أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 04
6 فبراير,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
776 زيارة
الفصل الأول
مراحل الغزو الفكري الغربي
مقدمة
وجود الغرب المسيحي هنا في شرقنا الاسلامي لم يكن صدفة
بدأ بالوجود المادي العسكري وتبعه الاستشراق والتبشير ( الوجود
المعنوي ) وأعقبه مرة أخرى الوجود العسكري ( الاستعمار وتقطيع
أوصال دولة الخلافة الاسلامية ) ثم أعقبه بث فكرة فصل الدين عن
الدولة ، وفكرة القومية ، ثم الاجهاز على الخلافة الاسلامية ، وأخيرا
حين رحلت جنوده أبقى له جنودا آخرين من جلدتنا ويتحدثون
بلساننا وبهم أجرى التغيير السياسي المطلوب ، وأجرى التغيير الاجتماعي
المقصود .
ولنحاول أن نقسمها إلى ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى :
مرحلة ما قبل إسقاط الخلافة الاسلامية ونتحدث عنها في مبحث أول .
المرحلة الثانية :
مرحلة الاجهاز على الخلافة الاسلامية ونتحدث عنها في مبحث ثان .
المرحلة الثالثة :
مرحلة ما بعد إسقاط دولة الخلافة ونتحدث عنها في مبحث ثالث .
المبحث الأول
مرحلة ما قبل إسقاط الخلافة الاسلامية
وتبدأ بالحروب الصليبية ثم الاستشراق ، ثم التبشير .
أولا : الحروب الصليبية :
لسنا تكتب تاريخا ولكننا نستخلص عبرا من الحقائق
التاريخية المسلم بها فمن هذه الحقائق أن الغرب جرد حملات غزت
الشرق الاسلامي باسم الصليب وتحت رايته ، وكان رجال الكنيسة
في أوروبا يدفعون الملوك والشعوب إلى هذه الحروب ( 1 ) فاتخذت
بذلك طابعا دينيا شكلا وموضوعا ، وكان تفرق المسلمين إلى دويلات
وضعف دولتهم مشجعا على ذلك الغزو وليس صحيحا ما يحاول
بعض الكتاب العرب تصويره من أنها كانت مجرد حملات استعمارية
باحثة عن المصالح الاقتصادية نعم قد يكون الاستعمار والاستغلال
الاقتصادي من أهدافها ، لكنه بالتأكيد ليس الهدف الأول الرئيسي ،
إنما كان هذا هدفا دينيا ولم تكن حماسة رجال الدين المسيحي
ولا مشاركتهم في هذه الحملا ت عفوا ولا لغوا ، ولكنه كان قصدا إلى
الانتقام من غزو الاسلام لقلب أوروبا ، حتى صار البحر الأبيض المتوسط
بحيرة إسلامية خالصة ، وحتى بلغ المسلمون جنوب فرنسا ثم قصدا
بعد الانتقام إلى إدخال المسلمين في المسيحية ذاتها ، وهو ما ستفسره
المرحلة التالية لهذه الحروب والأمران يفسرهما قول الله سبحانه
وتعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ( 1 ) )
وقوله : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ( 2 )
وقد يكون صحيحا ما أشار إليه كاتب أمريكي ( 3 ) ، من أن اليهود كانوا
وراء الحروب الصليبية قصدا إلى إضعاف العالمين المسيحي والاسلامي
كما أشار ، ثم تحقيقا لمزيد من الكسب والربا أثناء تلك الحروب
لكن لو يحركهم اليهود لتحركوا كذلك فإن ما بدا منهم
في تلك الحروب ينم عن حقد دفين ، وما تخفي صدورهم أكبر .
العصمة في الاسلام للأمة لا للإمام :
ولئن كانت الدولة الاسلامية في ذلك الحين مفككة الأوصال فلقد
جعل الله من معجزات دينه بعد القرآن هذه الأمة فلقد حولها
القرآن بحق خير أمة أخرجت للناس ، حتى صار ما قيل من أن العصمة
في الاسلام للأمة لا للإمام أخذا من قول الرسول صلى الله عليه
وسلم ” لا تجتمع أمتي على ضلالة ” ، ثم استمدادا من أحداث التاريخ
التي ظلت معها الأمة الاسلامية صامدة شامخة برغم ما وجه إلى
صدرها وقلبها من سهام وحراب ! .
انتفضت الأمة لما رأت الصليب فوق رؤوس أعدائها انتفضت
تحارب أعداء الله وأعداءها بكل سبيل ، واسترخصت الدم والروح في
سبيل الله وتعجلت لقاء الله وجنته فأعطاها الله الحسنيين
النصر والجنة وارتدت حملات الصليب على أعقابها خاسرة بعد
معارك طاحنة استمرت قرنين كاملين وفي قصص التاريخ لبطولات
المسلمين في هذه الحروب وتفننهم فيها ما يحتاج إلى أن يكتب
بأحرف من نور .
وبرز نور الدين الشهيد محمود بن زنكى التركي ثم برز
صلاح الدين الأيوبي الكردي وغيرهما ممن قادوا جماهير الأمة
إلى النصر لتثبت عالمية هذه الدعوة فلا فضل لعربي على أعجمي
إلا بالتقوى وجاهد جماهير من التركستان الحبيبة ( التي ترزح تحت
الإلحاد الشيوعي المجرم ) وحرروا أرض الاسلام من جحافل الصليبية
الحاقدة بينما لم ، يجد هؤلاء من يقف إلى جوارهم يوم أعدمت روسيا
منهم ثلاثة ملايين !
