الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 25

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 25

وأما نوعية أنصار الحسين ، كيفا :
فقد مثلوا كل شرائح المجتمع البارزة ، ذلك اليوم ، بالإضافة إلى عينة الأمة
أهل البيت .
ففيهم من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : أنس بن الحارث بن
نبيه الأسدي ، الكوفي .
وهو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قوله :
[ 283 ] إن ابني هذا – يعني الحسين – يقتل بأرض يقال
لها : كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره
قالوا : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، وقتل بها مع
الحسين .
لكن حديث النبي وإخباره عن مقتل ابنه في كربلاء ، لم ينحصر سماعه بهذا
الصحابي العظيم .
فأين كان سائر الصحابة الذين عاصروا معركة كربلاء ؟
ولماذا لم يحضروا ، ولم ينصروا ؟
إن وجود العدة القليلة من الصحابة الكرام في معركة كربلاء كاف لتمثيل جيل
الصحابة الذين كانت لهم عند الناس حرمة وكرامة بصحبة رسول الله ، وقد تمت
بوجودهم الحجة ، إذ يمثلون الاستمرار العيني لوجود سنة الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم وحديثه وأمره ، في جانب الحسين عليه السلام .
وكان مع الحسين من أصحاب الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام : عمار
ابن أبي سلامة بن عبد الله الهمداني ، الدالاني ، وغيره ، ممن شاهدوا عليا وهو
يواسي الحسين في هذه الأرض بنداءاته المدوية في فضائه : صبرا أبا عبد الله !
وكانوا يمثلون بحضورهم وجود علي عليه السلام وصرخاته وتشجيعاته
للحسين وأصحابه .
وقد اشترك في معركة كربلاء إلى جانب الحسين عليه السلام أناس كانوا قبل
قليل من أعدائه ، كالحر بن يزيد الرياحي .
وكان فيهم ممن يكن أبلغ الحقد والعداء للإمام ، ومن المحكمة الخوارج ،
فانحازوا إلى الإمام لما سمعوا منه الحق ، وشاهدوا ما عليه من المظلومية ، وما كان
عليه أعداؤه من الباطل والقساوة والتجاوز .
وحتى كان في جيش الحسين عليه السلام ، ذي العدد الضئيل ، جنود
مجهولون ، لم تحر كهم إلا أنباء كربلاء ، التي بلغتهم ، فبلغت
إلى عقولهم ، وبلغت بهم قمم الشهادة ، فالخلود .
[ 269 ] قال العربان بن الهيثم : كان أبي يتبدى ( 1 ) فينزل
قريبا من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين ، فكنا لا نبدو إلا
وجدنا رجلا من بني أسد هناك ، فقال له أبي : أراك
ملازما هذا المكان ؟
قال : بلغني أن حسينا يقتل هاهنا ، فأنا أخرج إلى هذا
المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه
قال الراوي : فلما قتل الحسين ، قال أبي : انطلقوا ننظر ، هل
الأسدي في من قتل ؟
فأتينا المعركة ، وطوفنا ، فإذا الأسدي مقتول ( 2 )
ولئن خان الجيش الكوفي بعهوده ، واستهتر برسائله وكتبه ووعوده ، لكن
أصحاب الحسين عليه السلام – على قلة العدد – ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء ،
والفداء ، وكانوا أكبر من جيش الكوفة في الشجاعة والبطولة والإقدام ، وقد مجد
الإمام الحسين عليه السلام بموقفهم العظيم في كلماته وخطبه في يوم
عاشوراء
أما هم ، فكانوا يقفون ذلك الموقف عن بصائر نافذة ، وعن خبرة وعلم
اليقين بالمصير ، ولقد أصبح إيثارهم بأرواحهم لسيدهم الإمام الحسين عليه
السلام عين اليقين ، للتاريخ ، ومضرب الأمثال للأجيال .
ومثال واحد ذكره ابن عساكر عن محمد بن بشير الحضرمي الذي لازم
الحسين وكان معه في كربلاء :
[ 200 ] إذ جاءه نبأ ابنه أنه أسر بثغر الري ، فقال : عند الله
أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر ، ولا أن أبقى بعده .
فسمع الحسين كلامه ، فقال له : رحمك الله ، وأنت في حل من بيعتي ، فاعمل في
فكاك ابنك ! قال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك !
