الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية 8

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية 8

الشيعة في العصر العباسي
دار الزمان على بني أمية ، وقامت ثورات عنيفة ضدهم أثناء خلافتهم ، إلى أن
قضت على آخر ملوكهم ( مروان الحمار ) : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد
لله رب العالمين } ( 3 ) وامتطى ناصية الخلافة بعدهم العباسيون ، والذين تسربلوا
بشعار مظلومية أهل البيت للوصول إلى سدة الخلافة وإزاحة خصومهم الأمويين
عنها ، بيد أنهم ما أن استقر بهم المقام وثبتت لهم أركانه حتى انقلبوا كالوحوش
الكاسرة في محاربتهم للشيعة وتشريدهم وتقتيلهم ، فكانوا أسوأ من أسلافهم
الأمويين وأشد إجراما ، ولله در الشاعر حين قال :
والله ما فعلت أمية فيهم * معشار ما فعلت بنو العباس
1 – كان أول من تولى منهم أبو العباس السفاح ، بويع سنة ( 132 ه‍ ) ومات
سنة ( 136 ه‍ ) ، قضى وقته في تتبع الأمويين والقضاء عليهم ، وهو وإن لم يتعرض
للعلويين ، لكنه تنكر لهم ولشيعتهم ، بل وأوعز إلى الشعراء أن يتعرضوا لأولاد
علي وأهل بيته في محاولة مدروسة للنيل من منزلتهم وتسفيه الدعوة المطالبة
بإيكال أمر الخلافة الإسلامية إليهم . هذا محمد أحمد براق يقول في كتابه ” أبو
العباس السفاح ” : ” إن أصل الدعوة كان لآل علي ، لأن أهل خراسان كان هواهم
في آل علي لا آل العباس ، لذلك كان السفاح ومن جاء بعده مفتحة عينوهم لأهل
خراسان حتى لا يتفشى فيهم التشيع لآل علي . . . وكانوا يستجلبون الشعراء
ليمدحوهم ، فيقدمون لهم الجوائز ، وكان الشعراء يعرضون بأبناء علي وينفون عنهم
حق الخلافة ، لأنهم ينتسبون إلى النبي عن طريق ابنته فاطمة ، أما بنو العباس
فإنهم أبناء عمومة ” ( 1 ) .
2 – ثم جاء بعده أبو جعفر المنصور ، وبالرغم مما أثير حوله من منزلة ومكانة
وذكاء ، إلا أن في ذلك مجافاة عظيمة للحق وابتعادا كبيرا عن جادة الصواب ، نعم
حقا إن هذا الرجل قد ثبت أركان دولته وأقام لها أسسا قوية صلبة ، إلا أنه أسرف
كثيرا في الظلم والقسوة والإجرام بشكل ملفت للأنظار ، ويكفي للإلمام بجرائمه
وقسوته ما كتبه ابن عبد ربه في العقد الفريد عن ذلك حيث قال :
إن المنصور كان يجلس ويجلس إلى جانبه واعظا ، ثم تأتي الجلاوزة في أيديهم
السيوف يضربون أعناق الناس ، فإذا جرت الدماء حتى تصل إلى ثيابه ، يلتفت
إلى الواعظ ويقول : عظني فإذا ذكره الواعظ بالله ، أطرق المنصور كالمنكسر ثم يعود
الجلاوزة إلى ضرب الأعناق ، فإذا ما أصابت الدماء ثياب المنصور ثانيا قال
لواعظه : عظني ! ! ( 2 ) .
فماذا يا ترى يريد المنصور من قوله للواعظ : عظني ، وماذا يعني بإطراقه بعد
ذلك وسكوته ، هل يريد الاستهزاء بالدين الذي نهى عن قتل النفس وسفك
الدماء ، أو يريد شيئا آخر ؟ ! وليت شعري أين كان المؤرخون وأصحاب الكلمات
الصادقة المنصفة من هذه المواقف المخزية التي تقشعر لها الأبدان ، وهم يتحدثون
عن هذا الرجل الذي ما آلوا يشيدون بذكره ويمجدون بأعماله ، وهلا تأمل القراء في
سيرة هذا الرجل ليدركوا ذلك الخطأ الكبير .