وأيقن الغرب المسيحي أنه مهما ضعفت دولة الاسلام فإنه
لن يستطيع النيل منها ومن أمتها حتى ينال أولا عقيدتها وفكرها
وكانت المرحلة الثانية – مرحلة الاستشراق والتبشير .
ثانيا : الاستشراق :
وقبل أن يظهر التبشير كبديل عن الحروب لتحطيم عقيدة
المسلمين وفكرهم نشير إلى أن الحروب الصليبية أنتجت كذلك إنتاجا
فكريا ( هو الاستشراق ) إذ نفر قوم من الغربيين يدفعهم التعصب
الصليبي إلى الكتابة عن الاسلام فأفقدهم التعصب أمانة العلم ، وعمدوا
إلى تشويه الاسلام من عدة نواح :
– فرددوا أن القرآن من وضع محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن
سذاجة الصحابة وإيمانهم دفعهم إلى نقله على أنه من عند الله .
– وخلطوا في مصادر الأحكام الاسلامية بين المصادر الإلهية
( القرآن والسنة ) وبين الاجتهاد ونظروا إلى الجميع على أنها من
صنع البشر فسووا بينها في المنزلة !
– ودعوا إلى التصوف الاسلامي لما يؤدي إليه في أكثر الأحيان
من صرف أصحابه عن الجهاد وهو أكثر ما يثير الصليبيين ويفزعهم
( راجع الصوفية في الاسلام للمستشرق نيلكسون ص 7 ، 8 . ) ( * )
وقد بدأ الاستشراق في الأندلس ( أسبانيا ) في القرن السابع
الهجري ، حين اشتدت حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين فدعا
( الفونس ) ملك قشتالة مشيل سكوت ليقوم بالبحث في علوم المسلمين
وحضارتهم ، فجمع سكوت طائفة من الرهبان في بعض الأديرة بالقرب
من مدينة طليطلة وشرعوا يترجمون بعض الكتب من اللغة العربية إلى
لغة الفرنجة ثم قدمها سكوت لملك صقلية الذي أمر باستنساخ نسخ
منها وبعث بها هدية إلى جامعة باريس .
وكذلك قام رئيس أساقفة طليطلة ريمون لول بنشاط كبير في
الترجمة ، ومع الزمن توسع الأوروبيون بالنقل والترجمة في مختلف
الفنون والعلوم من إلهيات وطب وهندسة وفلك وغيرها ، وبعد اختراع
الطباعة أنشئت في أوروبا مطابع عربية لطبع عدد من الكتب التي كانت
تدرس في المدارس والجامعات الأوروبية .
ولم يكن عمل المستشرقين منفصلا عن عمل المبشرين بل كانت
مهمة كل من الطائفتين تدخل في الأخرى .
وكان فشل الصليبيين في
حملاتهم المتوالية على الشرق الاسلامي دافعا للمزيد من الاهتمام بالثقافة
الاسلامية ، وقد ظهرت أخيرا وثيقة خطيرة تلقي الضوء على تحول
الصليبيين من الغزو العسكري إلى الغزو الفكري ، وهذه الوثيقة تتضمن
وصية ( القديس ) لويس ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية الثامنة
التي انتهت بالفشل والهزيمة ووقوع ( لويس ) في أسر المصريين في مدينة
( المنصورة ) ، وقد بذل الملك لويس فدية عظيمة للخلاص من الأسر ،
وبعد أن عاد إلى فرنسا أيقن أنه لا سبيل إلى النصر والتغلب على
المسلمين عن طريق القوة الحربية ، لأن تدينهم بالاسلام يدفعهم
للمقاومة والجهاد وبذل النفس في سبيل الله لحماية ديار الاسلام وصون
الحرمات والأعراض به والمسلمون قادرون دوما للانطلاق من عقيدتهم
إلى الجهاد ودحر الغزاة . وأنه لا بد من سبيل آخر ، وهو تحويل التفكير
الاسلامي وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري . بأن يقوم العلماء
الأوروبيون بدراسة الحضارة الاسلامية ليأخذوا منها السلاح الجديد
الذي يغزون به ( الفكر ) الاسلامي ، وهكذا تحولت المعركة من ميدان
السلاح إلى معركة في ميدان العقيدة والفكر بهدف تزييف عقيدة المسلمين
الراسخة التي تحمل طابع الجهاد وتدفع المؤمنين إلى الاستشهاد .
وقد سار الأوروبيون في طريق تنفيذ وصية القديس لويس في
تزييف العقيدة الاسلامية وامتصاص ما فيها من قوة وجهاد وإيمان عن
طريق التفرقة بين العقيدة والشريعة ، وتصوير الاسلام بصورة الدين
الذي يبذل غاية همه في العبادة كالمسيحية ، إلى أن وصلوا إلى الفصل
بين الدين والدولة ، وفقد المسلمون ذلك السر الخطير الكامن في أصالة
عقيدتهم وجوهر دينهم ( 1 ) .
ويرى كثير من الباحثين أن الاستشراق تولد من الاستعمار
والتبشير .
فالاستعمار : يرى في المفهوم الاسلامي السليم ما يعطي المجتمع
الاسلامي قوة تحول بينه وبين سيطرة الاستعمار ، فعمل المستشرقون
على تقويض العقيدة الاسلامية ، وإحلال مفاهيم تحل الصداقة بين
الدول الغالبة والمغلوبة محلها ، تحت اسم : الحضارة ، أو العالمية ،
أو وحدة الثقافة والفكر البشري .
2019-02-06