الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 9

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 9

فالرسالة المحمدية التي مثلت وجود الرسول ، كانت في العصر الذي كادت
الأيدي الأموية الأثيمة أن تقضي على وجودها ، قد عادت من الحسين ولذلك
قال صلى الله عليه وآله وسلم : . . . وأنا من حسين .
ولم تقف تصريحات الرسول في الحسين عند هذا الحد ، بل هناك نصوص
أخر تكشف أبعادا عميقة في العلاقة بين الحسين وجده ، وتبتني على أسس ثابتة
للاهتمام البالغ من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بسبطيه الحسن والحسين .
فمما قال فيهما :
فمما قال فيهما : [ 58 – 60 ] : الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ( 1 ) .
حتى كنى أباهما عليا : أبا الريحانتين ، وقال له
[ 159 – 160 ] : سلام عليك ، أبا أوصيك
بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهد ركناك ، والله خليفتي
عليك ( 2 ) .
فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال علي عليه السلام : هذا أحد
الركنين .
فلما ماتت فاطمة عليها السلام ، قال عليه السلام : هذا أحد الركن الآخر
. فبقي الحسنان نعم السلوة لعلي بعد أخيه الرسول وبعد الزهراء فاطمة
البتول ، يستر عليه السلام بالنظر إليهما ، ويتمتع بشبههما بالرسول ، ويشمهما ،
كما كانا الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ريحانتيه ، ويقول لفاطمة
[ 124 ] : ادعي لي بابني ” فيشمهما ويضمهما ( 3 ) .
والحديث المشهور عنه صلى الله عليه وآله وسلم :
[ 62 – 82 ] الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة ( 44 ) ( 4 )
الذي رواه من الصحابة : أبوهما علي عليه السلام ، والحسين نفسه ، وابن
وابن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وابن عمر ، وابن مسعود ، ومالك بن الحويرث ،
وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك .
ونجد في بعض ألفاظ الحديث تكملة هامة حيث قال الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم :
[ 69 و 71 ] . . . وأبوهما خير منهما ( 1 )
وإذا كانت الجنة هي مأوى أهل الخير ، وقد حتمها الله للحسنين ، وخصهما
بالسيادة فيها ، فما أعظم شأن من هو خير منهما ، وهو أبوهما علي عليه السلام .
لكن إذا كان الحديث عن الحسنين ، فما لأبيهما يذكر هاهنا ؟
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتصل بالوحي ، والعالم من خلاله بما
سيحدثه أعداء الإسلام ، في فترات مظلمة من تاريخه ، من تشويه لسمعة الإمام
علي عليه السلام ، مع ما له من شرف نسبه ، وصهره من رسول الله ، وأبوته
للحسن والحسين
فإنهم لم يتمكنوا من تمرير مؤامراتهم على الناس ، إلا بالفصل بين السبطين
الحسنين فيفضلونهما ، وبين علي فيضللونه ! !
لكن الرسول ، يوم أعلن عن مصير الحسنين ، ومأواهما في الجنة ،
وسيادتهما فيها ، أضاف جملة : وأبوهما خير منهما ، مؤكدا على أن الذين
ينتمون إلى دين الإسلام ، ويقدسون الرسول وحديثه وسنته ، ويحاولون أن
يحترموا آل الرسول ، وسبطيه ، لكونهما سيدي شباب أهل الجنة ، ولأنهما من
قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، متجاوزين عليا تبعا لما أملت عليهم
سياسة الطغاة البغاة من تعاليم . .
إن هؤلاء على غير هدي الرسول ! !
إذ مهما يكن للحسن والحسين من
