الرئيسية / الاسلام والحياة / الحياة الآخرة – دروس في المعاد والآخرة 10

الحياة الآخرة – دروس في المعاد والآخرة 10

الدرس العاشر:

كتاب الأعمال والمحشر والصراط

 

 

أهداف الدرس:

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يشرح أنّ لكل إنسان كتاباً تسجّل الملائكة فيه جميع أعماله بدقة.

2- يبيّن أنّ الناس ينقسمون يوم القيامة بحسب كتب أعمالهم.

3- يبيّن معنى المحشر والصراط وأحداثهما وبعض خصوصياتهما.

كتاب الأعمال

لكل إنسان كتابٌ تُضبط فيه أعماله، وفي يوم القيامة سوف يقرأ كتاب أعماله الذي سيكون مثار عجب من شدّة دقّته. وفي كتاب الأعمال هذا سوف تسجّل تمام أعمال الإنسان والآثار المترتّبة عليها. وهذا الأمر هو من مظاهر القدرة الإلهيّة اللامتناهية. وإنّ الاعتقاد والإيمان بهذا الأمر له أثره العميق في حصول التقوى عند الإنسان، لأنّ الإنسان الذي يعتقد أنّ تمام أعماله مكتوب ومسجّل سوف يراقب كل ما يقوم به ومن لا يعتقد بذلك سوف يقدم على أيّ عمل دون حساب أو رادع.

 

تسجيل الملائكة أعمال العباد

إنّنا وبغضّ النظر عن السؤال حول كيفية تسجيل أعمال العباد (عن طريق الكتابة أو التصوير أو الحفظ) نعلم بأنّ الملائكة تقوم بتسجيل أعمال الخلق، كما قال تعالى: ﴿وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾[1]. ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾[2].

 

وهؤلاء الملائكة يطّلعون على كل أعمال العباد، ولو خفي عنهم شيءٌ فإنّه لا يخفى على الله. يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: “وكل سيّئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين الذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي وجعلتهم شهوداً عليَّ مع جوارحي وكنت أنت الرقيب عليَّ من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم”[3].

 

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[4].

 

وقال أيضاً: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[5].

 

يدلّ ظاهر الآية أنّ الأعمال التي يقوم بها الإنسان خلال عمره تحضر بعينها أمامه، أي أنّ أعمال الإنسان مسجّلة يقيناً وإن كانت كيفيّة ذلك غير واضحة بالنسبة إلينا.

 

تسجيل الآثار

إنّ أعمال الإنسان وآثار أعماله كلها تُسجّل وبعد ذلك سوف يتذكّرها الإنسان ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾[6].

 

سوف يرحل الإنسان عن هذه الدنيا ولكن يبقى لأعماله آثارٌ ستسجّل في كتاب الأعمال. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “خير ما يخلّفه الرجل بعده ثلاثة: ولدٌ بارٌّ يستغفر له، وسنّة خيرٍ يُقتدى به فيها، وصدقةٌ تجري من بعده”[7].

 

وعن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾[8] قال: “بما قدّم من خير وشر، وما أخّر ممّا سنَّ من سُنّة ليستنّ بها من بعده، فإن كان شرّاً كان عليه مثل وزرهم ولا ينقص من وزرهم شيء. وإن كان خيراً كان له مثل أجرهم ولا ينقص من أجورهم شيء”[9].

 

وكذلك ممّا يسجّل في كتاب الأعمال، ما يرضى عنه الإنسان من أعمالٍ يقوم بها الآخرون ويرضى هو عنها، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “أيّها الناس إنّما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنما عَقَر ناقة ثمود رجلٌ واحد فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضا”[10].

 

إنّ دين الإسلام يرى أنّ رضى الإنسان عن الطاعة والمعصية وغضبه لها مسجّلٌ في كتاب أعماله وسيحاسب عليها مهما تكن الفاصلة المكانيّة أو الزمانيّة بين من قام بالعمل وبين من رضي به. بل قد يقوم الإنسان بعمل خيرٍ ولكنّه يسجّل في كتاب أشخاصٍ آخرين أو العكس.