بلى إن هذا الرجل أسرف في القتل كثيرا ، وكان للعلويين النصيب الأكبر ،
وحصة الأسد من هذا الظلم الكبير .
يقول المسعودي : جمع المنصور أبناء الحسن ، وأمر بجعل القيود والسلاسل في
أرجلهم وأعناقهم ، وحملهم في محامل مكشوفة وبغير وطاء ، تماما كما فعل يزيد بن
معاوية بعيال الحسين . ثم أودعهم مكانا تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من
النهار ، وأشكلت أوقات الصلاة عليهم ، فجزأوا القرآن خمسة أجزاء ، فكانوا
يصلون على فراغ كل واحد من حزبه ، وكانوا يقضون الحاجة الضرورية في
مواضعهم ، فاشتدت عليهم الرائحة ، وتورمت أجسادهم ، ولا يزال الورم يصعد
من القدم حتى يبلغ الفؤاد ، فيموت صاحبه مرضا وعطشا وجوعا ( 1 ) .
وقال ابن الأثير : دعا المنصور محمد بن عبد الله العثماني ، وكان أخا لأبناء
الحسن من أمهم ، فأمر بشق ثيابه حتى بانت عورته ، ثم ضرب مائة وخمسون
سوطا ، فأصاب سوط منها وجهه فقال : ويحك أكفف عن وجهي ، فقال المنصور
للجلاد : الرأس الرأس ، فضربه على رأسه ثلاثين سوطا ، وأصاب إحدى عينيه
فسالت على وجهه ، ثم قتله – ثم ذكر – : وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن
الحسن ، وكان أحس الناس صورة ، فقال له : أنت الديباج الأصفر ، لأقتلنك قتلة
لم أقتلها أحدا ، ثم أمر به ، فبني عليه أسطوانة وهو حي ، فمات فيها ( 1 ) .
3 – ثم ولي بعده المهدي ولد المنصور ، وبقي في الحكم من سنة ( 158 ه‍ ) إلى سنة
( 169 ه‍ ) وكفى في الإشارة إلى ظلمه للعلويين ، أنه أخذ علي بن العباس بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب ، فسجنه فدس إليه السم فتفسخ لحمه وتباينت أعضاؤه .
4 – ولما هلك المهدي بويع ولده الهادي ، وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر ،
سار فيها على سيرة من سبقه في ظلم العلويين والتضييق عليهم ، وكفى في الإشارة
إلى ذلك ما ذكره أبو الفرج الإصبهاني في مقاتل الطالبيين حيث قال :
إن أم الحسين صاحب فخ هي زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب ، قتل المنصور أباها وأخوتها وعمومتها وزوجها علي بن
الحسن ، ثم قتل الهادي حفيد المنصور ابنها الحسين ، وكانت تلبس المسوح على
جسدها ، لا تجعل بينها وبينه شيئا حتى لحقت بالله عز وجل ( 2 ) .
5 – ثم تولى بعده الرشيد سنة ( 170 ه‍ ) ومات ( 193 ه‍ ) وكان له سجل أسود
في تعامله مع الشيعة تبلورت أوضح صوره فيما لاقاه منه الإمام موسى بن جعفر
الكاظم ( عليه السلام ) ، وهو ما سنذكره لاحقا إن شاء الله تعالى ، وإليك واحدة من تلك
الأفعال الدامية التي سجلها له التأريخ ورواها الإصبهاني عن إبراهيم بن رباح ،
قال : إن الرشيد حين ظفر بيحيى بن عبد الله بن الحسن ، بنى عليه أسطوانة وهو
حي ، وكان هذا العمل الإجرامي موروثا من جده المنصور ( 3 ) .
