الرئيسية / بحوث اسلامية / في رحاب الشيعة – الشيخ باقر شريف القرشي 04

في رحاب الشيعة – الشيخ باقر شريف القرشي 04

براءة الشيعة من الغلو والغلاة
تقديم
( 1 )
والشئ المحقق حسب الدراسات العلمية التي لا تخضع لهوى ولا تجنح لعاطفة أن التشيع
بمفهومه الفكري وأرصدته الروحية ، والسياسية قد نشأ وترعرع وتكون حينما فجر النبي
العظيم صلى الله عليه وآله وسلم دعوته الخلاقة الهادفة إلى إقامة مجتمع سليم متوازن
في سلوكه واجتماعه واقتصاده تسود فيه العدالة وتعم فيه الأخوة والمحبة والأمن
والرخاء ، فعقد مؤتمرا ضم الأسر القرشية ، وعرض عليهم رسالته الخالدة التي تنقذهم
من واقعهم المرير ، وما هم عليه من التخلف الفكري وطلب منهم من يؤازره على إشاعة
مثله ومبادئه بين الناس ليتخذه وزيرا وخليفة ووصيا من بعده لتمتد تعاليمه بعد
رحيله ، فوجموا جميعا وسخر بعضهم منه ، فانبرى إليه الإمام أمير المؤمنين عليه
السلام وهو
في فجر الصبا وروعة الشباب فعاهده على مؤازرته ومناصرته ، فاتخذه وزيرا وخليفة من
بعده ، وناشرا لأهدافه ومبادئه . . . وفي ذلك اليوم تأسس التشيع القائم
على الولاء للإمام أمير المؤمنين عليه السلام والإقرار له بالولاية والنيابة العامة
عن النبي
( 2 )
وآمنت كوكبة من أعلام الصحابة والمساهمين في بناء الإسلام بأحقية الإمام بالخلافة ،
وأنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته على أمته من بعده ، ومن بينهم
الشهيد الخالد عمار بن ياسر الطيب ابن الطيب عملاق الجهاد في الإسلام كما أن منهم
أبا ذر الغفار الثائر العظيم الذي وعى الإسلام وناضل عن قيمه ومبادئه ( 2 ) .
ومن أعلام الإسلام سلمان الفارسي وزير النبي ( ص ) ومستشاره الذي قال فيه النبي ( ص )
سلمان منا أهل البيت ، فقد كان من أبرز شيعة الإمام عليه السلام .
وقد أعلن هؤلاء الصحابة وغيرهم من حماة الإسلام دعمهم الكامل في إحداث السقيفة
للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ورفضهم البيعة لغيره .
وليس ولاء هؤلاء القادة للإمام علي عليه السلام أي غلو أو إفراط في الحب وإنما
ذهبوا إلى أنه أولى بأمور المسلمين من غيره وذلك لمواهبه وعبقرياته وسائر صفاته
العظيمة .
( 3 )
وولاء الشيعة للأئمة الطاهرين عليهم السلام منذ فجر تأريخهم حتى يوم الناس هذا على
غرار ولاء الصحابة لهم ليس فيه غلو أو إفراط في الحب أو خروج عن موازين الفكر فهم
يعتقدون أنهم أولى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحق بمقامه ، وأولى بمركزه لا
لأنهم ذريته وألصق الناس به ، وإنما لتوفر الطاقات العلمية الهائلة عندهم وتسلحهم
بالإيمان والتقوى وحريجتهم في الدين وغير ذلك من الصفات الكريمة التي لم
تتوفر عند غيرهم ، وسنوضح ذلك في البحوث الآتية .
( 4 )
إن عقيدة الشيعة في أئمة أهل البيت عليهم السلام نقية واضحة كالشمس لا لبس فيها ولا
غموض لا تتغير لا تتبدل في جميع الأحقاب والآباد فهي ليست حلولية ولا باطنية ولا
غير ذلك من التهم الرخيصة والطعون الباطلة التي ألصقها بهم من لا حريجة له في الدين
والتي كان معظمها ناشئا من الأغراض السياسية التي جهدت على تشويه واقع الشيعة
وإبعادهم عن المجتمع لئلا تتبلور أفكارهم وما ينشدونه من الإصلاح الشامل لجميع
شرائح المجتمع وما يتبونه من القضايا المصيرية لجميع شعوب الأرض ، وذلك بإشاعة
العدل والأمن والرخاء بين الناس الأمر الذي يتنافى مع سياسة أولئك الملك القائمة
على البطش والاستبداد ، وإنفاق أموال الدولة على شهواتهم وملاذهم ، ومطاعمهم
السياسية .
( 5 )
وكانت الشيعة الجبهة المعارضة لحكام الأمويين والعباسيين ، فقد نقمت عليهم تصرفاتهم
المجافية
لكتاب الله تعالى وسنة نبيه ، وطالبتهم بالعدل والاعتدال والسير على ضوء السياسة