 

تقسيم الناس بحسب كتاب الأعمال

يقسّم الناس بحسب أعمالهم إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾[11].

 

ويقول عز وجل في حق أصحاب الشمال: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ *  بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾[12].

 

ويقول تعالى أيضاً: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ﴾[13].

 

وإنّ ما تذكره الآيات من وجود فئةٍ تأخذ كتابها بيمينها وأخرى بشمالها هو في حقيقة الأمر كناية عن السعادة والشقاء.

 

وقد ورد التعبير عن طريقة تلقّي صاحب الشمال لكتابه بنحوين: أحدهما تلقّيه من وراء ظهره وثانيهما تلقيه بشماله. وقد أبدى المفسّرون لبيان ذلك عدّة آراء وأنسب هذه الآراء أن نقول: إنّه عندما يتلقّى أحد أصحاب الشمال كتابه بشماله يخفي كتابه بيده وراء ظهره بسبب الذلّة والخجل، ليخفي سند جرائمه، ولكنّ لا فائدة من ذلك لأنه لن يتمكّن من إخفائه.

 

المحشر

هو مكان تجمُّع النَّاس يوم القيامة وفيه يكون حسابهم، أي بعد حصول النَفخ الثًاني في الصُّور وإحياء الموتى يأتي الناس جميعاً وبأمرٍ من الله إلى ساحة المحشر. وهناك يحاسب كل شخصٍ، وعلى أساس أعماله المضبوطة بدقة يُرسل إلى الجنّة أو إلى جهنّم. قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾[14]. ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾[15].

 

وقد ذكرت الآيات والروايات بعض خصوصيّات المحشر، نتعرّض لبعضها هنا:

1- يحشر الناس مع إمامهم:

قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾[16].

وقد جاء في تفسير مجمع البيان: أنّه ورد عن الإمام علي بن موسى عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “يُدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيّهم”[17].

 

وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “لا تمجّدون الله، إذا كان يوم القيامة فدعا كل أناس إلى من يتولّونه، وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفزعتم إلينا فإلى أين ترون يُذهب بكم؟ إلى الجنّة وربِّ الكعبة، قالها ثلاثاً”[18].

 

2- كل إنسان تهمّه نفسه:

قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾[19]. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال له بعض أهله: يا رسول الله، هل يذكر الرجل يوم القيامة حميمه؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاثة مواطن لا يذكر أحد أحداً، عند الميزان حتى

 

ينظر أيثقل ميزانه أم يخفّ، وعند الصراط حتى ينظر أيجوزه أم لا، وعند الصحف حتى ينظر بيمينه يأخذ الصحف أم بشماله…”[20],فهذه ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد حميمه ولا حبيبه ولا قريبه ولا صديقه ولا بنيه ولا والديه، وذلك قول الله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾[21]، مشغولٌ بنفسه عن غيره من شدّة ما يرى من الأهوال العظام. نسأل الله تعالى أن يسهّلها لنا برحمته ويهوّنها علينا برأفته ولطفه.

 

3- السُّؤال والحساب:

الحساب يوم القيامة لجميع الخلق إلا من استثني مما سيأتي، قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[22].

 

عن الإمام علي عليه السلام في وصفه يوم القيامة قال: “يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق لا يتكلّم أحد إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، فَيُقام الرسل فيُسأل فذلك قوله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا﴾ وهو الشهيد على الشهداء والشهداء هم الرسل عليهم السلام”[23].

 

ولقد وعد الله تعالى جماعةً بعدم الحساب في يوم القيامة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الله عزّ وجلّ يُحاسب كلَّ خَلقٍ إلا من أشرك بالله عزّ وجلّ فإنّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار”[24].

 

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[25].

فالصابرون لا يحاسبون على أعمالهم، والصابرون هنا المراد بهم الذين يصبرون على بلاءات الدنيا ومصائبها وفتنها، كما يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز:

 

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾[26]. وجاء في الحديث المعروف الذي رواه الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تفسير هذه الآية: “إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان، ولم ينشر لهم ديوان، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾”.

