الرئيسية / من / الصحة والعافية / الآداب الطبية في الإسلام

الآداب الطبية في الإسلام

المشتغلون بالطب في عصر الترجمة :
أما الذين كانوا يمارسون الطب في عصر الترجمة ، فقد كان أكثرهم من
غير المسلمين . . وأكثرهم من نفس أولئك الذين كانوا يهتمون بالترجمة إلى اللغة العربية . .
وقد اشتهر في ذلك العصر من هؤلاء آل بختيشوع ، ابتداء من جرجيس الذي استقدمه المنصور بن جند يشابور ، ثم ولده بختيشوع ، الذي استقدمه الرشيد ( 1 ) ، وجعله كبير ورئيس الأطباء ، ثم ابنه جبرائيل ، ثم ابنه بختيشوع ، الذي غضب عليه الواثق فأعاده إلى جند يشابور وصادر كل ما يملك ، ثم عاد فطلبه منها ، فوصها بعد موت الواثق . . فاحتفى به المتوكل ، ثم يأتي عبيد الله بن بختيشوع .
وهناك من مشاهير أطبائهم : يوحنا بن ماسويه ، الذي عينه المأمون رئيساً لبيت الحكمة سنة 215 ، وقسطا بن لوقا البعلبكي ، وثابت بن قرة ، وسعيد بن يعقوب ، وغيرهم كثيرون . .
بين الشهرة . . والواقع :
لقد اشتهر الجنديشابوريون في بادئ الأمر بصناعة الطب ، بشكل ليس له مثيل ، وكان لتأييد الحكام لهم نصيب وافر من هذه الشهرة التي حصلت لهم ، وفي مقام التدليل على مدى هيمنة غير المسلمين في مجال الطب ، وانبهار الناس بهم وتبعيتهم لهم ، ولا سيما الجنديشابوريين منهم نذكر القصة التي رواها أو صنعها الجاحظ المتوفي سنة 255 ه‍ .
وهي على النحو التالي :
يقول الجاحظ :
كان أسد بن جاني ( 1 ) رجلاً طبيباً ، وفي فترة ما توقف عمله ، وكسدت سوقه ، فقال له أحد الأشخاص : الأوبئة كثيرة في هذه السنة ، وقد انتشرت الأمراض كثيراً بين الناس ، وأنت رجل عالم ، ولك صبر وأناة ، كما وانك خدوم للناس ، صاحب لسان ، وعارف بأحوال الناس . . ومع كل هذا فما هو السر في كساد سوقك ؟ !
فأجاب :
أولاً : إنني مسلم ، والناس قبل أن أكون طبيباً ، بل وقبل أن أخلق ، يعتقدون : أن المسلم لا يكون طبيباً ناجحاً . .
وثانياً : أن اسمي [ أسد ] في حين يجب أن يكون اسمي صليباً ، أو مرابل ، أو يوحنا ، أو بيرا . . وكنيتي : أبو الحارث . في حين أنها يجب أن تكون : أبا عيسى ، أو أبو زكريا ، أو أبو إبراهيم . . وارتدي عباءة من الكتان الأبيض ( 2 ) . في حين أنه كان يجب أن ألبس عباءة من الحرير الأسود ( 3 ) نعم . . هكذا أصبح الناس يعتقدون في غير المسلمين ، وبالأخص
الجنديشابوريين منهم ، كما أرادوا هم لأنفسهم وأراد لهم الحكام المتسلطون .
وقد كان العلماء يلومون الخلفاء والوزراء في تعظيمهم النصارى للتطبب ، كما قدمنا . .
ولكننا لو راجعنا الوقائع التاريخية ، وأردنا أن نحكم عليها حكم المنصف والمتجرد عن كل هوى وتعصب ، فإننا نجد :
أنه لم يكن لدى الأطباء غير المسلمين تلك البراعة الخارقة للعادة في صناعة الطب ، وإن كان لهم الفضل في نقل تراث الأمم الأخرى إلى لغة الإسلام . .
وكمثال على ذلك نذكر : أن سلمويه يعتبر يوحنا بن ماسويه مثلاً وهو اشهر طبيب في عهد المأمون من أجهل خلق الله بمقدار الداء والدواء ( 1 ) .
كما أن أبا قريش ( 2 ) قد كان عند المهدي : « نظير جرجس بن جبرائيل في المرتبة ، بل أكبر منه حتى تقدمه في المرتبة ، وتوفي المهدي واستخلف هارون الرشيد ، وتوفي جرجس ، وسار ابنه [ أي بختيشوع ] تبع أبي قريش في خدمة الرشيد » ( 3 ) .
ولكن التجليل والتعظيم ، والصيت الواسع كان لبختيشوع ، دون أبي
قريش . . كما أننا نجد أن هذا الصيت العظيم للأطباء من غير المسلمين ، قد أثر على التاريخ كما يظهر ذلك من ملاحظة الموسوعات ، وكتب التراجم . فإنهم يهتمون جداً في ترجمة الأطباء غير المسلمين ويطنبون فيها كثيراً . . أما الطبيب المسلم الحاذق العظيم فإن ترجمته لا تتجاوز الأسطر القليلة ، إلا إذا كان مثل الرازي ، وابن سينا اللذين لا يمكن تجاهلهما . .
يكفي أن نذكر : أننا نلاحظ : أنهم يترجمون الزهراوي الذي اعتمد عليه الأوروبيون في الطب الجراحي وغيره لم يترجم إلا بثلاثة أسطر ، وكذا بالنسبة لعلي بن العباس وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم .
وقد بدا أن أهل جند يشابور كانوا مغرورين بأنفسهم جداً ، وقد تجاوزوا الواقع في تصوراتهم لقدراتهم الحقيقية ، حتى يقول القفطي :
« إن الجنديشابوريين كانوا يعتقدون أنهم أهل هذا العلم ، ولا يخرجونه عنهم وعن أولادهم وجنسهم » ( 1 ) :
نعم . . ولكن نجم جند يشابور قد أفل ، واشعاعها قد خبا ، بنبوغ مهرة الأطباء ، أفذاذ الفن وأساطينه من المسلمين – وما أكثرهم . . وآخر من ورد اسمه كرئيس لمستشفى جند يشابور هو سابور بن سهل المتوفي سنة 255 ( 2 ) .
وآخر وقعة ورد فيها اسم جند يشابور هي ما بين سنة 262 – 265 حيث
يذكرون أن يعقوب بن ليث الصفار قد جعل جند يشابور مقراً له ، حينما تأهب لفتح خوزستان ( 1 ) .

شاهد أيضاً

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي بين نمط د. هشام الهاشمي للقصف الإيراني لقاعدة ...