الإسلامية التي يهتدي بها الحائر وينعم فيها ابن آدم المجهود المكدود .
وقدمت الشيعة في سبيل مبادئها المزيد من الضحايا والقرابين خالصة لوجه الله كان في
طليعتهم ريحانة رسول الله ( ص ) أبو الشهداء والأحرار الإمام الحسين عليه السلام ،
فقد ثار في وجه حفيد أبي سفيان وابن معاوية يزيد فاجر بين أمية الذي استهتر بقيم
الإسلام ن وحاول أن يعيد الحياة الجاهلية ، ويلف لواء الإسلام فاستشهد الإمام سلام
الله عليه مع الصفوة الطاهرة من أهل بيته ، وأصحابه . وقد طوى الإمام بشهادته سجل
الأمويين وعرى حكامهم من الشرعية وقد سجل بشهادته نصرا للإسلام وعزا للمسلمين
وفخرا للإنسانية على امتداد التاريخ ، وبعده ثار أحفاده وأحفاد أخيه الإمام الزكي
الحسن عليه السلام في وجه حكام الأمويين والعباسيين ، لقد ثاروا من أجل تحقيق العدل
السياسي والعدل الاجتماعي بين الناس .
وعلى أي حال فإن تاريخ الشيعة حافل
بالبطولات والتضحية من أجل صالح المجتمع وإنقاذه من الظلم والجور والطغيان .
( 6 )
ونعود للحديث عن الغلو وحقيقته الإفراط في الحب والمودة والولاء ، وبه يخرج الإنسان
عن حد التوازن فيمن يحبه ويخلص له وقد ابتلى به البشر منذ أقدم العصور فقد الفرط
المسيحيون في ولائهم للسيد المسيح فقالوا إنه ابن الله ، وابتلى بذلك فريق من الناس
في العصور الإسلامية فذهب بعض المارقين من الدين إلى ألوهية الإمام أمير المؤمنين
عليه السلام ، فقد هالتهم مواهبه وعبقرياته ، وما آتاه الله من الحكمة وفصل الخطاب
فجزموا بربوبيته ، كما غالى بعض الفرق الإسلامية في أئمتهم فأثبتوا لهم من
الكرامات والمعاجز ما هي بعيدة عن الواقع ، وعلى أي حال فإنا سنتحدث عن الغلو
والغلاة في فصول هذا الكتاب .
( 7 )
أما الذين يذهبون إلى أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إله فيعبدونه من دون
الله فإن حكم الإسلام فيهم صريح واضح وهو الكفر والإلحاد
وتترتب عليهم الآثار التي تترتب على الكفار من النجاسة وغيرها من الأحكام الوضعية
التي تنص عليها الفقهاء ، ويسري هذا الحكم على كل من اعتقد بإلاهية شخص غير الله
تعالى .
( 8 )
ومن المؤسف حقا أن يعد بعض المؤلفين الغلاة من الشيعة ، ويوجه لهم النقد اللاذع
على ذلك ، وهذا ناشئ عن الجهل أو الحقد على هذه الطائفة التي اعتنقت الإسلام حسب ما
أنزله الله على نبيه العظيم وتبنت جميع قيمه وأهدافه .
إن موسوعات الفقه الإمامي والرسائل العلمية التي ألفها السادة الفقهاء مليئة بالحكم
على الغلاة بالكفر والإلحاد فكيف يحسبون على الشيعة ويعدون من طوائفها .
( 9 )
وكما تبرأ الشيعة من الغلو في أئمة أهل البيت عليهم السلام كذلك تبرأت من التهم
التي ألصقها بهم من لا حريجة له في الدين كعادتهم للتربة الحسينية ، وقد ألفنا
رسالة مختصرة في إبطال ذلك وعدم واقعيته
وأنه لم يكن المقصود منه إلا تفريق كلمة المسلمين وتشتيت وحدتهم وعلى أي حال فإن
عقيدة الشيعة تمثل روح الإسلام وجوهره ليس فيها – والحمد لله – انحراف عن ولا
مجافاة لهدي الإسلام وتعاليمه وبهذا تطوي الصفحات الأخيرة من هذا التقديم آملا من
الله تعالى أن يكون عملي خالصا لوجهه الكريم ، وأن يثبنا عليه أنه تعالى ولي ذلك
والقادر عليه .
ولاء الشيعة
لأئمة أهل البيت عليهم السلام
وقبل الحديث عن الغلو نتحدث – بإيجاز – عن ولاء الشيعة لأئمة الهدى عليهم السلام
وما يتعلق بذلك لنرى هل فيه غلو وتطرف كما يتهمهم به بعض خصومهم أو أن ذلك لا نصيب
له من الواقع ، وفيما يلي ذلك .
الولاء للأئمة
لم يكن ولاء الشيعة للأئمة الطاهرين عليهم السلام ناشئا عن عاطفة أو عصبية ، وغير
ذلك مما يؤول أمره إلى التراب ، وإنما كان ناشئا عن الأدلة الحاسمة فقد فرضت عليهم