 

ويقول العلامة الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية: وقوله: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ توفية الأجر إعطاؤه تاماً كاملاً، والسياق يفيد أن القصر في الكلام متوجّه إلى قوله: “بِغَيْرِ حِسابٍ” فالجار والمجرور متعلق بقوله: “يُوَفَّى” صفة لمصدر يدل عليه والمعنى لا يعطى الصابرون أجرهم إلا إعطاء بغير حساب، فالصابرون لا يحاسبون على أعمالهم ولا ينشر لهم ديوان ولا يقدر أجرهم بزنة عملهم. وقد أطلق الصابرون في الآية ولم يقيّد بكون الصبر على الطاعة أو عن المعصية أو عند المصيبة وإن كان الذي ينطبق على مورد الآية هو الصبر على مصائب الدنيا وخاصة ما يصيب من جهة أهل الكفر والسوق من آمن بالله وأخلص له دينه واتقاه”[27].

 

كما وأنه من خصوصيّات الشهداء والمجاهدين في سبيل الله أنّهم لا يحاسبون في القبر وفي القيامة بل يدخلون الجنّة بلا حساب، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “من قُتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئاً من سيئاته”[28]. أي أنّه يكون مورد العفو الإلهي ولا يحاسب على أعماله بشرط أن لا تكون مرتبطة بحقوق الناس التي في ذمته. كما ورد في بعض الروايات أن الله يعفو عن الشهيد في كل شيءٍ إلا في حقوق الناس.

 

فعن الإمام الباقر عليه السلام: “كل ذنب يكفّره القتل في سبيل الله إلاّ الدّين فإنه لا كفّارة له إلاّ أداءه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له حق”[29].

 

الصراط

الصراط يعني الطريق[30]، والمراد به جسر على جهنّم (أو في داخلها) لا بدّ للإنسان من عبوره[31]. ومن خصوصيّات الصراط أنّه لا بدّ لكل إنسان أن يعبره حتى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام,قال تعالى: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾[32].

 

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في توضيح الصراط, قال: “أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره إذا وقف الخلائق وجميع الأولين والآخرين أتى بجهنم ثم يوضع عليها صراط أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف عليه ثلاث قناطر الأولى عليها الأمانة والرحمة، والثانية عليها الصلاة والثالثة عليها رب العالمين لا إله غيرهُ فيكلّفون الممرّ عليها…”[33].

 

إنّ المستفاد من مجموع الروايات أنّ الصراط يتناسب وأعمال الإنسان، لذا يكون عبوره للبعض من أهل الإيمان والعمل الصالح سهلاً يسيراً، ويكون عبوره للبعض الآخر من الكفّار والمجرمين صعباً جدّاً وعسيراً.

 

أما أحوال الصراط وكيفيّة عبوره فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “يرد الناس النَار ثمّ يَصْدُرُونَ بأعمالهم فأوّلهم كلَمْعِ البرق ثمّ كمرِّ الرّيح ثمّ كحُضْرِ الفرس ثمّ كالرّاكب ثمّ كشدِّ الرّجل ثمّ كَمَشْيهِ”[34].

 

ومن الواضح أنّ اختلاف سرعة العابرين على الصراط يرجع إلى تفاوتهم في مراتب الإيمان والعمل الصالح.

 

ويبقى السؤال عن فلسفة دخول المؤمن إلى جهنم وخروجه منها وعبور الصراط

والجواب: إنّ مشاهدة جهنم وعذاباتها سوف تكون مقدّمة ليتنعّم المؤمنون بلذائذ الجنّة بشكل أفضل وأكبر، لأنّ الإنسان لا يعرف قدر العافية إلا إذا رأى المصيبة. فالمؤمن عند عبوره جهنّم لا يصاب بعذابها وإنّما يرى العذاب الذي فيها ويشاهده، وكما تدلّنا الروايات أنّ جهنّم تصبح عليهم برداً وسلاماً، مضافاً إلى أنّ أهل جهنّم عندما يمرّ عليهم المؤمن في طريقهم إلى الجنة يزدادون حسرةً وعذاباً.

 

شفاعة الشفعاء

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾[35]. وقال عزّ وجل: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا﴾[36].

