الرؤيا الصادقة
قبل استشهاده بثلاث ليال، كانت ليلة جمعة وكانت آخر ليلة له بيننا. في تلك اللّيلة رأى منامًا جميلًا جدًّا، استفاق من نومه فرحًا فسألته: “ماذا جرى لك؟!”.
فأجاب: “شاهدت منامًا وما زلتُ أشعر بحرارة شفتَيْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شفتيَّ، رأيت أنّني داخل الكعبة والإمام الخمينيّ قدس سره إلى يميني، فجأة فُتح الباب ودخل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدَّم نحوي، قلت لحضرته: – (مشيرًا إلى الإمام الخمينيّ) -: إنَّ السيِّد من أحفادك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حتمًا هو كذلك، وشرع بتقبيل الإمام قدس سره ومن ثمَّ شرع بتقبيلي…”.
عندها قلت للشهيد مطهَّري: “إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راضٍ عن أعمالك”، فقال: “أشعر أنّ شيئًا ما سيحدث”.
في ليلة شهادته قالت ابنتي: “هذا تفسير رؤيا والدي”.
الصلاة أوّل الوقت
لا زلت أذكر هذه الحادثة إلى اليوم، كان يوم الثلاثاء الأوّل من شهر أيّار لعام 1979م حيث أدّى والدي صلاتَي المغرب والعشاء وعند حلول الساعة الثامنة طلب منّي ومن أخي أن نوصله إلى منزل أحد أصدقائه لحضور جلسة سياسيّة أسبوعيّة، لكن بعد قليل قال لنا: “لا داعي أن يوصلني أحد، سيأتي أحد الأصدقاء ليقلّني بسيارته”، ثمَّ ذهب إلى غرفته لترتيب أعماله.
أردت الصلاة فلم أجد مكانًا كي أصلّي فيه ولا سجدةً، فتوجّهت إلى غرفة المكتبة التي كانت مخصّصة للضيوف, علّني أجد فيها مكانًا للصلاة فتبعتني أمّي، وقالت: “مجتبى لماذا تصلِّي في غرفة الضيوف؟”.
قلت: “أمّي.. لم أجد في الغرف الأخرى مكانًا ولا سجدة صلاة”.
تدخَّل حينها والدي قائلًا: “لا يهمُّ، المهمّ أن تؤدّي الصلاة في أوّل وقتها، الصلاة أهمّ وأفضل من كلّ شيء”.
كان هذا آخر كلام سمعته من والدي الذي غادر مع صديقه.. لكنَّه لم يعد إلى المنزل ثانية.. لقد ذهب للقاء الله…
جرس المنبِّه
لم يغفل الشهيد مطهَّري عن صلاة الليل مطلقًا، لقد كان يضبط المنبِّه بدقَّة، وعلى ما أظنّ كان يرنّ عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حيث موعده ليقف في محراب الصلاة.
في ليلة اغتياله، بقينا مستيقظين حتَّى الصباح، وكالعادة رنّ المنبِّه عند الثانية ليلًا دون انقطاع، عدم وجوده في المنزل أحزن قلوبًا كثيرة، لقد كانت ليلة مفجعة بالنسبة إلينا.
شوق الشهادة
كنت أقيم في تبريز في سكن الطلبة الجامعي، ولم يكن لدي نيَّة للذهاب إلى طهران. فجأة، لا أدري ماذا حدث وبدون مقدِّمات، قلت في نفسي: “فلأذهب إلى طهران”. يومها كان راديو طهران يبثُّ محاضرة لوالدي في حدود الساعة الخامسة أو السادسة، وكنت أستمع إليه ومباشرة قلت: “عليّ الذهاب إلى طهران”.
في ذلك اليوم، أخذت تذكرة السفر وغادرت عند الساعة الثامنة ليلًا، وصلت إلى طهران في الصباح الباكر. أثناء الطريق شعرت بالندم فليس لديّ عمل مهمّ هناك، ولكن بعد أن وصلت تذكَّرت أنّ هذا اليوم يصادف يوم “عيد العمال”، وأدركت أنّها كانت حكمة إلَهيّة أن آتي وأرى والدي فقد مضى شهر دون أن أراه.
كم كان فرحاً في ذاك اليوم، فقد تناولنا الغداء وتحدَّثنا طويلًا، كان سروره غير عادي وحالته المعنويّة أدهشت الجميع.
بعد شهادته، في تلك الليلة، أدركنا سرّ حالته المعنويّة. فكم كان ابتهاجه وسروره جليَّين قبيل شهادته .