الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 8

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 8

بيان معاوية إلى عماله :
روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب ” الأحداث “
قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة ! ! : ” أن برأت الذمة ممن
روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ” فقامت الخطباء في كل كورة ، وعلى كل
منبر ، يلعنون عليا ويبرأون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاء
حينئذ أهل الكوفة ، لكثرة من بها من شيعة علي ( عليه السلام ) فاستعمل عليها زياد بن سمية ،
وضم إليه البصرة ، فكان يتبع الشيعة وهو بهم عارف ، لأنه كان منهم أيام علي ( عليه السلام ) ،
فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ،
وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف
منهم .
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل
بيته شهادة . وكتب إليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل
ولايته ، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ،
واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم ، واسمه واسم أبيه وعشيرته .
ففعلوا ذلك ، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعثه إليهم معاوية
من الصلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر
ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجئ أحد مردود من
الناس عاملا من عمال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه
وشفعه . فلبثوا بذلك حينا .
ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه
وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة
والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا
وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحب إلى وأقر لعيني ، وأدحض لحجة
أبي تراب وشيعته ، وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله ! !
فقرأت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة
لا حقيقة لها ، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على
المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير
الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم
وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة
أنه يحب عليا وأهل بيته ، فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه . وشفع ذلك
بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم ، فنكلوا به ، واهدموا داره .
فلم يكن بلد أشد بلاء من العراق ، ولا سيما الكوفة ، حتى أن الرجل من شيعة
علي ( عليه السلام ) ليأتيه من يثق به ، فيدخل بيته فيلقي إليه سره ، ويخاف من خادمه
ومملوكه ، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه . فظهر حديث
كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان
أعظم الناس في ذلك بلية القراء والمراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع
والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويتقربوا من مجالسهم ،
ويصيبوا الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى
أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها ، وهم يظنون
أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ، ولا تدينوا بها .
وقال ابن أبي الحديد : فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ( عليه السلام )
فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه ، أو
طريد في الأرض .
ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) وولي عبد الملك بن مروان ، فاشتد على
الشيعة ، وولي عليهم الحجاج بن يوسف ، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح
والدين ببغض علي وموالاة أعدائه ، وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا
أعداؤه ، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم ، وأكثروا من الغض من
علي ( عليه السلام ) وعيبه ، والطعن فيه ، والشنآن له ، حتى أن إنسانا وقف للحجاج – ويقال
إنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب – فصاح به : أيها الأمير إن أهلي عقوني
فسموني عليا ، وإني فقير بائس ، وأنا إلى صلة الأمير محتاج . فتضاحك له
الحجاج ، وقال : للطف ما توسلت به ، قد وليتك موضع كذا .
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه – وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم – في
تأريخه ما يناسب هذا الخبر ، قال : إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل
الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف
بني هاشم ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...