الرئيسية / القرآن الكريم / بيّنات في معرفة القرآن الكريم

بيّنات في معرفة القرآن الكريم

نظرة تفسيريّة موضوعيّة في خصائص القرآن الكريم

4- اللغة العربيّة لغة السهولة والوضوح:

أكّد القرآن الكريم صفة كونه بلسان عربيّ في وجه مَنْ زعموا أنّ هناك شخصاً يعلّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القرآن: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾[1]. ويُراد بـ “أعجميّ“: أنّه غير فصيح، فـ”الإعجام: الإبهام. والعجم خلاف العرب، والعجميّ منسوب إليهم.

والأعجم: مَنْ في لسانه عجمة، عربياً كان أو غير عربيّ”[2].

وورد في حديث جاء جواباً عن معنى “لسان عربيّ مبين“: “يبيّنُ الألسُنَ، ولا تبيّنهُ الألسُنُ[3].

ومن هنا، فالمراد بالعربيّة هو: بيان حقيقة أنّ اللغة العربيّة لغة الفصاحة والوضوح

والخلوّ من التعقيد والإبهام، في مقابل الأعجميّ المبهم وغير الواضح والمعقّد. وقد اختارها الله تعالى ليبيّن بها معارف وحقائق راقية، بلغة فصيحة وبليغة.

الأفكار الرئيسة

1-نزول القرآن باللغة العربيّة يستند إلى أصل عامّ وسنّة إلهيّة في الإنذار والتبشير، مفادها اتّحاد لغة كلّ رسول مع لغة قومه. وهذا لا يتنافى مع رسالة الإسلام العالميّة، ودعوته العامّة على مدى العصور والأجيال.

2-تمتاز اللغة العربيّة بأنّها واسعة جدّاً، ولها قدرة عالية على حكاية المفاهيم المعنويّة العالية والسامية التي يطرحها القرآن، أكثر من اللغات الأخرى.

3-اللغة العربيّة وحدها من اللغات البشريّة التي احتفظت بخصائصها ومميّزاتها مع مرور السنين والقرون، على نحو لم يطرأ عليها تغيير أو تبديل جوهريّ في بنيتها.

4-اللغة العربيّة لغة الفصاحة والوضوح والخلوّ من التعقيد والإبهام.

5- اللغة العربيّة تتناسب مع الهدف القرآنيّ الأسمى، وهو التوحيد، إذ لا يوجد في تأليف القضية في اللغة العربيّة سوى طرفين فقط، هما: الموضوع والمحمول، وهما متّحدان ذاتاً، يرجعان إلى وحدة ذاتيّة ومغايرة اعتباريّة مفاهيميّة.

 

 

فكِّر وأجب

1-هل نزول القرآن باللغة العربيّة يستلزم اختصاصه بالعرب وحسب؟

2-ما هو دور الخصائص المعنائيّة واللفظيّة للّغة العربيّة في اختيارها لغة للقرآن؟

3-بيّن علاقة ثبات اللغة العربيّة ومرونتها ووضوحها في اختيارها لغة للقرآن.

مطالعة

 

تطوّر اللغة العربيّة ورسمها:[4]

ترتبط نشأة اللغات الإنسانيّة بتطوّرات الحياة الاجتماعيّة وتفاعلاتها، وتعدّ اللغة العربيّة من اللغات التي خضعت على طول مسيرتها لهذه القاعدة، حيث تعرّضت لكثير من التطوّرات بفعل سعة بقعة انتشارها، فتعدّدت لهجاتها واختلفت، ولا سيّما بعد الفتوحات الإسلاميّة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ اللهجة عبارة عن سلوك لغويّ له مميّزات لغويّة ذاتُ نظامٍ صوتيّ خاصّ تخصّ بيئةً معيّنة، يشترك فيها جميع أفراد تلك البيئة. ومجال الاختلاف الأهمّ بين اللهجات هو الأصوات، واختلاف معاني الوحدات الدلاليّة.

وقد اشتهرت لهجة قريش أكثر من غيرها من اللهجات العربيّة الأخرى السائدة قبل الإسلام، كتميم وهذيل وغيرهما، للموقع الاقتصاديّ والدينيّ الذي كانت تتمتّع به مكّة آنذاك، ما أدّى إلى مزيد من الأثر في تهذّب لهجة قريش وتطوّرها، نتيجة الاختلاط بلهجات الشعوب والقبائل الأخرى. ثمّ كان لنزول القرآن الكريم بلهجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرشيّة، بالغ الأثر في سيادة هذه اللهجة القرشيّة وصيرورتها اللّغة الفصحى.

والمشهور أنّ العرب أخذوا لغتهم من الحيرة، التي أخذت من الأنبار، وأخذت الأنبار من الأنباط، وأخذ الأنباط لغتهم من الكتابة الساميّة الشماليّة المأخوذة من الكتابة الفينيقيّة، التي بدورها أخذت كتابتها من الكتابة السينائيّة الأمّ في سيناء.

وادُّعي أنّ رسم العربيّة الشماليّ اشتُقّ من الكتابة السريانيّة. والواقع أنّه لا دليل على ذلك، وغاية ما يمكن استفادته تأثير السريانيّة في الكتابة النبطيّة التي تأثّر بها رسم العربيّة الشماليّ.

وقد تفرّع الخطّ النبطيّ إلى نوعين من الخطوط: خطّ يشبه الخطّ الكوفيّ في خطوطه المستقيمة وزواياه، وخطّ نسخيّ حرفه أكثر استدارة وأسهل كتابة.

وبقي الخطّان – النسخي والكوفي – متداولين بين المسلمين، يعملون على تحسينهما وتطويرهما، حتى جاء ابن مقلة في بداية القرن الرابع للهجرة، وأدخل تحسينات هامّة جدّاً على الخطّ النسخيّ، ليصبح على ما هو عليه اليوم من جمال فائق، بخلاف الخطّ الكوفيّ الذي لم يلقَ أيّ تطوّر أو ازدهار حتى هُجِرَ تماماً.

[1]– سورة النحل، الآية 103.

[2]– انظر: الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “عجم”، ص549.

[3]– الكلينيّ، الكافي، م.س، ج2، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح20، ص632.

[4]–  انظر: المغربيّ، (عبد الرحمن ابن خلدون): المقدّمة، لاط، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، لات، ص417-421، وافي، علي عبد الواحد: علم اللغة، ط9، القاهرة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر ومطبعتها، لا.ت، ص96، 176-177، السامرائيّ، إبراهيم: التطوّر اللغويّ التاريخيّ، ط3، بيروت، دار الأندلس، 1983م، ص34.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...