الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 05

أساليب الغزو الفكري للعالم الاسلامي 05

وأما التبشير فإنه يستهدف الحيلولة دون توسع الاسلام وانتشاره ،
وعدم منافسته المسيحية في البلاد التي تحاول القيام بالتبشير ونشر
المسيحية فيها .
والخطر الأكبر في نظر المبشرين هو في وصول مفاهيم الاسلام
الصحيحة إلى عالم الغرب نفسه ، ومما يذكر أن المسلمين لما فتحوا
مدينة القسطنطينية – عاصمة الدولة الرومانية الشرقية ، وفيها مركز
البابوية للكنائس الشرقية – هب رجال الكنيسة وقد هالهم الخطب
العظيم ، فأخذوا في الافتراء والتشنيع على الاسلام وتشويه أحكامه
الإلهية العادلة ، وكان الدافع لهم في هذه الحملة الحيلولة بين رعاياهم
الذين أقبلوا على الدخول في دين الله أفواجا ، ليصدوهم عن الاسلام
الذي يبيح تعدد الزوجات والطلاق .
وجاءت الصهيونية فدخلت ميدان الاستشراق لتحول دون اجتماع
المسلمين في وحدة تقاوم اليهودية العالمية ، وتواجه دولة اليهود الباغية
( إسرائيل ) ، والمستشرقون اليهود يعملون في هذا المجال .
تطور الاستشراق
وفي مطلع القرن الثالث عشر الهجري ( أواخر القرن الثامن عشر
الميلادي ) عمد المستشرقون إلى تغيير أساليبهم وأرادوا أن يظهروا
بمظهر جديد هو ما زعموه من تحرير الاستشراق من الأغراض التبشيرية ،
والإتجاه به وجهة البحث العلمي البحت فأنشئت كليات لتدريس
اللغات الشرقية في عواصم أوروبا مثل لندن وباريس وليدن وبرلين
وبطرسبرج وغيرها ، وظهرت فيها أقسام خاصة لدراسة اللغة العربية
وبعض اللغات الاسلامية كالفارسية والتركية والأردية وكان الغرض
الأول منها تزويد السلطات الاستعمارية بخبراء في الشؤون الاسلامية ،
ثم أخذ الطلاب المسلمون يؤمون هذه الكليات الأوروبية للدراسة فيها ،
وبذلك تأثر الفكر الاسلامي بما يلقيه المستشرقون في أذهان هؤلاء
المبعوثين من أبناء المسلمين ثم تسلل المستشرقون إلى الدوائر
العلمية والجامعات في الدول الاسلامية ، بل إلى المجامع العلمية في
القاهرة ودمشق وبغداد ، وقامت المؤسسات الدينية والسياسية
على المستشرقين ، وتقديم المنح والمعونات لهم .
وقد أنشأت الدول الاستعمارية عدة مؤسسات في البلاد الاسلامية
التي خضعت لنفوذها لخدمة الاستشراق ظاهريا ، وكان هدفها الحقيقي
خدمة الاستعمار والتبشير الكاثوليكي والبروتستانتي ، من هذه
المؤسسات في مصر : المعهد الشرقي بدير الدومينيكان ، والمعهد الفرنسي ،
وندوة الكتاب ، ودار السلام ، والجامعة الأمريكية ، وفي لبنان :
جامعة القديس يوسف ( وهي جامعة بابويه كاثوليكية وتعرف الآن
بالجامعة اليسوعية ) والجامعة الأمريكية ببيروت ، ( وكانت تسمى من
قبل الكلية السورية الإنجيلية وهي بروتستنتية ) ، في سورية : مدارس
اللاييك ، والفريد ، ودار السلام ، وغيرها وهكذا في كل الأقطار
الاسلامية
أهداف المستشرقين
أولا : الحيلولة بين الشعوب النصرانية وبين الاسلام ، فقد عمل
المستشرقون على تشويه الاسلام وحجب محاسنه لإقناع قومهم بعدم
صلاحيته لهم نظام حياة ، ولعل هذا هو أخطر الجوانب التي قام لأجلها
الاستشراق والتبشير وذلك في أعقاب الحروب الصليبية وعودة المحاربين
إلى أوروبا ، يحملون صورة مشرقة لمعاملات المسلمين لهم وسماحة
الاسلام ، وقد عمد رجال الكنيسة إلى إخراس الألسنة المنصفة ،
وحاولوا ترجمة القرآن لتزييف مفاهيمه وانتقاصها . وقد استغل
الاستشراق كراهية الأوروبيين للاسلام بعد التوسع العثماني في أوروبا
وما صحبه من تعصب وحروب استمرت عدة قرون ، فعمل المستشرقون
على تعميق الكراهية والأحقاد في نفوس الأوروبيين وتغذيتها بالشبهات
والأباطيل بهدف حجب الاسلام عن أوروبا والحيلولة دون نفاذه إليها .
ثانيا : تأييد الغزو الإستعماري لبلاد المسلمين والعمل لتحطيم
المقاومة الاسلامية ، بتأويل الجهاد وصرف أنظار المسلمين إلى الدعة
والقعود عن الجهاد في سبيل الله ومدافعة الغزاة بالاشتغال بالعبادة