 

الشفاعة من المسائل الحتميّة في القيامة. والشفاعة كسائر أمور القيامة هي بيد الله عزّ وجلّ وكل من يرى له صلاحيّة الشفاعة، وهو ممن يرضى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم[37].

 

إن الذي يظهر من الآيات والروايات الواردة في شأن الشفاعة – وعلى خلاف ما يظنّه بعض أتباع الباطل – أنّها لا تشمل جميع الناس، وإنّها ليست نوعاً من التلاعب. بل من تشمله هذه الخصوصيّة هو ممّن كان من أصحاب الإيمان والعمل الصالح ولكنه قصّر في بعض الأعمال أو ارتكب بعض الذنوب التي لم تمنع استحقاقه للجنّة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا وَقَدْ سَأَلَ سُؤْلًا وَقَدْ أَخْبَأْتُ دَعْوَتِي لِشَفَاعَتِي لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ”[38].

 

والشفاعة بالأصل لله تعالى كما في قوله تعالى: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾[39]. ولغيره بالتبع. والآيات التي تنفي الشفاعة عن غير الله تعالى إنما تنفيها على نحو الإستقلال في الملك والتصرّف. أما إذا ثبتت بإذن الله وتمليكه فلا إشكال فيها. ومن المعلوم أن كل ما بالغير لا بد ان ينتهي إلى ما بالذات، فالله تعالى هو المبد وإليه المنتهى.

 

ولا ريب أن تأثير الشفيع عند المشفّع لديه، لا يمكن أن يكون اعتباطياً ومن دون مقاييس وضوابط محددة، وإنما لا بد من أن يتوفّر لدى الشفيع صفات محدّدة تكون مُوجبة لقربه من المولى وعلو منزلته لديه وكرامته عنده واصطفائه من قبله. وهذه المرتبة لا ينالها إلا نبي مرسل أو وليّ منتجب، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان، أو شهيد في سبيل الله، كما يستفاد من ذلك من بعض الآيات والروايات والشريعة.

 

المفاهيم الرئيسة

1- إنّ أعمال كل إنسان تسجّل في كتابه من قبل الملائكة الموكّلين به.

 

2- ما هو مسلّم به أنّ تمام أعمال الإنسان بصغائرها وكبائرها مسجّلٌ ومحفوظٌ، وسيراها يوم القيامة مدوّنة في كتابه.

 

3- إنّ ما يرضى الإنسان به من أعمال الآخرين سوف يسجّل أيضاً في كتاب أعماله.

 

4- ينقسم الناس يوم القيامة بحسب كتاب أعمالهم إلى فريقين: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال.

 

5- أصحاب اليمين كتاب أعمالهم موجب لسعادتهم وسرورهم، وأصحاب الشمال كتاب أعمالهم موجب لحزنهم وغمّهم، وهم من خجلهم يخفونه وراء ظهورهم.

 

6- المحشر هو المكان الذي يجتمع فيه الناس يوم القيامة للحساب، فبعد نفخ الإحياء يساق الناس وهم في حالة وحشة واضطراب إلى ساحة المحشر، ويحشر كلُّ أناس مع إمامهم.

 

7- لا ينظر يوم القيامة أحدٌ إلى شأن الآخرين بل يهتم فقط بنجاته.

 

8- الصراط جسرٌ على جهنم وهو يتناسب مع أعمال الإنسان. وهو لقسمٍ من الناس سهل العبور وواسعٌ ولآخرين رفيعٌ طويلٌ وصعب العبور.

 

 

 

للمطالعة

 

الصِّرَاط المُسْتَقِيم[40]

لكم أن تختاروا أحد الطريقين: صراط الإنسانية المستقيم، أو الانحراف يميناً أو شمالاً، فإلى أيِّ الجهتين ينحرف الإنسان يبتعد عن الإنسانية، وكلّما تقدم في إحداهما ازداد بعداً عن إنسانيته. ومن ينحرف عن الصراط المستقيم يبتعد عن طريق الإنسانية الذي جاء به الأنبياء وأمروا أن يُعَرِّفوه للناس. والله – تبارك وتعالى – يقول في سورة الحمد المباركة: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ فأولئك الذين تفضّلت عليهم بنعمة الهداية، ورحمتهم بالاستقامة على هذا الصراط ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ والمغضوب عليهم طائفة منحرفة، والضالّون أيضاً طائفة منحرفة. وهم كلّما ساروا إلى الأمام ازدادوا بُعداً.