فقال له الحسين : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود ، يستعن
بها في فداء أخيه .
فأعطاه خمسة أثواب ، قيمتها ألف دينار ( 1 )
إن الكلمة لتقصر عن التعبير في وصف موقف هؤلاء ، كما أن الذهن ليعجز
عن تصوير ما في قلوبهم من الود والإخلاص لإمامهم .
إلا بتكرار عباراتهم نفسها
وبهذه النفوس الكبيرة ، والعقول البالغة الرشيدة ، والقلوب المليئة بالولاء ،
والمفعمة بالإخلاص ، وعلم اليقين بالموقف والمصير ، وبالشجاعة والجرأة
والبطولة النادرة والثبات على الطريق ، دخل الحسين عليه السلام معركته الفاصلة
في كربلاء .
30 – يوم عاشوراء
[ ص 207 ] ولما خرج الحسين ، وبلغ يزيد خروجه كتب
إلى عبيد الله بن زياد عامله على العراق يأمره بمحاربته
وحمله إليه إن ظفر به ، فوجه اللعين عبيد الله الجيش إلى
الحسين عليه السلام مع عمر بن سعد .
وعدل الحسين إلى كربلاء ، فلقيه عمر هناك ، فاقتتلوا ، فقتل
الحسين رضوان الله عليه ورحمته وبركاته ، ولعنة الله على
قاتليه .
وكان قتله في العاشر من المحرم سنة إحدى وستين ، يوم
عاشوراء ( 1 )
وهو يوم في تاريخ المسلمين عظيم ، وهو على آل الرسول أليم .
أما عظمته ، فهي من أجل اقترانه بالحسين عليه السلام ، ذلك الإمام العظيم
الذي مثل الرسول في شخصه ، لكونه سبطه الوحيد ذلك اليوم ، ولكونه كبير أهل
بيته ، وخامس أهل الكساء المطهرين من عترته ، والذي مثل الرسالة في علمها
وسموها وخلودها .
فكانت معركة عاشوراء معركة الإيمان الذي تمثل في الحسين عليه السلام ،
والكفر الذي حاربه ، ومعركة الحق الذي تجسد في الحسين عليه السلام ،
والباطل الذي قاومه ، ويعني ذلك أنه قد تكررت في هذا اليوم معارك الأنبياء
ومشاهد الصالحين ، عبر التاريخ ، وبخاصة مغازي النبي محمد صلى الله عليه
وآله وسلم في بدر وأحد والأحزاب وغيرها ، ومشاهد علي عليه السلام في
الجمل وصفين والنهروان .
فكل الأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين ، والشهداء والمجاهدين ،
يشتركون بأهدافهم وآمالهم وبدمائهم ، وتشخص أعينهم على نتائج المعركة في
عاشوراء .
وكل جهود الكفر والنفاق والفجور والفسق والرذيلة والخيانة ، والجهل
والغرور والإلحاد ، تركزت في جيش بني أمية ، تحاول أن تنتقم لكل تاريخها
الأسود ، من هذه الكوكبة التي تدور حول الحسين عليه السلام ، يريدون
ليطفئوا نور الله بسيوفهم وأسنة رماحهم !
وأما ألم عاشوراء ، الذي أقرح جفون أهل البيت ، وأسبل دموعهم ،
وأورثهم حزنا ، فهو من التوحش الذي أبداه الأعداء مع تلك الأبدان الطاهرة
ومن الظلم الذي جرى على ممثل الرسول والرسالة ، في وضح النهار المضيئ ،
وأمام أعين الأمة المدعية للإسلام ، من دون نكير ، بل استهلوا فرحا بالتهليل
والتكبير
وما أفظع الظلم والقهر والألم بأن يعتدى على ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، وعلى يد أمته ، من المسلمين كما يتظاهرون ، ومن العرب كما
يزعمون ، وبأمر من الخلفاء والولاة كما يدعون !
إنها الردة الحقيقية ، لا عن الإسلام فحسب ، بل عن كل دين مزعوم ، وعن
كل معنى والتزام إنساني ، أو قومي ، أو وطني ، أو انتماء طائفي ، أو تبعية ، أو أي
معنى آخر معقول .
