Home / الاسلام والحياة / الدرس الثاني: المعاد وتجرّد الروح

الدرس الثاني: المعاد وتجرّد الروح

الدرس الثاني:

المعاد وتجرّد الروح

 

 

أهداف الدرس:

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن أهمّية الاعتقاد بالمعاد وأثر ذلك على سلوك الإنسان وأفعاله الدنيوية.

2- يشرح قضيّة تجرّد الروح من خلال الأدلّة العقلية والنقلية, والربط بينها وبين حقيقة المعاد.

3- يستدل من القرآن الكريم على إثبات المعاد وتجرّد الروح.

أهميّة معرفة النفس

إنَّ الباعث على النَّشاطات والأعمال الحياتيَّة هو إشباع الحاجات والرَّغبات, وتحقيق الأهداف والطُّموحات, وبالتّالي الوصول للسعادة والكمال النّهائي.

 

كما أنَّ تقويمَ الأفعال, وكيفيّةَ توجيهها مرتبط بتحديد الأهداف التي تسعى جميع الجهود والنشاطات الحياتية لبلوغه, ومن هنا كان لمعرفة الهدف النهائي للحياة دور أساس في توجيه النشاطات, واختيار الأعمال وتعيينها.

 

وفي الواقع إنَّ العامل الرَّئيس في تحديد طريقة الحياة ومسيرته, يكمُن في نوع نظرة الإنسان ورؤيته ومعرفته بحقيقته وكماله وسعادته. فمن يعتقد أنَّ حقيقته ليست إلا مجموعة من العناصر والتفاعلات الماديَّة, ويرَ حياته محدَّدة بهذه الأيام القليلة للحياة الدُّنيويّة, ولا يعرف لذَّة أو سعادةً أو كمالاً آخر وراء هذه المنافع والمكاسب المرتبطة بهذه الحياة, فإنَّه سوف ينظِّم أعماله وسلوكه بما يشبعُ حاجاته الدُّنيوية ومتطلِّبات هذا العالم.

 

أمَّا ذلك الذي يؤمن بأنّ حقيقته أوسع وأبعد من الظواهر المادية, ولا يرى في الموت نهاية الحياة, بل يراه منعطفاً ينتقل من خلاله من هذا العالم المؤقَّت العابر, إلى عالم خالدٍ باقٍ, ويؤمن بأنَّ أعماله الصالحة وسيلة للوصول لسعادته وكماله الأبديين, فإنّه سوف يخطِّط ويضبط نظام حياته بطريقة تكون معها أكثر عطاءً وأفضل تأثيراً على حياته المؤبَّدة, التي سيعيش فيها حياته الحقيقية جسداً وروح, ويتمتع باللذائذ المادية والمعنوية الموعودة.

أسباب إنكار المعاد

من خلال التأمّل في الآيات القرآنيَّة أيضاً نستنتج أنّ القسم الأكبر من أحاديث الأنبياء, ومناظراتهم مع الناس كان يدور حول موضوع المعاد, بل يمكن القول إنّ الجهود التي بذلوها لإثبات هذا الأصل كانت أكثر من جهودهم لإثبات التوحيد, وذلك لأنّ أغلب الناس كانوا يتّخذون موقفاً أكثر عناداً وتشدّداً من هذا الأصل.

 

ويمكن أن نلخّص السبب في عنادهم وتشدّدهم هذين, في أمرين:

الأول: عامل مشترك يتجسّد في إنكار كل أمر غيبي وغير محسوس.

الثاني: عامل مختص بموضوع المعاد, وهو الرغبة بالتحلّل وعدم تحمّل المسؤولية. لأنّ الاعتقاد بالقيامة والحساب يعتبر دعامة قوية وصلبة لتحمّل المسؤولية, ودافعاً قوياً للكف عن الظلم والاعتداء والفساد والمعصية. وبإنكاره, سوف يفتح الطريق أمام التصرفات المتحلّلة, وعبادة الشهوات والأنانيات وغيرها من الانحرافات. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا العامل في قوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾[1].

 

تجرّد الروح وارتباطها بالمعاد

مما ذكرناه يمكننا أن نتصوَّر للحياة بعد الموت صورةً صحيحةً ومقبولةً, فيما لو اعتبرنا الرّوح غير البدن وخواصّه وأعراضه. بل علينا عدم اعتبار الرّوح صورة مادية تحلّ في البدن وتنعدم إذا تلاشى هذا البدن. إذن علينا في البداية أن نعترف بوجود الرّوح, وثانياً لا بدَّ من أن نعتقد بأنّ الرّوح قابلةٌ للاستقلال والبقاء إذا تلاشى البدن.