وعلى كل مسلم مودتهم ، قال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى ) ( 1 ) فقد حصرت الآية الكريمة أجر ما عاناه النبي ( ص ) من الجهود والمصاعب في
أداء رسالته الخالدة بمودة أهل بيته الذين هم حملة رسالته ووعاة كتابه ، كما تواترت
الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في لزوم حبهم ومودتهم فقد قرنهم بمحكم
التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وذلك في حديث
الثقلين الذي أجمع المسلمون على روايته ، والإيمان بصحته ، وقد ضمن النبي ( ص ) فيه
لأمته أن لا تزيع عن طريق الهدى والصواب إن تمسكت بكتاب اله تعالى وبعترته ، كما
شبههم النبي ( ص ) بسفينة نوح فقال : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا
ومن تخلف عنها غرق وهوى .
وخاطبهم الإمام الشافعي بقوله :
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
ويقول الفرزدق في رائعته :
من معشر حبهم دين وبعضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
وقد قنع الشاعر حرب بن المنذر بن الجارود باليسير من دنياه لأنه ظفر بولاء أهل
البيت عليهم السلام يقول :
فحسبي من الدنيا كفاف يقيمني وأثواب أكفان أزور بها قبري
وحسبي ذوي قربى النبي محمد فما سألنا إلا المودة من أجر ( 1 )
ويقول الشاعر الموهوب السيد الحميري الذي ذاب في ولائه لأهل البيت :
إني امرؤ حميري غير جدي رعين وأخوالي ذو يزن
ثم الولاء أرجو النجاة به يوم القيامة للهادي أبي حسن ( 2 )
وقد رد عبد الله بن كثير السهمي على من جعل حبه لأهل البيت ذنبا قال :
إن امرءا أمست معايبه حب النبي لغير ذي ذنب
وبني أبي حسن ووالدهم من طاب في الأرحام والصلب
أيعد ذنبا أن أحبهم بل حبهم كفارة الذنب ( 3 ) .
( 1 ) البيان والتبين 3 / 365 .
( 2 ) البيان والتبين 3 / 36 .
( 3 ) نفس المصدر .
ورد أبو الأسود الدؤلي على من لامه لحب أهل البيت قال :
أمفندي في حب آل محمد حجر بفيك فدع ملامك أو زد
من لم يكن بحبالهم متمسكا فليعترف بولاء من لا يرشد ( 1 )
وقال أبو الأسود يرد على بني قشير الذين عابوا عليه ولاءه للإمام أمير المؤمنين
عليه السلام وأهل بيته .أحب محمدا حبا شديدا وعباسا وحمزة والوصيا
وجعفرا إن جعفرا خير شهيد في الجنان مهاجريا
هوى أعطيته منذ استدارت رحى الإسلام لم يعدل سويا
يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا
فقلت لهم : وكيف يكون تركي من الأعمال ما يقضي عليا
بنو عم النبي واقربوه أحب الناس كلهم إليا ( 1 )
ويقول الكميت شاعر الإسلام في إحدى روائعه التي نظم فيها ولاءه لأهل البيت :
إليكم ذوي آل النبي تطلعت نوازع من قلبي ظماء والبب
فطائفة قد كفرتني بحبكم وطائفة قالوا : مسئ ومذ – بن
فما ساءني تكفير هاتيك منهم ولا عيب هاتيك التي هي أعيب
يعيبونني من خبهم وضلالهم على حبكم بل يسخرون واعجب
وقالوا : ترابي هواه ورأيه بذلك ادعى فيهم والقب
( 2 )
وقال الشاعر الكبير علي بن عباس الشهير بابن الرومي :
يا هند لم أعشق ومثلي لا يرى عشق النساء ديانة وتحرجا
لكن حبي للوصي مخيم في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
فهو السراج المستنير ومن به سبب النجاة من العذاب لمن نجا
وإذا تركت له المحبة لم أجد يوم القيامة من ذنوبي مخرجا
قل لي : أأترك مستقيم طريقه جهلا واتبع الطريق الأعوجا
وأراه كالتبر المصفى جوهرا وأرى سواه لنا قديه مبهرجا
ومحله من كل فضل بين عال محل الشمس أو بدر الدجا
قال النبي له مقالا لم يكن يوم الغدير لسامعيه
مبهما
من كنت مولاه فذا مولى له مثلي وأصبح بالفخار متوجا ( 1 )
وقد عبر هذا الشعر وما قبله عن خالص الود وعميق الحب لأهل البيت ، ولم يكن فيه أي