6 – ثم جاء بعده ابنه الأمين ، فتولى الحكم أربع سنين وأشهرا ، يقول
أبو الفرج : كانت سيرة الأمين في أمر آل أبي طالب خلاف من تقدم لتشاغله بما كان
فيه من اللهو ثم الحرب بينه وبين المأمون ، حتى قتل فلم يحدث على أحد منهم في
أيامه حدث .
7 – وتولى الحكم بعده المأمون ، وكان من أقوى الحكام العباسيين بعد أبيه
الرشيد . فلما رأى المأمون إقبال الناس على العلويين وعلى رأسهم الإمام الرضا ،
ألقى عليه القبض بحيلة الدعوة إلى بلاطه ، ثم دس إليه السم فقتله .
8 – مات المأمون سنة ( 210 ه‍ ) وجاء إلى الحكم ابنه المعتصم فسجن محمد بن
القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إلا أنه استطاع
الفرار من سجنه .
9 – ثم تولى الحكم بعده الواثق الذي قام بسجن الإمام محمد بن علي الجواد ( عليه السلام )
ودس له السم بيد زوجته الأثيمة أم الفضل بنت المأمون .
10 – وولي الحكم بعد الواثق المتوكل ، وإليك نموذجا من حقده على آل البيت
وهو ما ذكره أبو الفرج قال : كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظا
في جماعتهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظن والتهمة لهم . واتفق له أن
عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسئ الرأي فيهم ، فحسن له القبيح في
معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ، وكان من ذلك أن
كرب ( 1 ) قبر الحسين وعفى آثاره ، ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون
أحدا زاره إلا أتوه به وقتله أو أنهكه عقوبة .
وقال : بعث برجل من أصحابه ( يقال له الديزج وكان يهوديا فأسلم ) إلى قبر
الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب ما حوله ، فمضى ذلك فخرب ما حوله ،
وهدم البناء وكرب ما حوله مائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد ،
فأحضر قوما من اليهود فكربوه ، وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالح ، بين كل
مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه .
وقال أيضا : حدثني محمد بن الحسين الأشناني : بعد عهدي بالزيارة في تلك
الأيام ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطارين على
ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضرية ،
وخرجنا نصف الليل ، فصرنا بين مسلحتين ، وقد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي
علينا ، فجعلنا نشمه ( نتسمه خ ل ) ونتحرى جهته حتى أتيناه ، وقد قلع الصندوق
الذي كان حواليه ، وأحرق وأجري الماء عليه ، فانخسف موضع اللبن وصار
كالخندق ، فزرناه وأكببنا عليه – إلى أن قال : – فودعناه وجعلنا حول القبر
علامات في عدة مواضع ، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين
والشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه .
وقال أيضا : واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج ، فمنع آل أبي طالب
من التعرض لمسألة الناس ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحدا أبر
أحدا منهم بشئ وإن قل إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرما ، حتى كان القميص يكون
بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على
مغازلهن عواري حواسر ، إلى أن قتل المتوكل فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم
بمال فرقه بينهم ، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه ( 1 ) .
11 – وولي بعده المنتصر ابنه ، وظهر منه الميل إلى أهل البيت وخالف أباه – كما
عرفت – فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه فيما بلغنا .
وأول ما أحدثه انه لما ولي الخلافة عزل صالح بن علي عن المدينة ، وبعث
علي بن الحسين مكانه فقال له – عند الموادعة – : يا علي إني أوجهك إلى لحمي
ودمي فانظر كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم – يعني آل أبي طالب – فقلت :
أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين – أيده الله – فيهم ، إن شاء الله . قال : إذا تسعد
بذلك عندي ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الجاهل القاصر والجاهل المقصر

الجاهل القاصر والجاهل المقصر الجاهل القاصر: هو الذي يعتقد جازما أن هذا الفعل الذي يفعله ...