الوقت_ بعد قرار قبول الكيان الصهيونيّ الغاصب منذ مدّة، كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي بشكل غير شرعيّ (منظمة دولية تتألف من 55 دولة إفريقية، تأسس في 9 يوليو/ تموز عام 2002) دون استشارة أيّ من الدول الأعضاء، وعقب إدخال الرباط في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الكيان الصهيونيّ الباغي، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في “الصحراء الغربيّة”، والمتنازع عليها مع ما تعرف بـ “جبهة البوليساريو”، تنسق الجزائر وجنوب إفريقيا في علاقاتهما الدبلوماسيّة للتأثير على قرارات القارة الإفريقيّة، لأنّ “مستقبل الأجيال القادمة في دول الاحتلال الصهيونيّ، مرتبط بقدر كبير بنشاط العدو في القارة الإفريقية”، (مقولة لثالث رئيس وزراء لكيان الإجرام الصهيونيّ 1963-1969).
ملف الصحراء
لا يخفى على أحد أنّ المغرب تحاول بكل ما أوتيت من قوة تطبيق مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ ولكن تحت سيادتها، فيما تُصر جبهة البوليساريو على الرفض الخطة المغربيّة الراميّة للسيطرة على أراضيهم، وتطالب بعمليّة استفتاء حول هذا الموضوع وترى أنّه السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة في ظل المساعي المغربيّة للسيطرة على كامل الإقليم الصحراويّ بعد التطبيع مع الصهاينة والحصول على الضوء الأخضر الأمريكيّ، فيا أكّدت الجزائر على دعمها لجبهة البوليساريو، لأنّ هذه المسألة مبدئيّة بالنسبة لها مثل دعمها لنيلسون مانديلا من قبل (سياسي راحل، مناهض لنظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا وثوريّ شغل منصب رئيس جنوب إفريقيا).
وبما أنّ الجزائر تنطلق في دعمها للشعب الصحراويّ من أنّ ملف الصحراء الغربيّة أمميّ بامتياز، ومن ضرورة مساندة الشعوب المناهضة للاستعمار، تتعاون مع جنوب إفريقيا في إعادة قضية نزاع الصحراء الغربية الى الواجهة لتحظى بالأولوية، خاصة أنّ الصحراء المُتنازع عليها، من أهم نقاط الخلاف بين الجزائر والمغرب، ويؤكد المسؤولون الجزائريون بشكل دائم على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الموضوع، خاصة وأن المغرب يتناسى عدم اعتراف هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بسيادة الرباط على الإقليم الصحراويّ.
وبالتزامن مع الإصرار الجزائريّ في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، ورفضها كل ما يمكن أن يثنيها عن مواقفها وخياراتها، اتفقت وزيرة خارجيّة جنوب إفريقيا مع نظيرها الجزائريّ، رمطان لعمامرة، على تحريك ملف الإقليم الصحراويّ لمواجهة قرار مجلس الأمن الدولي الصادر نهاية الشهر الماضي، ورفضه البلدان بحجة ميله إلى المغرب، ويقول البلدان أنّ القرار الأممي لم يكن متوازنا، لذلك جسدا هذا التنسيق للإلتزام الراسخ بدعم النضال المشروع للشعب الصحراويّ من أجل ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
وتتمثل الخطوة الجزائريّة الجنوب إفريقيّة من هذا المسلسل الدبلوماسي، في دفع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في نزع الصحراء، سيتفان دي ميستورا، المعين نهاية الشهر المنصرم إلى التنسيق الوثيق مع الاتحاد الإفريقيّ لضمان تنفيذ قرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الذي تم تبنيه في 9 آذار/ مارس 2021 بدعوة المغرب والجمهورية العربية الصحراويّة، وكلاهما عضوين في الاتحاد الإفريقي، لبدء مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة.
ومن الجدير بالذكر أنّ البلدين قد أعربا عن نيتهما تجاه استراتيجيّة التعاون والبدء في تطبيقها، وسمحت زيارة وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، إلى الجزائر نهاية الأسبوع المنصرم لوضع هذه الخطة قيد التجسيد والتطبيق، في ظل عد ارتياح مغربيّ من مبادرات الجزائر التي أعلنت الحرب الدبلوماسيّة ضده بصورة لا سابقة لها، وتعتمد على دولة رئيسية في القارة الإفريقية وهي جنوب إفريقيا التي لا تقل عن الجزائر دعما للشعب الصحراويّ، ويدرك المغرب مدى الضغط الذي سيواجهه في الاتحاد الإفريقي بعدما جعل البلدان القضية تحظى باهتمام كبير.
وما ينبغي ذكره أنّ للمغرب حلفاء في القارة السمراء مثل الغابون والسينغال ودول أخرى، لكنها لا تقدم على مبادرات مشابهة لتعديل كفة الميزان في هذا الصراع الدبلوماسيّ، وكان المغرب قد عاد الى الاتحاد الإفريقي منذ ثلاث سنوات لإلغاء دعم الأفارقة لجبهة البوليساريو التي تتمتع بكامل العضوية كدولة وهي “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي تحظى باعتراف بعض الدول الإفريقيّة.
