الدرس الثالث: إثبات ضرورة المعاد
December 13, 2021
الاسلام والحياة
313 Views
الدرس الثالث:
إثبات ضرورة المعاد
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يستدلّ على المعاد بدليل العدل والحكمة.
2- يستدلّ على المعاد بدليل الفطرة.
3- يستدلّ على المعاد بدليل الإمكان.
دليل العدل على إثبات المعاد
لقد ثبت لدينا بالأدلّة العقلية أنّ الله عزّ وجلّ عادل. وبمقتضى العدل الإلهي لا بدَّ من وجود يومٍ يحاسبُ فيه الناس على ما يقومون به من أعمال ليجازى المسيء ويثاب المحسن. لأنه لا يمكن تحقيق مجازاةٍ وافيةٍ للمجرم وبالمقدار الذي يستحقّه في دار الدنيا، وكذلك الأمر بالنسبة لمكافأة المؤمن فلا تمكن إثابته بالقدر الوافي مقابل أعماله وذلك نظراً لمحدودية هذه الدنيا. فلو لم يكن هناك معادٌ فهذا يعني أنّ الأفراد المحسنين لن تصل إليهم النِّعم الإلهيّة التي يستحقّونها، وكذلك لن يرى المسيء آثار ظلمه وتجاوزه كما ينبغي: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾[1].
وأيضاً: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾[2].
فإنَّ تساوي المؤمن مع الكافر، المظلوم مع الظالم، الأعمى مع البصير يوم القيامة منافٍ للعدالة الإلهيّة. إنّنا في معظم الأحيان نرى الكافر في هذه الدنيا في حالة نعمةٍ ورخاء، والمؤمن في حالة شقاء، ومقتضى العدالة الإلهيّة أن يكون هناك يومٌ يقطف فيه الإنسان ثمار عمله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[3].
وقال تعالى أيضاً: ﴿وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾[4].
دليل الحكمة على إثبات المعاد
إنّ مقتضى الحكمة الإلهيّة أن يوجد هدفٌ وغاية للخلق. إنّ عالم الخلقة عالمٌ عجيب التنظيم يسير نحو هدفٍ معيّن. والإنسان كمخلوق في هذا العالم – بل أشرف المخلوقات في هذا العالم – يسير أيضاً نحو هدفه وهو الكمال. إذ لا يمكن أن تكون هذه الدنيا المحدودة والمقرونة بالمصاعب هي الهدف من خلق الإنسان، فلا بدّ بمقتضى الحكمة التي تستوجب وجود هدفٍ لخلق الإنسان والعالم، من وجود عالم آخر يتحقّق فيه هذا الهدف وهو لقاء الله. ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾[5].
فإن لم يكن هناك قيامة ولم يكن هناك معاد فهذا يعني أنّ الخلق كان عبثاً، والله تعالى حكيم لا يصدر عنه أي فعل دون غاية. وتبيّن الآية الكريمة هذه الحقيقة: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾[6].
دليل الفطرة على إثبات المعاد
من المسائل الفطريّة التي جُبِل عليها الإنسان مسألة المعاد والقيامة. فلو تأمّل الإنسان في نفسه وفي وجدانه فإنّه سوف يرى فيها ميلاً نحو الحياة الأبديّة الدائمة فيتحرَّك لإرضاء هذا الميل الداخلي. وهذا الميل والتحرُّك نحو إرضائه لا يختصّ بزمانٍ معيّن بل هو دائم، ولذا لا يحبّ الإنسان الموت مهما كبُر في السن. وحيث كانت الحياة الدنيا حياةً فانيةً غير دائمة كان لا بدَّ من وجود عالمٍ آخر تكون الحياة فيه خالدةً أبديّة لا موت فيها، حتى يُشبع الإنسان فطرته هذه. وهذا العالم هو عالم الآخرة.
ومن تجلّيات هذا الأمر الفطري يمكن أن نلاحظ ما اتّخذه الإنسان القديم من تدابيرَ مع الأموات. فمثلاً كان المصريُّون القدامى يعتقدون بأنّ السعادة تتحقّق في
الحياة بعد الموت، ولذلك قاموا بالعمل على حفظ أبدان موتاهم وتحنيطها وجعلها مومياء، أو وضعوا مجسَّماً صغيراً على توابيتهم، حتى أنّهم ملأوا قبورهم ببعض الاحتياجات والمستلزمات كالأثاث وأنواع المأكولات والمشروبات ووسائل التسلية والرياضة والحياة، وإن كان الميِّت من أكابرهم جعلوا معه بعض الأشياء الأخرى كآلات الزينة ذات القيمة العالية[7].
