ، تتفق مع روايات
مؤرخين آخرين معاصرين للطبري أو متقدمين عليه .
منهم أبو حنيفة الدينوري ، قال : ( . . . وعبا الحسين عليه السلام
أيضا أصحابه ، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا ) ( 1 ) .
والدينوري يرجع إلى مصدر آخر غير مصدر أبي مخنف في روايته
هذه .
ومنهم اليعقوبي ، قال : ( . وكان الحسين في اثنين وستين أو
اثنين وسبعين رجلا من أهل بيته وأصحابه ) ( 2 ) .
وثمة روايات لكتاب متأخرين توافق هذا العدد أهمها في نظرنا رواية
الخوارزمي ، قال : ( ولما أصبح الحسين عليه السلام . عبأ أصحابه ،
وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ) ( 1 ) .
ومنهم الشيخ المفيد ( 2 ) .
هذه هي الروايات الرئيسة في الموضوع .
ونلاحظ ، قبل أن نذكر تقديرنا الخاص في المسألة ، أن عدد
الأصحاب لم يكن ثابتا في جميع المراحل ، منذ الخروج من مكة إلى ما
بعد ظهر اليوم العاشر من المحرم في كربلاء ، وإنما كان العدد متقلبا ، بدأ
عند الخروج من مكة بالعدد الذي ذكره الخوارزمي ( اثنين وثمانين رجلا )
ثم ازداد العدد كثيرا في الطريق ، ثم تقلص حتى عاد إلى العدد الأول ،
وربما يكون قد نقص عنه قليلا ، ثم ازداد بنسبة صغيرة قبيل المعركة نتيجة
لقدوم بعض الأنصار ، وتحول بعض جنود الجيش الأموي إلى معسكر
الحسين .
وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهى بنا إليه البحث هو أن أصحاب
الحسين الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي
يقاربون مئة رجل أو يبلغونها وربما زادوا قليلا على المئة ( 3 ) .
ولا نستطيع أن نعين عددا بعينه ، لأنه لا بد من افتراض نسبة من
الخطأ تنشأ من تصحيف الأسماء ، ومن عدم دقة الرواة الذين نقلوا
لاحداث وأسماء رجالها ، ولكن نسبة الخطأ المفترضة ليست كبيرة قطعا .
وهذه النتيجة تتوافق إلى حد كبير مع الروايات التي تصور ما حدث
في الحملة الأولى من القتال .
قال الخوارزمي في روايته عن أبي مخنف :
( . . فلما رموهم هذه الرمية قل أصحاب الحسين عليه السلام ،
فبقي في هؤلاء القوم الذين يذكرون في المبارزة . وقد قتل ما ينيف على
خمسين رجلا ) ( 1 ) .
والذين ذكرهم ابن شهرآشوب يبلغون أربعين رجلا ( 2 ) .
فإذا لا حظنا إلى جانب هذا أن هؤلاء الذين يذكرون في المبارزة
يبلغون أربعين رجلا تقريبا ، نكون قد قربنا من النتيجة التي أدى بنا إليها
البحث .
وهنا ينبغي أن نعي أن التفاوت أمر مقبول ومعقول ، لان الرواة في
جميع رواياتهم عن عدد أصحاب الحسين لم يتبعوا مبدأ الاحصاء وإنما
اتبعوا طريقة التقدير المستند إلى الروية البصرية .
وينبغي أن نعي أيضا أن عدد هذه القوة الصغيرة كان متقلبا نتيجة
لكون بعض عناصرها ( الموالي خاصة ) ربما كانت تظهر ثم تختفي في
مهمات خاصة .
إذا أخذنا في اعتبارنا هذه الأمور نرى أن النتيجة التي تضمنها هذا
البحث فيما يأتي منه عن عدد أصحاب الحسين من غير الهاشميين نتيجة
على جانب كبير من الدقة والصواب .
وأخيرا نلاحظ ، قبل أن نجاوز هذه المسألة إلى تقويم الروايات
الأساسية ، أننا الآن نواجه حالة مكتملة ، فقد استشهد هؤلاء الرجال
بأجمعهم في غالب الظن ، بينما يعبر شهود العيان في رواياتهم عن حالة
في طريقها إلى الاكتمال ، فقد كان هؤلاء الرجال لا يزالون أحياء في
الوقت الذي تحكي عنه الروايات ، ولنا أن نفترض أن بعضهم ، في بعض
الروايات ، لم يرزق الشهادة .
إذا استبعدنا رواية المسعودي للاعتبارات التي ذكرناها عند عرض
الرواية ، تبقى الروايات الثلاث الأخرى .
وهذه الروايات تشترك في أنها تستند إلى رواية شهود العيان الذين
كانوا في ساحة المعركة ، ولكنها تختلف فيها بينها في تقدير عدد أصحاب
الحسين فالتفاوت بين رواية أبي مخنف وبين رواية عمار الدهني يبلغ
النصف تقريبا ، والتفاوت بين رواية عمار ورواية الحصين يبلغ الثلث
تقريبا .
إلا أننا ، مع ذلك ، نميل إلى قبول الروايات الثلاث لاعتبارين :
الأول : أننا نستبعد كثيرا أن يدخل الكذب في هذه الروايات من حيث
العدد ، مهما كانت مواقف المخبرين الذهنية والعاطفية من الثورة .
الثاني : أن هذه الروايات لا تعبر عن العدد في موقف واحد ، وباعتبار واحد للرجال لينفي بعضها بعضا ، وإنما تعبر عن العدد في موقفين ، وباعتبارين أو اعتبارات ثلاثة للرجال .