 

والملاحظة الأخرى التي يلزم التّنبيه عليها هن, هي أنّ تركيب الإنسان من الرُّوح والبدن, ليس من قبيل تركيب مادَّة كيميائيّة من عنصرين, مثل تركيب الماء من الأوكسجين والهيدروجين, بل إنّ الرّوح هي العنصر الأصليّ والأساس في الإنسان, وما

دامت الروح باقية, فإنّ الإنسان باقٍ أيضاً. وعليه فإنّ تغيّر خلايا البدن وتبدّلها لا يضرّ بحقيقة الإنسان, وذلك لأن حقيقة الإنسان بروحه الخالدة لا ببدنه الفاني. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة, عند جوابه عن المنكرين للمعاد, حين سألوا: كيف يمكن للإنسان أن يكتسب حياةً جديدةً بعد أن تتلاشى أجزاء بدنه؟ أجاب: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾[2]. إذن, فإنسانيَّة كلِّ إنسان متقوّمة بذلك الشيء الذي يقبضه ملك الموت ويستوفيه, لا أجزاء بدنه التي تتفرّق وتتبعثر في الأرض. إذن مسألة المعاد تبتنى بشكل أساس على مسألة الروح وتجرّدها وبقائها بعد انعدام البدن المادي.

 

الشواهد القرآنية على وجود الروح وتجرّدها

يذهب القرآن الكريم إلى وجود الرّوح الإنسانية. وهذه الحقيقة القرآنيَّة مما لا تقبل الشكّ والتردُّد. ومما يدل على أصل وجود الروح قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.

 

والرّوح تنسب لله تعالى, لشدّة شرفها وسموِّها[3] كما يقول القرآن الكريم في كيفية خلق الإنسان: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾[4] وفي مجال الحديث عن خلق آدم عليه السلام يقول الله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾[5].

 

وكذلك, يُستفاد من آيات أخرى, أن الرّوح غير البدن, وخواصّه وأعراضه, وأنَّها تمتلك قابلية البقاء بدون البدن, ومن هذه الآيات, ما ينقله القرآن على لسان الكفّار: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾[6] أي إذا تفرّقت أجزاء

أبداننا في التراب, ويجيبهم القرآن الكريم بقوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾[7].

 

إذن, فملاك هوية الإنسان وحقيقته هي روحه, التي يقبضها ملك الموت, والتي تظلُّ باقيةً, وليس أجزاء البدن التي تتلاشى وتتفرق في الأرض.

 

وفي موضعٍ آخر يقول: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[8]. وفي مجال موت الظَّالمين يقول: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾[9].

 

ونفهم من هذه الآيات, وآيات أخرى أنَّ نفسَ كلِّ امرئٍ تتحدَّد بذلك الشيء الذي يقبضه ملكُ الموت أو الملائكة الموكلون بقبض الأرواح, وأنّ انعدام البدن لا تأثيرَ له في بقاء الرّوح ووحدة الإنسان الشخصية.

 

ونتيجة ذلك كلّه:

أولاً: أنّه يوجد في الإنسان شيء يدعى بالرّوح.

وثانياً: الرّوح الإنسانية قابلة للبقاء والاستقلال عن البدن, وليست هي من قبيل الأعراض والصور المادية التي تنعدم حين يتلاشى المحل.

وثالثاً: إنّ هويّة كلِّ امرئٍ مرتبطة بروحه, وبعبارةٍ أخرى: إنّ حقيقة كلِّ إنسان هي روحه, أمّا البدن فإنّه يقوم بدور الآلة بالنِّسبة للرّوح.

المفاهيم الرئيسة

1- الإيمان بالمعاد شرطٌ من شروط المجتمع البشريّ السَّليم. وهو لو تمَّ فلا يحتاج بعدها الإنسان كثيراً إلى استخدام القوَّة في سبيل تنفيذ القوانين والأحكام العادلة ومكافحة الظّلم والاعتداء على الآخرين.

 

2- الاعتقاد بالحياة الأُخروية، إنّما يكونُ له تأثيره في توجيه السّلوك والأفعال الفرديَّة والاجتماعيّة، فيما لو تمّ التّسليم بوجود نوع من علاقة بين ما يتحقّق في هذا العالم من المواقف والأفعال، والسعادة والشقاء في عالم الآخرة.