وقد قرّر الامام الخميني قدس سره هذا الدليل على النحو التالي: إنّ المعاد أو يوم القيامة من الأمور الفطرية المجبولة عليها طينة البشر…
اعلم أنّ من الفطريات الإلهية التي فُطِرت عليها العائلة البشرية كافة هي فطرة حب الراحة. فلو أنك في كل أدوار التمدّن والتوحّش، والتديّن والعناد، رجعت إلى هذا الإنسان، الجاهل والعالم، والوضيع والشريف، والمدني والبدوي، وسألته: لِمَ كل هذا التعلّق المتنوِّع والأهواء الشتى؟ وما الغاية من تحمّل كل هذه المشقات والصعوبات والمعاناة في الحياة؟ فإنهم جميعاً وبكلمة واحدة وبلسان الفطرة الصريح يجيبون قائلين: إنّ كل ما يتوخونه إنما هو لراحتهم، والغاية النهائية والمرام الأخير وأقصى ما يتمنونه هو الراحة المطلقة الخالية من العناء. فلما كانت هذه الراحة التي لا تمازجها مشقة والتي لا يشوبها ألم ونقمة هي معشوقة الجميع، وكانت هذه المعشوقة المفقودة لدى كل إنسان مقصورة في شيء، لذلك فهو عندما يحب شيئاً يتصور محبوبه فيه، مع أنّ مثل هذه الراحة المطلقة لا وجود لها في كل أرجاء العالم وزواياه. إذ ليس من الممكن أن تعثر على راحة غير مشوبة بالألم. إنّ جميع نِعم هذا العالم يصاحبها العناء والعذاب المضني، وما من لذة إلاّ وفيها ألم. إنّ العذاب والتعب والألم والحزن والهم والغم تملأ أرجاء الأرض.
وعلى امتداد حياة الإنسان لن تجد فرداً واحداً يتساوى عذابه وراحته، ونعمته توازي تعبه ونقمته ونصبه، ناهيك عن الراحة الخالصة المطلقة. وبناءً على ذلك فإنّ معشوق
الإنسان لا يوجد في هذا العالم الدنيوي. إنّ العشق الفطري الذي جبل عليه أبناء البشر لا يكون من دون معشوق موجود فعلاً.
إذاً، لا بُدَّ من أن يكون هناك في دار التحقّق وعالم الوجود عالم لا تشوب راحته شائبة من ألم وعذاب وتعب، راحة مطلقة لا يخالطها شيء من العناء والشقاق، سرور دائم خالص لا يعتوره حزن ولا همّ. ذلك العالم هو “دار نعيم الله” عالم كرم ذات الله المقدّسة.
وهو عالم يمكن إثباته بفطرة الحرية ونفوذ الإرادة الموجودة في فطرة كل إنسان. ولما كانت مواد هذا العالم وما به من العسر والضيق مما يستعصي على حرية الإنسان وإرادته، فلا بُدَّ إذاً، أن يكون هناك عالم آخر تكون للإرادة فيه كلمة نافذة، ولا تستعصي مواده على إرادة الإنسان، ويكون الإنسان في ذلك العالم فعّالاً لما يشاء والحاكم بما يريد، حسبما تقتضيه الفطرة.
إذاً، يعتبر العشق للراحة والعشق للحريّة الجانبين المودعين لدى الإنسان، بموجب فطرة الله التي لا تتبدل، فيحلق بهما في عالم الملكوت الأعلى متقرباً إلى الله”[8].
دليل الإمكان على إثبات المعاد
من أهمِّ أدلَّة إمكان الشيء وقوعه في الخارج. إنّنا وبنظرة سريعة إلى الطبيعة نرى أنّ الأرض والشجر والنبات في فصل الشتاء تفقد حياتها الظاهريّة، وعند بداية الربيع تعود لتستعيد حياتها من جديد. وقد أكَّد القرآن الكريم على مسألة حياة الأرض لأجل نفي استبعاد وقوع المعاد، وذلك في مقابل منكري المعاد الذين لم يكن لديهم أيُّ دليلٍ على مدَّعاهم.