فرواية عمار الدهني عن أبي جعفر تعكس الموقف حين النزول في
كربلاء في اليوم الثاني من المحرم ، وبين هذا التاريخ والتاريخ الذي تعبر
عنه روايتا الحصين وأبي مخنف تسعة أيام حدثت فيها بعض التقلبات في
عدد الرجال ، فقد تخلى بعضهم عن متابعة الصحبة ، وانضم آخرون إلى
الأصحاب ، وذهب بعض إلى البصرة وغيرها برسائل من الحسين .
كما أن هذه الرواية ( رواية عمار الدهني ) ، فيما نقدر ، تعبر عن
العدد الكلي للرجال الذين كانوا في هذا اليوم مع الحسين : موالي وعربا
هاشميين ، وغير هاشميين بالإضافة إلى عنصر الخدم من الرقيق وغيره
ممن لا يعدون في المحاربين – وهم موضوع بحثنا – ونقدر أنه كان مع
الحسين عدد من هؤلاء تقضي طبيعة الأمور بأن يكون موجودا .
نقول هذا مع التأكيد على إمكانية وجود خطأ محدود في التقدير
نتيجة لاستناد الراوي في تقديره إلى الرؤية البصرية لا إلى الاحصاء .
ورواية الحصين بن عبد الرحمن تعكس الموقف في اليوم العاشر من
المحرم قبيل نشوب القتال ، وتعبر عن عدد المحاربين ، هاشميين وعربا
وموالي ، أي أن عنصر الخدم خارج عن نطاق الصورة التي تعكسها هذه
الرواية . ونقدر أنهم كانوا يزيدون على المئة قليلا ، وليسوا قريبا من مئة
كما تقول الرواية ، يحملنا على هذا التقدير إمكانية أن الرواية تعكس
الموقف قبل تعبئة الحسين أصحابه وآله ميمنة وميسرة وقلبا ، وإن بعض
الرجال كان لا يزال بعيدا عن بصر الراوي ، وأن الرواية يظن استنادا إلى
رؤيته البصرية ولا يستند إلى الاحصاء ، كما نؤكد أن ثمة من شبان
الهاشميين من استشهد فيما بعد ، ولم يكن ، في الوقت الذي تحكي عنه
الرواية ، ظاهرا في الموقف عند الصباح ، بسبب صغر سنه .
ورواية أبي مخنف والروايات المواقفة لها تعكس الموقف بصراحة
بعد التعبئة ، وهي ، في تقديرنا ، تعبر عن عدد أصحاب الحسين من
المحاربين العرب غير الهاشميين ، فهي لا تشمل الهاشميين ولا الموالي ،
ولا الخدم .
وثمة نص للمسعودي يحملنا على هذا الرأي بالنسبة إلى رواية أبي
مخنف . فهو يقول : ( . . وقتل معه ( مع الحسين ) من الأنصار أربعة
وباقي من قتل معه من أصحابه – على ما قدمنا من العدة – من سائر
العرب ) ( 1 ) ، وكان قد قال قبل ذلك عن عدة من قتل مع الحسين :
( وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين
منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر ) ( 2 ) . وإذن فلا بد أن يكون هذا العدد
غير شامل للموالي ، فهو يقول عن غير الأنصار إنهم من سائر العرب ونحن
نعلم أنه قد استشهد من الموالي مع الحسين عدد كبير لم يدخلهم في عداد
القتلى لاعتبارات تتصل بالعقلية العنصرية التي كانت سائدة بدرجات
متفاوتة عند الناس في ذلك الحين ( 1 ) . وإذا أخرجنا الهاشميين من العدد
الذي ذكره المسعودي للقتلى يبقى منهم عدد مقارب للعدد الذي ورد عند
أبي مخنف ، وقلنا أنه لا يشمل الهاشميين ولا الموالي . هذا مع افتراض
نسبة من الخطأ في التقدير تنشأ من الاعتماد على الرؤية ، وإن كانت
النسبة المفترضة ضئيلة جدا لاعتبارين .
الأول : إن الراوي هو الضحاك بن عبد الله المشرقي ، أحد
أصحاب الحسين ، فهو في مركز من يستطيع الوصول إلى أقصى دقة في
التقدير .
الثاني : أن هذا التقدير يعكس الموقف في حالة التعبئة وحالة التعبئة
في عدد محدود تعطي قدرة أكثر على التحديد .
إن العدد الذي تشتمل عليه هذه الرواية هو اثنان وسبعون فرسانا
ورجاله ، والعدد الذي انتهى بنا البحث إليه في هذه الدراسة هو مئة تزيد
قليلا أو تنقص قليلا فإذا أخرجنا منه عشرين رجلا من الموالي : عشرة من
موالي الحسين ، واثنان من موالي علي ، وثمانية آخرون يبقى ثمانية
وسبعون رجلا من العرب غير الهاشميين ، هذا قبل أن يتحول الحر بن
يزيد الرياحي وعلى هذا فإن نسبة الخطأ في نتيجتنا أو في رواية أبي
مخنف محدودة جدا . وهذا التفاوت مألوف في مثل هذه الحالات .
تبقي – بالنسبة إلى عدد أصحاب الحسين – بعض المسائل .
من هذه المسائل مسألة تنشأ من رواية نقلها السيد بن طاووس في
مقتله المسمى ( اللهوف على قتلى الطفوف ) وهي :
( . . وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ( ليلة العاشر من
المحرم ) ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد ،
فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون
رجلا ) ( 1 ) .
إننا نقف من هذه الرواية موقف الشك :
أولا : لان حدثا كهذا كان يجب أن يلفت نظر الرواة الآخرين ، فهو
حدث شديد الإثارة في مثل الموقف الذي نبحثه ، ولهذا فقد كان لا بد أن
ينقله رواة آخرون . إن عدم نقله عن رواة آخرين مباشرين يبعثنا على
الشك في صدق الرواية .
2018-09-06