 

وأنتم كلّما درستم، ولم يكن درسكم ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ابتعدتم عن الصراط المستقيم، وكلّما درستم أكثر بغير هذا الاسم ازددتم بعداً، ولو صرتم أعلم من في الأرض ولم يكن علمكم ﴿باسم الرَّب﴾ فأنتم أبعد مَن عليها عن الله – تبارك وتعالى – والأبعد عن الصراط المستقيم.

 

والصراط المستقيم رأسُه جسر جهنّم، وطرفه الآخر الطبيعة، أو طرفه الجنّة، وآخر مراتب الجنَّة لقاء الله حيث لا سبيل لأحد هناك غير الإنسان، السبيل للإنسان فقط. وكلّنا الآن واقعون في جسر جهنّم، الطبيعة متن جهنّم. ففي ذلك العالم الذي يظهر فيه ستكون الطبيعة بمثابة جهنم ونحن الآن نتحرَّك في متن جهنّم. فإذا طوينا هذا الطريق في ذلك اليوم الذي‏ يظهر فيه جسر جهنَّم لأعين الناس هذه، ففي ذلك العالم يتجلّى، ومَن طوى هذا الطريق يعبر جسر جهنم، ومن لم يطوِ هذا الطريق يقع في جهنّم، ويسقط عن الجسر. والطريق المستقيم الذي ذكروا أوصافه أيضاً وسمعتموها هو أدقّ من الشعرة وهو طريق ضيِّق ومظلم.

 

الإمام الخميني قدس سره

 

[1] سورة الزخرف، الآية 80.

[2] سورة الإنفطار، الآيات 10 ـ 12.

[3] مفاتيح الجنان، دعاء كميل.

[4] سورة النساء، الآية 1.

[5] سورة الكهف، الآية 49.

[6] سورة يس، الآية 12.

[7] تفسير القمي، ج 2، ص 398.

[8] سورة القيامة، الآية 13.

[9] تفسير القمي، ج 2، ص 397.

[10] بحار الأنوار، ج 60، ص 213.

[11] سورة الإنشقاق، الآيات 7 ـ 9.

[12] سورة الإنشقاق، الآيات 10 ـ 15.

[13] سورة الحاقة، الآيات 19 ـ 26.

[14] سورة الأنعام، الآية 22.

[15] سورة الواقعة، الآيتان: 49 – 50.

[16] سورة الإسراء، الآية 71.

[17] بحار الأنوار، ج 8، ص 8.

[18] م. ن.

[19] سورة عبس، الآيات 34 ـ 37.

[20] البرهان في تفسير القرآن، ج5، ص 586.

[21] سورة عبس، الآية 37.

[22] سورة الحجر، الآيتان 92 ـ 93.

[23] بحار الأنوار، ج 7، ص 313.

[24] م. ن، ج 7، ص 260.

[25] سورة الزمر، الآية 10.

[26] سورة البقرة، الآيتان 155-156.

[27] الميزان في تفسير القرآن،17، ص244.

[28] وسائل الشيعة، ج 11، ص 9.

[29] بحار الأنوار، ج 100، ص 10.

[30] لسان العرب، ج 7، ص 340.

[31] علم اليقين، الكاشاني، ج 2، ص 967.

[32] سورة مريم، الآية 71.

[33] الحويزي، الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي، تفسير نور الثقلين، صححه وعلّق عليه السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1411 هـ. ق، قم إيران، ج 5، ص 572.

[34] بحار الأنوار، ج 8، ص 249.

[35] سورة مريم، الآية 87.

[36]  سورة الأعراف، الآية 53.

[37] سورة طه، الآية 109.

[38] بحار الأنوار، ج8، ص34.

[39] سورة الزمر, الآية 44.

[40] صحيفة الإمام الخميني قدس سره، ج 8، ص 256.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...