غلو أو إفراط في الحب ، وإنما كان متسما بالتوازن .
صفاتهم الرفيعة
وما من صفة شريفة أو نزعة كريمة إلا وهي من عناصر أهل البيت عليهم السلام ومن
ذاتياتهم فقد منحهم الله طاقات من العلم والإيمان والتقوى ووهبهم المزيد من ألطافه
فجعلهم من عباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون كما عصمهم من
الفتن وطهرهم من الدنس وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ووصفهم سيدهم أمير
المؤمنين عليه السلام بقوله : ( هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم
، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ، ولا يختلفون فيه ،
هم دعائم الإسلام . وولائج الاعتصام ، وبهم عاد الحق في نصابه وانزاح الباطل عن
مقامه . وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية
فإن رواه العلم كثير ورعاته قليل ( 1 ) ووصفهم شاعر الإسلام الكميت الأسدي بقوله :
القريبين من ندى والبعيدين من الجور في عرى الأحكام
والمصيبين باب ما أخطأ ألنا س ومرسي قواعد الإسلام
والحماة الكفاة في الحرب إن لف ضرام وقوده بضرام
والغيوث الليوث أن أمحل ألنا س فمأوى حواضن الأيتام
راجحي الوزن كاملي العدل في السيرة طبين بالأمور الجسام
والكميت نظم ما رآه لا ما سمعه وقرأه . . . أن صفات الأئمة التي تعتقد بها الشيعة
الإمامية ليس
فيها ما يدعو إلى الغلو
مظاهر الولاء للأئمة
أما مظاهر الشيعة وولائهم لأهل البيت عليهم السلام فهي :
أولا : إن الشيعة تأخذ معالم الدين أصولا وفروعا من الأئمة عليهم السلام
واجتمعت على لزوم العمل بأقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم ، وأنها من السنة التي يجب
العمل بها . وبذلك فقد بنوا إطارهم العقائدي على ما أثر من أئمة الهدى ولم يكن ذلك
عن تعصب ، وإنما النصوص القطعية التي أثرت عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
وسلم هي التي قادتهم إلى ذلك ، ودفعتهم إلى الاقتصار على مذهب أهل البيت ، يقول
الإمام شرف الدين نضر الله مثواه .
( إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن
لتحزب أو تعصب ، ولا لريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم
ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ
بمذاهب الأئمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي
والتنزيل فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف السنة
والكتاب وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب نزولا على حكم الأدلة والبراهين وتعبدا
بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين ، ولو سمحت لنا الأدلة مخالفة
الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله
سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لتعقبنا أثر الجمهور وقفونا أثرهم تأكيدا
لعقد الولاء وتوثيقا لعرى الإخاء لكنها الأدلة تقطع على المؤمن وجهته وتحول بينه
وبين ما يروم .
وأضاف بعد هذا يقول :
وما أظن أحدا يجرؤ على القول بتفضيلهم – أي أئمة المذاهب – في علم أو عمل على
أئمتنا وهم أئمة العترة الطاهرة ، وسفن نجاة الأمة ، وباب حطتها وأمانها من
الاختلاف في الدين ، وأعلام هدايتها وثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد
قال : ( فلا تتقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا فإنهم أعلم منكم لكنها
السياسة
اقتضت في صدر الإسلام ) ( 1 ) .
وأيد الإمام شيخ الأزهر الشيخ سليم رحمه الله هذا الجانب المشرق من حديث الإمام شرف
الدين بقوله :
( بل قد يقال : إن أئمتكم الاثني عشر أولى بالأتباع من الأئمة الأربعة لأن الاثني
عشر كلهم على مذهب واحد قد محصوه وقرره بإجماعهم بخلاف الأربعة ، فإن الاختلاف
