الرئيسية / القرآن الكريم / 13 أسرار الآيات وأنوار البينات

13 أسرار الآيات وأنوار البينات

تنبيه واعلم أن الإيمان إيمانان

أحدهما تقليدي سمعي كإيمان العوام يصدقون بما يسمعون ويستمرون عليه وبه يمتازون عن الحيوانات وفائدته في الدنيا حقن الأموال والدماء وإيمان كشفي قلبي يحصل بانشراح الصدر وتنور القلب بنور اللَّه كما أشار اللَّه تعالى إليه

« أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَه ُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّه ِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ »

« قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ » وينكشف بذلك النور حقيقة الأشياء الأصلية على ما هي عليه فيتضح حينئذ أن الكل من اللَّه ابتداؤه وإلى اللَّه مرجعه ومصيره . وهذا الصنف هم المقربون النازلون في الفردوس الأعلى وهم على غاية القرب من الحضرة الربوبية .

وهم أيضا على أصناف فمنهم السابقون ومنهم من دونهم بحسب تفاوت معرفتهم باللَّه وصفاته وأفعاله ودرجات العارفين غير محصورة كما قال تعالى :

« يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ » إذ الإحاطة بكنه جلال اللَّه غير ممكن وبحر المعرفة ليس له ساحل فكل له درجة بقدر قوة غوصه وخوضه فيه .

وأما المؤمن إيمانا تقليديا فهو من أصحاب اليمين إن كان عمله صالحا فهو يثاب في الآخرة بحسب ميزان عمله وسلامة صدره من الغل والغش فمن أدى الفرائض واجتنب الكبائر فيدخل في الجنة وكذا من أهمل الفرائض وارتكب الكبائر إلا أنه تاب توبة نصوحا فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .

وأما من لم يتب من الكبائر حتى مات فأمره خطير إذ ربما كان موته على الإصرار سببا لزوال إيمانه فختم له بسوء الخاتمة لا سيما إذا كان إيمانه تقليديا فإن التقليد وإن كان جزما فإنه قابل للانحلال بأدنى شبهة والعارف البصير أبعد عن أن يخاف عليه سوء الخاتمة وكلاهما إن ماتا على الإيمان يدخلان الجنة ولو بعد حين ويعذبان عذابا يزيد على عذاب المناقشة في الحساب بحسب قوة الإصرار وكثرة مدته وبحسب قبح الكبيرة إلا أن يعفو اللَّه ويتجاوز عنه فإنه غفور رحيم .

وكما أن الإيمان على ضربين حقيقي وتقليدي فالكفر أيضا كفران : كفر عن جحود وعناد وانحراف عن منهج السداد وهو مضاد الحق لأنه صفة وجودية وجهل مشفوع بالإصرار والاستنكار مركب مع البغض واللجاج وكفر عن قصور ونقص وعدم استعداد وكلاهما منشأ الخلود في النار إلا أن المنافق أشد عذابا وأسوأ حالا من الكافر الفطري لمكنة استعداده وقوة نفسه .

وتفصيل المقام : أن الأشقياء على ضربين أما المطرودون في الأزل الذين حق عليهم القول وهم أهل الظلمة والحجاب الكلي لغلظ طبائعهم وكثافتها وانغمارهم في بحر الطبيعة فهم المختوم على قلوبهم أزلا كما قال
تعالى

« وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ » وكما قال :

« إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوه ُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً » وفي الحديث القدسي

« هؤلاء خلقتهم للنار ولا أبالي » وأما المنافقون الذين كانوا مستعدين في الأصل قابلين للنور بحسب الفطرة والنشأة ولكن احتجب قلوبهم بالرين المستفاد من اكتساب الرذائل النفسانية الحاصلة من ارتكاب المعاصي ومباشرة الأفعال السبعية والبهيمية ومزاولة المكايد الشيطانية حتى رسخت الهيئات الغاسقة والملكات المضلة وارتكمت على أفئدتهم فبقوا شاكين حيارى تائهين في تيه الجهالة وظلمات الحيرة وحبطت أعمالهم وانتكست رؤسهم فهم أشد عذابا وأسوأ حالا وأردأ مآلا وأعصى جوهرا من الفريق الأول لمنافاة مسكة استعدادهم لأحوال مآلهم ووبالهم .

والفريقان هم أصحاب النار لأنهم أهل الدنيا أحدهما أهل الحجاب والأخرى أهل العقاب . فالفريق الأول ما أشار تعالى إليهم بقوله :

« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » والفريق الثاني ما أشار إليهم بقوله :

« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...