والزهد وتسميتها بالجهاد الأكبر وتحطيم وحدة المسلمين وتمزيق
الدول الاسلامية ، وعزل الشريعة الاسلامية عن التطبيق في المجتمع
الاسلامي وإحلال الأنظمة القانونية والاقتصادية والسياسية والتربوية
لتحل محل الاسلام بالقوة .
ثالثا : فصل المسلمين عن جذورهم الثابتة الأصيلة ، بتشويه
تلك الأصول ، وعزلها عن مصادرها ، وهدم المقومات الأساسية للكيان
الفردي والاجتماعي والنفسي والعقلي للمسلمين ، ومن شأن هذا أن
يفتح الباب إلى الاستسلام أمام الاستعمار وثقافته وفكره ، والتأثير
في نفوس المسلمين وزحزحة عقائدهم بما يفتح للتبشير المسيحي طريقا
إلى تحويل بعض ضعاف العقيدة إلى ملاحدة وأتباع ( 1 ) .
والخلاصة فقد كان المستشرقون طلائع للمبشرين يمهدون السبيل
أمامهم لتشكيك المسلمين في عقائدهم ، ويفتحون أمام دعاة النصرانية
السبيل للطعن في الاسلام ونبيه صلى الله عليه و ( آله ) بأنواع شتى من
الشعوذة العلمية باسم البحث والاستنتاج التحليلي .
تلاميذ المستشرقين
وتبدو خطورة الاستشراق في آثاره الخطيرة التي يفرضها
المستشرقون على مناهج التعليم والثقافة والفكر في العالم الاسلامي ،
ولقد حرص المستشرقون على كسب الأنصار واستخدام الأتباع لترديد
مفترياتهم على الاسلام ، وافتعال معارك حول عقائده وآدابه ومختلف
أحكامه لتعميق المفاهيم التي يريدون فرضها ، وترسيخها في الأذهان ،
وتوسيع دائرة الانتفاع بها .
ولقد كان طه حسين في مقدمة الذين أعلنوا الاعجاب والتقدير
لمناهج المستشرقين ، ويعتبر حامل لواء الدفاع عنهم وعن أهوائهم
وكثيرا ما يقول : إن هذه الحقيقة أو تلك في تاريخ المسلمين أن فكرهم
مما لا يرضى بها الاستشراق وهذا هو أسلوب لا يقوم عليه إلا واحد
من أهل التبعية ، حتى قال بعضهم : إن طه حسين ليس إلا مستشرقا
من أصل عربي وقد كانت أمانته للفكر العربي ولمذاهب الاستشراق
تفوق أمانة المستشرقين أنفسهم ، وهكذا كان متابعا لهم ، مقتنعا بما
يقولون إلى أبعد حدود الاقتناع ، حتى في تلك المسائل الخطيرة ، كقولهم
ببشرية الرسول ، وبشرية القرآن ، وكانت كتاباته توحي بذلك وإن لم
يعلنه جهارا ، بعد أن صودر كتابه ” في الشعر الجاهلي ” .
وأعجب ما في طه حسين ولاؤه الشديد لانطواء المسلمين تحت
لواء الغرب ، وانصهار الاسلام في بوتقة الأممية ، والمسيحية واليهودية
والغرب جميعا فهو لا يرى للعرب وللمسلمين سبيلا للنهضة إلا في
هذا الانصهار وهذا الاحتواء والذوبان ، وقد صرح بذلك في كتبه
وخاصة ما أورده في كتاب ” مستقبل الثقافة في مصر ” . فهو يرى أن
العرب قوم مستعمرون كالرومان والفرس .
ويظهر اتجاه طه حسين في حرصه على نشر الكتب التي تثير
الشبهات وفي مقدمتها ” رسائل إخوان الصفا ” ، وتجديد طبع
” ألف ليلة وليلة ” ، وعنايته بدراسة سير المجان من الشعراء في كتابه
” حديث الأربعاء ” وهو ثلاثة مجلدات وقد خرج من دراستهم
بشبهة مسمومة هي قوله : ( إن القرن الثاني للهجرة كان عصر شك
ومجون ” ، وقد اعتمد في بحثه على مصادر أساتذته من المستشرقين
اليهود ، وعلى ” أنساب الأشراف ” الذي طبع في الجامعة العبرية في
القدس – التي تحتلها إسرائيل – وجارى مستشرقي اليهود في إنكار
شخصية عبد الله بن سبأ ” ابن السوداء ” ، في الشك بوجود
إبراهيم وإسماعيل وأعلن أنه يشك في وجودهما بالرغم من الإشارة
إليهما في التوراة والقرآن ( 1 ) .
ومثل طه حسين في هذه التبعية للمستشرقين : سلامة موسى ،
وحسين فوزي ، وزكي نجيب محمود ، ومحمود عزمي ، وعلي عبد الرزاق
وغيرهم . وقد لقحت مناهج المستشرقين في البحث والنقد العلمي قرائح
كثير من تلاميذ المستشرقين فنهجوا نهجهم وأخذوا طريقهم فيما حاولوا
من دراسات ، وخاصة في مجال الجامعة والثقافة والصحافة ، وحملوا
نفس الروح التي يحملها أساتذتهم في خصومة الاسلام ، وكانوا أشد
قسوة على أهليهم من الغربيين ( 2 )

00

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...