بل ليس ما جرى في يوم عاشوراء قابلا للتفسير إلا على أساس الجاهلية ،
والعمى ، والغباء ، والغرور ، والغطرسة ، والحماقة ، وحب سفك الدم الطاهر ،
وروح الاعتداء والانتقام ، والرذالة ، والخسة ، والعناد للحق الظاهر ، وركوب
الرأس ، والعنجهية ، وخسران الدنيا والآخرة .
فحقا كانت معركة عاشوراء ، معركة الفضيلة كلها ضد الرذيلة كلها .
لكن لم ينته الظلم على آل محمد بانتهاء عاشوراء ، بل امتد مدى التاريخ
الظالم ، على يد حكامه ، وعلى يد كتابه ، وعلى يد الأشرار الذين ناصبوا آل
محمد العداء والبغض والكراهية ، وورثوا كل ذلك من أسلافهم ، الذين صنعوا
مأساة عاشوراء .
أليس من الظلم البين والخيانة المفضوحة أن يفصل يوم عاشوراء
ومجرياته التاريخية ، عن تاريخ الإمام الحسين عليه السلام ؟
هذا الذي وقع – فعلا – في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر
ونحن نربؤ بابن عساكر
نفسه ، ذلك المؤرخ الشهير ، أن يكون قد أغفل ذكر
أحداث كربلاء ويوم عاشوراء بالذات ، عن تاريخه الكبير ، إذ لا يخفى عليه أن
تاريخ الحسين عليه السلام إنما يتركز في عاشوراء ، ويعلم أن مثل ذلك العمل
سيؤدي إلى أن ينتقد بلا ريب من قبل المؤرخين ، والفضلاء ، والنبلاء .
لكن يدا آثمة امتدت إلى هذا الكتاب العظيم ، لتفرغه من ذكر أحداث يوم
عاشوراء ، إذ ليس في ذكر تلك الأحداث ، إلا ما يكشف عن مدى الألم والظلم
والاعتداء الذي جرى على أهل البيت ، مما لا يمكن إنكاره ولا دفعه ولا توجيهه
ولا تفسيره إلا على أساس ما قلنا
وتلك اليد الآثمة الخائنة للعلم والتراث تريد أن تبرئ ساحة بني أمية ،
أسلافها ، من الجرائم المرتكبة يومذاك ، تلك الجرائم السوداء البشعة ، التي لم
يغسل عارها مرور الأيام ، ولا ينمحي بحذف هذه الأحاديث من هذه النسخة أو تلك !
ولئن امتدت يد الخيانة إلى تاريخ ابن عساكر ، فحذفت منه حوادث يوم
عاشوراء ، فإن مؤرخي الإسلام ، ومؤلفي المسلمين ، قد أفعموا كتب التاريخ
بذكر تلك الحوادث ، وجاء ذكر ذلك في العديد من الكتب التاريخية وألف
لذلك ، خاصة ، ما يسمى بكتب المقاتل
ولعل نسخة من أصل تاريخ ابن عساكر توجد هناك أو هنا ، فيعرفها مطلع ،
أو يطلع عليها منصف ، فيخرجها إلى النور ، فيبهت الخائنون الذين ظلموا
الإسلام ، وظلموا آل محمد ، وظلموا التاريخ ، وظلموا التراث ، وظلموا
المسلمين بالتعتيم عليهم ، وكتمان ما جرى على أرض الواقع عنهم .
كما فعلوا مثل هذا الحذف والتحريف في كثير من كتب التراث والحديث
والدين ، فأبادوها بالدفن والإماثة بالماء ، والإحراق ( 1 )
ولكن الحقائق ، وإن خالوها تخفى على الناس ، فإنها لا بد وأن تعلم مهما
طال الزمن ( 2 )
ونحن – لما التزمنا في كتابنا هذا بإيراد ما رواه ابن عساكر في
تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ، فقط – لا نحاول
أن نخرج عن هذا الالتزام ، فلا
نستعرض حوادث السيرة ، اكتفاء بما جاء في المقاتل القديمة والحديثة من
ذكرها ، وأملا في أن نوفق لعرضها في كتاب مستقل بعون الله .
ولكنا نورد في ما يلي ما رواه ابن عساكر من خطب الإمام في يوم عاشوراء ،
وفيها من العبر ما هو كفاية للمعتبرين .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...