 

3- أشار القرآن الكريم إلى آثار إنكار المعاد ومضاعفاته، وذكرَ النِّعم الأبدية في الآخرة، كما وتعرَّض القرآن إلى أنواع العذاب الأبدي والعلاقة بين الأعمال الحسنة والسيئة مع نتائجها وآثارها الأخرويّة.

 

4- الرّوح هي العنصر الأصليّ والأساس في الإنسان، وما دامت باقية، فإنّ إنسانيّة الإنسان باقية، كما وإنّ تغير خلايا البدن وتبدلها لا يضر بروح الإنسان.

 

5- يذهب القرآن الكريم إلى وجود الرُّوح الإنسانية. وهذه الحقيقةُ القرآنيَّة مما لا تقبل الشكَّ والتردُّد، فهي الرّوح التي تنسب لله تعالى، لشدّة شرفها وسموّها.

 

6- إنّ ملاك هوية الإنسان وحقيقته هو روحه، التي يقبضها ملَك الموت، والتي تظلّ باقية، وليس أجزاء البدن التي تتلاشى وتتفرق في الأرض.

للمطالعة

 

الشفاعة الحقيقية[10]

بنيّ! لا تضيّع الفرصة وأصلح نفسك في الشباب.. على الشيوخ أيضاً أن يعلموا أنّهم يستطيعون ما داموا في هذا العالم أن يتلافوا الذنوب والمعاصي ولكن الأمر سيخرج من أيديهم إذا انتقلوا من هنا. إنّ التعلق بشفاعة الأولياء – عليهم السلام – والتجرّؤ في المعاصي هما من الخدع الشيطانية الكبيرة. انظروا في حالات أولئك الذين علّقوا الآمال على شفاعتهم، انظروا إلى تأوّهاتهم وأدعيتهم ولو اعجهم وخذوا العبر. وقد جاء في الحديث ما مضمونه أنّ عليكم أن تتوجّهوا غداً إلى محضر الله بالعمل ولا تظنّوا أنّ تعلّقكم بي ينفعكم في شي‏ء.

 

وفضلاً عن ذلك فإنّ من المحتمل أن تكون الشفاعة من نصيب الذين يكون ارتباطهم المعنوي مع الشفيع حاصلاً، والذين تكون رابطتهم الإلهية معهم بحيث يكون لديهم الاستعداد لنيل الشفاعة، وإذا ما لم يحصل هذا الأمر في هذا العالم فربما يستحقون الشفاعة بعد التصفيات والتزكيات في عذابات البرزخ، بل جهنّم، والله يعلم مقدار أمدهم.

 

وفضلاً عن ذلك، فقد وردت في القرآن الكريم آيات حول الشفاعة إذا أخذناها بنظر الاعتبار فإنّ من غير الممكن أن يكون هناك اطمئنان للإنسان، كقوله تعالى ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾, وكقوله ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾, وأمثالهما.

 

ففي نفس الوقت الذي تكون فيه الشفاعة ثابتة إلا أننا لا نعلم لمن ستكون ولأي جماعة وفي أية ظروف وفي أي وقت، وهو أمر لا يمكنه أن يُغري الإنسان ويشجّعه.

 

نعم إنّ لنا الأمل بالشفاعة ولكن هذا الأمل يجب أن يقودنا إلى طاعة الحق تعالى لا إلى معصيته!

 

الإمام الخميني قدس سره

 

[1] سورة القيامة، الآيات 3 ـ 5.

[2] سورة السجدة، الآية 11.

[3] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب: الكافي، ج 1، ص 134، تصحيح وتعليق علي أكبر غفاري، طهران، دار الكتاب الإسلامية, مطبعة حيدري، 1365 هـ. ش، ط2.

[4] سورة السجدة، الآية 9.

[5] سورة الحجر، 29. وص، 72.

[6] سورة السجدة، الآية 10.

[7] سورة السجدة، الآية 11.

[8] سورة الزمر، الآية 42.

[9] سورة الأنعام، الآية 93.

[10] صحيفة الإمام الخميني قدس سره، ج 16، ص 170.

Check Also

Top 5 Islamic Shia Bookshops

Billionaires like Jeff Bezos of Amazon got 54% richer during the pandemic, using the shutdown of ...