مؤهلات اكتسبا بها سيادة الجنة ، أوضحها انتماؤهما إلى الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم ، فهما سبطاه من ابنته الزهراء فاطمة ، فأبوهما علي اكتسبه بأنه ابن
عمه نسبا ، وربيبه طفلا ، ونفسه نصا ، وصهره سببا ، وهو زوج الزهراء فاطمة ،
وهو خير منهما لفضله في السبق والجهاد ، وكل الذاتيات التي منه أخذاها ، والتي
جعلته أخا وخليفة للنبي ، وكفؤ للزهراء ، وأبا للحسنين ، وإماما للمسلمين .
ومع وضوح هذا التصريح النبوي الشريف ، فإن التعتيم المضلل الذي كثفه
بنو أمية ، فملأوا به أجواء البيئات الإسلامية منع من انصياع الأمة لفضل علي عليه
السلام ، فهاهم يفضلون الحسين وأمه ، ويحاولون غمط فضل علي ، وفصله
عنهما : ففي الحديث ، قال مولى لحذيفة :
[ 202 ] كان الحسين آخذا بذراعي في أيام الموسم ،
ورجل خلفنا يقول : اللهم اغفر له ولأمه . فأطال ذلك .
فترك الحسين عليه السلام ذراعي ، وأقبل عليه ، فقال : قد
آذيتنا منذ اليوم
تستغفر لي ، ولأمي ، وتترك أبي
وأبي خير مني ، ومن أمي ! !
12 – الحسين والبكاء
روى ابن عساكر بسنده قال :
[ 170 ] خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بيت عائشة
فمر ببيت فاطمة ، فسمع حسينا يبكي ،
فقال : ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ( 1 ) .
[ 319 ] وقال صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه : لا تبكوا
هذا الصبي – يعني حسينا – ( 2 ) .
ولماذا يؤذيه بكاء هذا الطفل بالخصوص ؟ وكل طفل لا بد أن يبكي ، وإذا
كان إنسان رقيق العاطفة ، فلا بد أن يتأذى من بكاء كل طفل ، أي طفل كان ، فلماذا
يذكر النبي العطوف ، الحسين خاصة ؟ لكن القضية التي جاءت في الحديث لا
تتحدث عن هذه العاطفة ، وإنما تشير إلى معنى آخر .
فبكاء الحسين ، يؤذي النبي لأنه يذكره بحزن عظيم سوف يلقاه هذا الطفل ،
تبكي له العيون المؤمنة وتحزن له القلوب المستودعة حبه ،
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتأذى من صوت بكاء هذا الطفل
وهو في بيت أبويه ، فكيف به إذا وقف عليه يوم عاشوراء في صحراء كربلاء وقد
كظه الظمأ ، يطلب جرعة من الماء ؟
وإذا كانت دمعة الحسين تعز على رسول الله أن تجري على خده فكيف
بدمه الطاهر حين يراق على الأرض ؟إن أمثال هذا الحديث رموز تشير إلى الغيب ، وإلى معان أبعد من مجرد
العاطفة وأرق .
والأذى الذي يذكره النبي ، أعمق من مجرد الوجع وأدق .
وللبكاء في سيرة الحسين منذ ولادته بل وقبلها ، وحتى شهادته بل وبعدها ،
مكانة متميزة .
فقد بكته الأنبياء كلهم حتى جده الرسول قبل أن يولد الحسين ، وبكاه أهل
البيت بما فيهم جده الرسول يوم الولادة ، وبكاه أهله وأصحابه يوم مقتله ، وبكى
هو أيضا على مصابه . وبعد مقتله بكاه كل من سمع بنبأ شهادته : أمهات
المؤمنين ، والصحابة المؤمنون .
وبكاه الأئمة المعصومون ، ومن تبعهم ، مدى القرون حتى جاء في رواية
عن الحسين عليه السلام نفسه أنه قال : أنا قتيل العبرة ، ما ذكرني مؤمن إلا
وبكى . وعبر عنه بعض الأئمة بعبرة كل مؤمن .
ولقد تحدثت عن مجموع النصوص الواردة في البكاء على مصيبة
الحسين ، في بعض الحسينيات التي ألفتها ( 1 ) .

شاهد أيضاً

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ]

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ] إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: القضية الأساسية في ...