التغلغل في إفريقيا
تسعى الجزائر وجنوب إفريقيا إلى محاربة النفوذ الصهيونيّ في القارة بدءاً من العمل على طرد الكيان الذي يتمتع بصفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، لأنّ تل أبيب تدرك جيداً أهمية قارة إفريقيا التي تملك قدرات وإمكانيات هائلة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة، ويضع قادة العدو هدفا إستراتيجيّاً بالتغلغل فيها، لما تمثّله من ثقل سياسيّ واقتصاديّ كبير، وباعتبارها سوقاً مفتوحة لمختلف منتجاتها ومن ضمنها العسكريّة، لهشاشة أوضاعها وسهولة الاندساس في مفاصلها.
إضافة إلى ذلك، أدرك العدو الصهيونيّ حاجته الملحة إلى من يدعمه في المحافل المختلفة القاريّة والدوليّة، فعمد إلى بناء الجسور العلاقات مع الدول طمعاً في أصواتها، وبالتالي منع الدبلوماسيّة المعادية للإجرام الصهيونيّ من استصدار قرارات ضد تل أبيب ومعاقبتها على دمويّتها، حيث إنّ الكيان المعتدي يعتبر نفسه وسيطاً بين الدول الإفريقيّة وواشنطن، وهو موضوع هام استغلّته العصابة الصهيونيّة باستمرار ضد الدول الضعيفة والفقيرة هناك.
ومن الناحية الاقتصاديّة، يعتبر العدو الصهيونيّ القاتل أكثر من يستغل المعادن الثمينة في قارة إفريقيا، حتى أصبح من أكبر مصدري الماس والذهب واليورانيوم وغيرها من الموارد، ورغم الادعاءات الصهيونيّة بأنّ تل أبيب تتبادل المصالح مع إفريقيا، إلا أنّ الواقع يؤكّد أنها تستغل تلك الدول بدعم أجنبيّ.
وبما أنّ العدو المستبد يمتلك علاقات دبلوماسيّة كبيرة في إفريقيا، ويتملك بحسب زعمه علاقات مع 46 دولة هناك، فإنّ أهمية الاعتراف به داخل الاتحاد الإفريقيّ يقدم له الكثير من التسهيلات في التعامل مع الدول والهيئات التابعة له، خاصة في المجال العسكري والاستخباريّ، وهو أكثر المجالات التي تنشط فيها تل أبيب هناك، سواء كان في مبيعات السلاح، أو التدريب الأمنيّ للجيوش الإفريقيّة، أو التقنيات وتكنولوجيا التجسس.
أيضاً، تبرع “إسرائيل” في تغذية الصراعات الإفريقيّة، حيث تستغل النزاعات المزمنة في كثير من الأقاليم، وتعمل على تغذية أطراف النزاع بالسلاح، كدعم نيجيريا في قضية “بيافرا”، وتغذية النزاع في جمهورية الكونغو وجنوب السودان وتشاد وغيرها الكثير الكثير، والدليل على كل ذلك ما أشار إليه رئيس قسم إفريقيا بالخارجية الصهيونيّة، حول أن سبب اكتساب إفريقيا أهمية كبيرة في سياسة العدو الخارجية هو “تنامي أهميتها الاقتصاديّة والسياسيّة“.
ولا يمكن أن تقل الناحية الثقافيّة عن كل ما ذُكر، وقد حاول العدو الغاصب إظهار نفسه على المستوى العالميّ بأنّه دولة تعرض شعبها للعنف والتمييز العنصريّ رغم أنّه أكبر كيان ممثل للإجرام والعنصريّة والاستبداد، وهو أيضا روج له في علاقاته مع القارة الإفريقية بأن كيانه الغاصب يشترك مع دول القارة السمراء في أنّهم تعرضوا للعنف و التمييز العنصريّ، لخلق نوع من التعاطف و التاريخ المأساوي المشترك بينهما رغم عدم صحة ذلك، إلي جانب ذلك قدمت تل أبيب نفسها على أنّها نموذج متقدم و متطور يمكن الاقتداء به من قبل الدول النامية مثل بعض دول إفريقيا كل هذا ساعد على اتساع دائرة العلاقات مع إفريقيا، و أدى إلى وصول العلاقات الصهيونيّ – الإفريقية إلى منزلة تعود بنفع كبير على العدو.
ومن المعروف أن مفاهيم الاحتلال والغزو والاستعمار اختلفت بشكل جذريّ عما سبق، ولم تعد المعركة في أيامنا هذه معركة الدبابات والصواريخ والبوارج فقط، بل أصبحت معركة السياسة والاقتصاد والحرب الفكريّة، وباعتبار القارة الإفريقية كانت وماتزال مطمعاً للغزاة والمحتلين، لاستغلال ثرواتها والاستفادة منها، وهذا الأمر لا يقتصر على العدو الصهيونيّ فقط، يمكننا القول أنّ القارة السمراء الرائعة يحاوطها بالفعل الكثير من المخاطر المستقبليّة المتمثلة في التدخلات الخارجيّة، وإن الخطوة الجزائرية بالتعاون مع جنوب إفريقيا ستحطم الأحلام الصهيونيّة بدءاً من الحدود مع المغرب وليس انتهاءاً عند القارة الإفريقيّة.