في أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم معجزتها القرآن
June 8, 2021
القرآن الكريم
284 Views
وقال عز وجل : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع
كلام الله ) ( 2 ) فلولا أن سماعه إياه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه . ولا
يكون حجة إلا وهو معجزة .
وقال عز وجل : ( وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ،
على قلبك لتكون من المنذرين ) . وهذا بين جدا فيما قلناه ، من أنه جعله
سببا لكونه منذرا . ثم أوضح ذلك بأن قال : ( بلسان عربي مبين ) ( 3 ) .
فلولا أن كونه بهذا اللسان حجة ، لم يعقب كلامه الأول به .
وما من سورة افتتحت بذكر الحروف المقطعة إلا وقد أشبع فيها بيان
ما قلناه . ونحن نذكر بعضها لتستدل بذلك على ما بعده .
وكثير من هذه السور إذا تأملته فهو من أوله إلى آخره مبنى على لزوم
حجة القرآن ، والتنبيه على وجه معجزته .
فمن ذلك سورة المؤمن ( 4 ) . قوله عز وجل : ( حم . تنزيل الكتاب
من الله العزيز العليم ) ثم وصف نفسه بما هو أهله من قوله تعالى : ( غافر
الذنب ، وقابل التوب ، شديد العقاب ذي الطول ، لا إله إلا هو ، إليه
المصير . ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك / تقلبهم في
البلاد ) فدل على أن الجدال في تنزيله كفر وإلحاد .
ثم أخبر بما وقع ( 1 ) من تكذيب الأمم برسلهم ، بقوله عز وجل :
( كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ، وهمت كل أمة برسولهم
ليأخذوه ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ) فتوعدهم بأنه آخذهم
في الدنيا بذنبهم في تكذيب الأنبياء
.
ورد براهينهم فقال تعالى : ( فأخذتهم فكيف كان عقاب ) .
ثم توعدهم بالنار ، فقال تعالى : ( وكذلك حقت كلمة ربك على
الذين كفروا أنهم أصحاب النار ) .
ثم عظم شأن المؤمنين بهذه الحجة ، بما أخبر من استغفار الملائكة
لهم ، وما وعدهم عليه من المغفرة ، فقال تعالى : ( الذين يحملون العرش
ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا :
ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما ، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم ) . فلولا أنه برهان قاهر لم يذم الكفار على العدول عنه ،
ولم يحمد المؤمنين على المصير إليه .
ثم ذكر تمام الآيات في دعاء الملائكة للمؤمنين ، ثم عطف على وعيد
الكافرين ، فذكر آيات ، ثم قال : ( هو الذي يريكم آياته ) . فأمر بالنظر
في آياته وبراهينه ، إلى أن قال : ( رفيع الدرجات ذو العرش ، يلقى الروح
من أمره على من يشاء من عباده ، لينذر يوم التلاق ) / فجعل القرآن
والوحي به كالروح ، لأنه يؤدى إلى حياة الأبد ، ولأنه لا فائدة للجسد
من دون الروح . فجعل هذا الروح سببا ( 2 ) للإنذار ، وعلما عليه ، وطريقا
إليه . ولولا أن ذلك برهان بنفسه لم يصح أن يقع به الانذار والاخبار
عما يقع عند مخالفته ، ولم يكن الخبر عن الواقع في الآخرة عند ردهم
دلالته ( 3 ) من الوعيد – حجة ولا معلوما صدقه ، فكان لا يلزمهم قبوله .
فلما خلص من الآيات في ذكر الوعيد على ترك القبول ، ضرب لهم
المثل بمن خالف الآيات ، وجحد الدلالات والمعجزات ، فقال : ( أو لم
يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ،
كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض ، فأخذهم الله بذنوبهم ، وما كان
لهم من الله من واق ) .
ثم بين أن عاقبتهم صارت إلى السوآى ، بأن رسلهم كانت تأتيهم
بالبينات ، وكانوا لا يقبلونها منهم . فعلم أن ما قدم ذكره في السورة بينه
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر قصة موسى ويوسف عليهما السلام ، ومجيئهما بالبينات ،
ومخالفتهم حكمها ، إلى أن قال تعالى : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير
سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ، كذلك يطبع الله
/ على كل قلب متكبر جبار ) . فأخبر أن جدالهم في هذه الآيات لا يقع
بحجة ، وإنما يقع عن جهل ، وأن الله يطبع على قلوبهم ، ويصرفهم عن
تفهم وجه البرهان . لجحودهم وعنادهم واستكبارهم .
2021-06-08