قال تعالى:
﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[9].
وفي روايةٍ أنّ أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كيف يحيي الله الموتى؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أما مررت بأرضٍ لك مجدبة ثم مررت بها مخصبة ثم مررت بها مجدبة ثم مررت بها مخصبة؟ قال: بلى. قال: ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾[10]“.
المفاهيم الرئيسة
1- إنّ من لوازم العدل الإلهي، وبملاحظة عدم إمكان مجازاة المحسن والمسيء في هذه الدنيا، أن يكون هناك عالمٌ آخر تستوفي فيه كل نفس ما تستحقه.
2- إنّ المولى الحكيم لم يخلقِ الإنسان عبثاً ودون غايةٍ وهو يصل إلى غايته عند المعاد والقيامة.
3- يرى الإنسانُ في نفسه ميلاً نحو الحياة الأبديّة، ويسعى بشكلٍ دائمٍ نحو إرضاء رغباته الداخليّة، ورغبته هذه لا تتحقّق إلا في عالم الآخرة، فالإيمان إذاً بالمعاد من الأمور التي فطر عليها الإنسان.
4- توجد أدلّةٌ أخرى على المعاد كإحياءِ الأرض بعد موتها حيث تدلّنا عملية الإحياء هذه على وجود حياةٍ بعد الموت.
للمطالعة
أحقاب العذاب[11]
إنّ الله تبارك وتعالى ذو عناية بعباده، أعطاهم العقل، وأعطاهم القدرة على تهذيب أنفسهم، ولم يكتف بذلك، بل أرسل اليهم الأنبياء، وأنزل عليهم الكتب، وأرسل الأولياء، وأرسل المهذبين. وإذا لم يحقّق كلُّ ذلك أثراً على العباد، فإنّ الله تعالى يعرض عبيده للقيد والخناق، ويعرّضهم للسجن، فيمنعونهم من بعض الأعمال، ويخلعون عمائمهم، ويهينونهم آلاف الإهانات. إن ذلك كله عناية من الله بكم، غير أننا لا ندرك مدى اللطف في ذلك. ومع كل ذلك إذا لم يصلح أمر الإنسان فإن الله تعالى يبتليه بالأمراض، وإذا لم يؤثّر ذلك أيضاً، فإنه تعالى يضيق عليه كثيراً عند النزع، وإذا لم تنفع تلك الأمور أيضاً، فإن هناك مهالك وعقبات في البرزخ، إن لم تنفع هي الأخرى يتعرّض في يوم القيامة إلى ضغوط عظيمة، كل ذلك من أجل ألا ينتهي به الأمر إلى جهنم، ولكن ماذا لو لم ينفع معه كل ذلك؟ حينها سينتهي به الأمر إلى “آخر الدواء الكي” – لا سمح الله -.
ورد في الحديث أنّ هذه الآية ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ تصف حال أولئك الذين هم من أهل الهداية، أي من أمثالي وأمثال سماحتكم، هؤلاء يلبثون في جهنم أحقاباً، كل حقبة من تلك الأحقاب عدة آلاف من السنين.
إخواني، إنّ أحدكم اليوم لا يمكنه الإمساك بحجر محمّى، فكيف هناك؟ إنها النار، فاحذروا النار، أخرجوا هذه النيران من الحوزات، أخرجوا هذه الاختلافات من قلوبكم، هذّبوا أنفسكم، فأنتم تهدفون إلى العودة إلى المجتمع لتهذيبه، وإن لم يحصل منكم التهذيب، فهل يتمكن من لا يستطيع السيطرة على نفسه أن يسيطر على الآخرين؟
الإمام الخميني قدس سره
[1] سورة ص، الآية 28.
[2] سورة غافر، الآية 58.
[3] سورة غافر، الآية 59.
[4] سورة الجاثية، الآية 22.
[5] سورة ص، الآية 27.
[6] سورة المؤمنون، الآية 115.
[7] تاريخ الأديان الجامع، ترجمة علي أصغر حكمت، ص41.
[8] الإمام الخميني قدس سره، روح الله الموسوي، الاربعون حديثاً، ص229-230.
[9] سورة الروم، الآية 50.
[10] القرطبي، تفسير القرطبي، ج1، ص195، تصحيح أحمد عبد العليم البردوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
[11] صحيفة الإمام الخميني قدس سره، ج2، ص28.
2021-12-13