الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 16

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 16

وأما الفضل :
فلا يرتاب مسلم بأن آل محمد أشرف بني هاشم ، وأن بني هاشم أشرف
قريش ، وأن قريشا أشرف العرب ، وآل محمد ، أعرق بني هاشم نسبا ، وأطهرهم
رحما ، وأكرمهم حسبا ، وأوفاهم ذمما ، وأحمدهم فعلا ، وأنزههم ثوبا ، وأتقاهم
عملا ، وأرفعهم همما .
وقد أقر لهم العدو والصديق بالشرف والفضل والكرم والمجد ( 1 ) .
فهذا عمرو بن العاص – الداهية النكراء الذي حارب آل محمد جهارا عن علم
وعمد ، وبكل صلافة وحقد ، زاعما أنه يستغل الظروف المؤاتية لصالح دنياه
القصيرة – يعلن عن بعض الحقيقة ، عندما يستظل بالكعبة ، التي كان يعبد أصنامها
من قبل ، فجاء جد الحسين ليشرفه وقومه بعبادة الله ، ويطهر الكعبة من رجس
الأصنام والأزلام .
وبالرغم من أن ابن النابغة ، نبغ في محاربة كل القيم التي جاء بها الإسلام ،
وعارض كل الذين وقفوا مدافعين عن تلك القيم ، وكانت لهم فضيلة التشرف
بها ، وجد بكل دهاء ومكر وحيلة يملكها ، فنفث في الأمة روح الجاهلية ليعيد
مجدها ، ونابذ عليا والحسن والحسين عليهم السلام بكل الطرق ، ووقف في
وجه العدالة سنين طوالا .
لكنه اليوم ، يجد الكعبة وبناءها الرفيع الشامخ ، تزخر بالعظمة الإسلامية ،
طاهرة من أوثان الجاهلية وأرجاسها ، فلا يجد بدا من الاعتراف وبينما هو كذلك ،
إذ رأى الحسين ابن ذلك الرسول ، فلم يملك أيضا إلا الاعتراف ، فقال
[ 190 ] : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، اليوم .
ومعاوية ، أخوه الضليل ، يخنع لهذه الحقيقة ، يوم دخل الحسن والحسين
عليه ، فأمر لهما بمأتي ألف درهم ، وقال متبجحا : خذاها وأنا ابن هند ، ما أعطاها
أحد قبلي ، ولا يعطيها أحد بعدي
وكأن معاوية استغل سياسة الإمام الحسن عليه السلام المبتنية على عدم
مجابهته بالأجوبة ، حتى وصف بأنه كان : سكيتا ، ولكن الحسين ، وهو يسير
على خط إمامه الحسن عليه السلام ولا يخرج عن طوع إرادته – يعطي الموقف
حقه ، ويدمغ معاوية بالحقيقة الصارخة ، ويقول :
[ 5 ] والله ، ما أعطى أحد قبلك ، ولا أحد بعدك لرجلين أشرف ولا أفضل منا ( 1 )
فأفحم معاوية ، ولم يحر جوابا .
وأما الآخرون :
فالمؤمنون يتشرفون بآل محمد ، كابن عباس حبر الأمة ، وتلميذ أمير
المؤمنين عليه السلام ، فهو قرين الحسنين في التربية في هذا البيت الطاهر ، بيت
الرسالة ، والإمامة ، رفيع العماد ، وبالرغم من تقدمه في السن على الحسنين ، فهو
لمعرفته بفضلهما ، وجلالتهما ، وشرفهما على قومهما ، لا يقصر في إظهار ما
يعرف ، وإبراز ما يجب القيام به تجاههما من الحرمة والكرامة ، في ما قال الراوي
[ 188 ] : رأيت ابن عباس ، آخذا بركاب الحسن والحسين .
فقيل له : أتأخذ بركابهما وأنت أسن منهما ؟
فقال : إن هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
أوليس من سعادتي أن آخذ بركابيهما ؟ ( 1 ) .
بلى ، إنها من نعم الله الكبرى ، ومن السعادة العظمى ، أن يتشرف الإنسان
بخدمة أشرف الخلق وأفضلهم ، وخاصة في تلك الظروف السياسية الحرجة وأن
يقدم بذلك خدمة للأمة فيعرفها بفضل أهل البيت عليهم السلام .
وحتى أبو هريرة :
الذي التقى بالنبي في أواخر سني حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، فأسلم في
السنة السابعة للهجرة ، ملازما الصفة الشريفة بباب المسجد على شبع بطنه ، فلا بد
أنه كان يرى الحسين يروح ويغدو ، بين بيت أمه الزهراء وجده الرسول ،
ويصحب جده في رواحه إلى المحراب ، وعلى ظهر المنبر ، وغدوه منهما .
هذا الذي ادعى ملازمة الرسول أكثر من أصحابه الذين شغلهم الصفق
بالأسواق ، وانفضوا إلى التجارات ، فكان لذلك أكثرهم حديثا – بزعمه – على
الإطلاق ، حتى اتخذ لنفسه
موقعا رفيعا في نفوس من صدقه من الناس ، على
الرغم ممن كذبه من كبار الصحابة وزوجات النبي ، كعلي عليه السلام ، وعمر ،
وعائشة ( 2 ) .
فهو إذن – حسب زعمه – يعلم من الحسين عليه السلام وفضائله أكثر مما
يعرفه غيره ، لكنه يبيت من أمر إعلانها وروايتها على خطرين :
فكيف يظهرها ، في دولة بني أمية – وهو يرتع في مراعيهم ، ويطمع في برهم
ويقصع من مضيرتهم ؟