بينهم شائع في أبواب الفقه كلها ، فلا تحاط موارده ، ولا تضبط ومن المعلوم أن ما
يمحصه الشخص الواحد لا يكافئ في الضبط ما يمحصه الاثنا عشر إماما . هذا كله مما لم
تبق فيه وقفة لمنصف .
ومن الطبيعي أن هذه الظاهرة التي تمسكت بها الشيعة ، وأعلنتها في جميع المجالات ليس
فيها أي جانب من الغلو والإفراط في الحب ن وإنما هي متسمة بالاستقامة والاعتدال .
ثانيا : من مظاهر ولاء الشيعة لأئمتهم عليهم السلام ، إنها تقوم بإحياء ذكراهم
وتشييد فضائلهم ، وإشاعة مكارم أخلاقهم وإقامة الحفلات التأبينية على ما أصابهم من
فادح الخطب وعظيم الرزء الذي صبه عليهم ملوك عصورهم من أمويين وعباسيين .
كما أن الشيعة تقوم بزيارة مراقد الأئمة الطاهرين للتبرك بها والتقرب إلى الله
تعالى فإنها من أعظم مظاهر الود الذي فرضه الله تعالى في كتابه المجيد للعترة
الطاهرة على جميع المسلمين .
هذه بعض مظاهر الولاء الذي تكنه الشيعة للأئمة الطاهرين ، وليس فيه أي شائبة للغلو
وعلى هذا الأساس المعتدل أقامت الشيعة إطارها العقائدي في ولائها لأهل البيت عليهم
السلام .
حقيقة الغلو
وظهرت على مسرح الحياة الإسلامية مشكلة الغلاة وهي في واقعها خروج عن الإسلام ومروق
من الدين ، وقد ظهر هذا اللون المفجع في خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
حينما شاعت فضائله ومآثره ، وما يتمتع به من المواهب والعبقريات فغالى فيه بعض
الجهال فزعموا أنه الله ، وقد قالوا له : أنت هو ، فقال لهم : من هو فأجابوه : أنت
الله . واستعظم الإمام من ذلك وفزع منه فأمر بناء فأججها وأحرقهم فيها ، وهو يقولون
: الآن صح عندنا أنك الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله ، وفي ذلك يقول :
لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت نارا ودعوت قنبرا
وفي ذلك يقول الغلاة في الإمام عليه السلام :
ومن أهلك عادا وثمودا بدواهيه ومن كلم موسى فوق طور إذ يناجيه
ومن قال على المنبر يوما وهو راقيه سلوني أيها الناس فحاروا في معانيه
وأنت ترى في هذا الشعر الغلو الكامل في الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وذهب
بعض الغلاة إلى أن الإمام عليه السلام ابن الله وقد رد عليهم السيد الحميري بقوله :
قوم غلوا في علي لا أبا لهم واجشموا أنفاسا في حبه تعبا
قالوا : هو ابن الإله جل خالقنا من أن يكون له ابن أو يكون أبا ( 1 )
الغلو في العصر الأموي والعباسي
وظهرت في العصر الأموي والعباس حركة الغلو بصورة متسعة كما تأسست بعض الفرق الدينية
وقد تبنت الغلو بصورة إيجابية ، وقد ساعدت
الحكومات الأموية والعباسية تلك الفرق وساهمت في نشر أفكارها وعقائدها الفاسدة ،
وذلك لتشويه عقيدة الشيعة القائمة على الحق والمناهضة للظلم والجور .
كما اتخذت تلك الحكومات من تلك الفرق وسيلة لتصفية خصومها ، ورميها بالكفر والزندقة
وذلك لشذوذ عقائدها وبعدها عن تعاليم الإسلام وأحكامه مع العلم أن بعض المتهمين لا
علاقة لهم بأفكار الغلاة .
موقف الأئمة من الغلاة
كان موقف الأئمة عليهم السلام مع الغلاة ودعة الإلحاد متسما بالشدة والصرامة
فحكموا بالبراءة عنهم وبإباحة دمائهم ، وترتيب أحكام الكفر عليهم ، وقد أحرقهم
بالنار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ونعرض إلى موقف بعض الأئمة عليهم السلام
معهم .

 

 

https://wilayah.info/ar/

 

https://wilayah.info/en/

 

https://www.ommahwahda.com/

شاهد أيضاً

قيادي في الحرس الثوري: إعادة النظر في الاعتبارات النووية في حال وجود تهديدات اسرائيلية

قال قائد قوات حماية المراكز النووية التابعة للحرس الثوري العميد احمد حق طلب: إذا كانت ...