وكيف يتغافل عنها ، وله دعاو طويلة عريضة في سماع الحديث الكثير عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والاتصال به باستمرار ؟
وإذا اضطر إلى إبراز شئ فهو يعتمد على الإجمال .
اقرأ معي هذه الصورة من مواقف أبي هريرة
[ 191 ] : . . . أعيى الحسين فقعد في الطريق ، فجعل أبو هريرة
ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين : يا أبا هريرة ، وأنت تفعل هذا ؟
قال أبو هريرة : دعني ، فوالله ، لو يعلم الناس منك ما أعلم ، لحملوك على رقابهم ( 1 ) .
لكن ، لماذا قصر أبو هريرة في تعليم الناس بعض ما يعلم عن الحسين ؟
فلو كان يعلمهم لم يكن الجهل يؤدي بالناس إلى أن يحملوا رأس الحسين
على رؤوس الرماح ، ولا أن يطؤوا جسده بخيولهم ، بدل أن يحملوه على
رقابهم ؟ ! أليس هذا غدر بأمة الإسلام ، وإماتة للسنة التي كان أبو هريرة
ينوء بدعوى حملها ؟ !
وأما القيادة :
فقد اتفقت كلمة مؤرخي الإسلام فكريا وسياسيا ، على أن الإمام الحسين عليه
السلام قد أدى دورا عظيما في فترة إمامته ، وأنه بمواقفه كان المانع الوحيد عن
انهيار الإسلام وقواعده ، على أيدي بني أمية وعمالهم ، وأنه بقيادته الحكيمة
للإسلام في تلك الفترة ، وبتضحيته العظيمة في كربلاء ، كان الصد الأساسي من
العودة إلى الجاهلية الأولى .
فالحسين عليه السلام قد أحيى الإسلام بمواقفه قبل كربلاء ، وفي كربلاء ،
واستمرت آثار حركته إلى الأبد ، وبذلك تحقق مصداق قول الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم : حسين مني وأنا من حسين ، كما شرحناه في الفقرة [ 11 ] السابقة .
أما عن صلابة الحسين عليه السلام ، وإقدامه في نصرة الحق خارج إطار
كربلاء فقد مر بنا موقفه من عمر في الفصل [ 17 ] وسنقف على مواقفه من معاوية
في الفصل [ 25 ] .
وأما حديث كربلاء وبطولاتها ، وأشجانها فقد عقدنا له الباب الثالث التالي ،
بفصوله المروعة .
21 – البركة والإعجاز
من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم المذكورة في سيرته ، أنه تفل
في بئر قد جفت ، فكثر ماؤها وعذب وأمهى ، وأمرى ، وهذا المعجز من بركة نبي
الرحمة للعالمين قليل من كثير ، وغيض من فيض .
والحسين عليه السلام ابن ذلك النبي ، وبضعة منه ، وعصارة من وجوده ،
والسائر على دربه ، والساعي في إحياء رسالته ، فهو يمثل في عصره جده الرسول
جسديا ، ويمثل رسالته هديا ، فلا غرو أن يكون له مثل ما كان لجده من الإعجاز ،
وهو سائر في طريقه إلى الشهادة والتضحية من أجل الإسلام ، ليفعل ما لم يفعله
أحد من قبله .
والإمامة – عندنا نحن الشيعة الإمامية – تشترك مع النبوة في كل شئ إلا أن
النبوة تختص بالوحي المباشر ، وبالشريعة المستقلة ، أما الثبوت بالنص ، والأهداف ،
والوسائل ، والغايات ، فهما لا يفترقان في شئ من ذلك .
بل الإمامة امتداد أرضي للرسالة السماوية ، فلا غرو أن يمد الله الإمام بما يمد
النبي من القدرة على الخوارق التي لا يستطيعها البشر .
أليس الهدف من الإعجاز إقناع الناس بالحق الذي جاء به الأنبياء ؟ فإذا كان
ما يدعو إليه الأئمة هو عين ما يدعو إليه الأنبياء ، فأي بعد في دعم هؤلاء بما دعم
به أولئك ؟ من دون تقصير في حق أولئك ، ولا مغالاة في قدر هؤلاء ؟
ومهما كان ، فإن الحسين عليه السلام لما خرج من المدينة يريد مكة مر بابن
مطيع ، وهو يحفر بئره ، وجرى بينهما حديث عن مسير الإمام ، وجاء في نهايته
[ 201 ] : قال ابن مطيع : إن بئري هذه قد رشحتها ، وهذا
اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شئ من الماء ، فلو دعوت
الله لنا فيها بالبركة .
قال الحسين عليه السلام : هات من مائها . فأتي من مائها في الدلو ،
فشرب منه ، ثم تمضمض ، ثم رده في البئر ، فأعذب ،
وأمهى ( 1 ) .
وهذا من الحسين عليه السلام – أيضا – غيض من فيض ، وهو معدن الكرم والفيض . إلا أن
حديث الماء ، والحسين في طريقه إلى كربلاء ، فيه عبرة ، تستدر العبرة :
فهل هي إشارات غيبية إلى أن الحسين سيواجه المنع من الماء ، وسيقتل
عطشا ، وهو منبع البركة ، من فيض فمه يعذب الماء وينفجر ينبوعه ؟ !
وهل كان ذلك يخطر على بال ؟ !
لكن ذكر العطش والبحث عن الماء ، له شأن آخر في حديث كربلاء !

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...