مواعظ شافية

12- حسن العاقبة

يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه:

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ1

1- سورة القصص، الآية: 83.

 

تمهيد

من المسائل المهمّة جدّاً في حياتنا وسلوكنا وعلاقتنا مع الآخرين مسألةُ تقييم الأشخاص وكيفيّة التعامل معهم، هل على أساس الماضي فقط؟ أم على أساس الحاضر؟ وما هي الأسس الّتي نبني عليها موقفنا العاطفيّ والعمليّ تجاههم؟

فإذا أردنا تقييم إنسانٍ ما، فإنّ من الجَور أن نبني موقفنا على ماضيه فقط، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار حاضر هذا الإنسان. أمّا الّذي يختلف ماضيه عن حاضره؛ فإنّ الإسلام يقودنا للتعاطي معه على أساس حاضره، فالمهمّ هو حاضر الإنسان الآن وواقعه الحاليّ.

 

وبناءً على ذلك، فإنّ المعيار الّذي يتعلّق بحسابات وموازين الآخرة في تقييم الأشخاص هو حالهم عند رحيلهم عن هذه الدنيا؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنّة سبعين سنة فيحيف (يظلم) في وصيّته فيختم له بعمل أهل النار، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيّته فيختم له بعمل أهل الجنّة”2.

 

فالرواية تشير إلى أنّ العمل الّذي يختم به الإنسان حياته مؤشرٌ على حاله ووزنه في الآخرة.

2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 200.

حسن العاقبة: دعاءُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام

 

إنّ الّذي يجب أن يشغل بال الإنسان حقيقةً ليس الحاضر فقط بل حاله ومآله في المستقبل؛ مستقبل دينه وسلوكه وأخلاقه والتزامه، التزامه الفكريّ والسياسيّ والعمليّ. فهذا الّذي ينبغي أن يشغل حيّزاً كبيراً من تفكيره؛ ولهذا نجد في الأدعية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام الطلب من الله أن يختم حياتهم بالخير وأن يرزقهم حسن العاقبة وأن يجعل عواقب أمورهم خيراً.

 

وهنا، علينا أن نفكّر ماذا ينبغي أن نفعل لتكون خاتمتنا طيّبة فتحسن عاقبتنا؟ وما هي الأمور الّتي علينا أن نحذر منها ونبتعد عنها حتّى لا تسوء عاقبتنا؟

 

عوامل مؤثّرة في العاقبة

 

إنّ العوامل والأمور المؤثّرة في هذا المقام كثيرة، ولكنّنا سنتعرّض للمهمّ والمؤثّر منها:

 

1-الأمن من مكر الله سبحانه وتعالى:

ويكون ذلك من خلال اطمئنان الإنسان إلى عمله الماضي واعتبار نفسه متديّناً، مجاهداً ومضحّياً… وقد يصل به ذلك إلى الإعجاب بعمله والاغترار به.

وهذا الأمن من مكر الله سبحانه يؤدّي إلى نتائج سلبيّة على المستوى الروحيّ. ومع الوقت يجد الإنسان نفسه في مكان آخر؛ مع العصاة والظالمين. يقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: “يا ابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره”3.

فانتبه أيّها الإنسان من أن تعتَبر نفسك أهلاً لهذه النّعم. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذّر من هذا الأمر ويوصي المؤمن بأن يكون خائفاً وقلقاً من سوء العاقبة، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

3- نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام )، الشريف الرضي، ج 4، ص 7.

“لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له…”4. فقلق المؤمن وخوفه ينتهيان عند نزع الروح. فما دام التكليف فعليّاً عليه فهو في حالة خوفٍ وقلقٍ من أن يختم حياته بعملٍ سيّئ فتسوء عاقبته لا سمح الله.

 

2- اليأس من رحمة الله:

عندما يتذكّر الإنسان ماضيه السيّئ ومعاصيه وآثامه وخطاياه اّلتي قد ارتكبها قد ييأس من رحمة الله, ويعتبر أنّ باب التوبة قد أُغلق بوجهه، وهذا يجعله يغرق أكثر في المعصية، وبالتالي تسوء خاتمته وعاقبته.
 

إلا أنّ الجواب الإلهيّ على مثل هذا اليأس قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا5, فالآية تقرّر أنّ باب التوبة والإنابة والرجوع إلى الله مفتوح ولا يجوز للإنسان أن ييأس من رَوح الله مهما كانت ذنوبه ومعاصيه كثيرة. إلّا أنّ هناك أمراً لا بُدّ من الالتفات إليه، وهو أنّ هذا الاستغفار لا علاقة له بما تعلَّق في ذمّة الإنسان من حقوق الناس، كالاعتداء عليهم أو على أموالهم وممتلكاتهم. فلا بُدّ من إرجاع الحقوق إلى أصحابها والاستحلال منهم، فإنّ ذلك شرط لقبول التوبة.

من هذين العاملين نفهم معنى أن يعيش الإنسان المؤمن بين الخوف والرجاء؛ فلا الأمن من مكر الله جائز ولا اليأس من رحمته جائز أيضاً.

 

3- الغفلة عن الله سبحانه وتعالى:

فالإنسان المؤمن بالله سبحانه يمكن أن يغفل عنه وينساه, هذه الغفلة إذا طالت فإنّها تؤدّي إلى قسوة القلب وإلى البعد عن الله، بل الله سبحانه قد ينسانا﴿نَسُواْ

4- بحار الأنوار، ج 6، ص 176.

5- سورة الزمر، الآية: 53.

 اللّهَ فَنَسِيَهُمْ6 ويكلنا إلى أنفسنا ويرفع عنّا عنايته وهدايته ولطفه، وبالتالي ستكون عاقبتنا وخاتمتنا سيّئة. وكذلك عندما نأتي لموضوع الغفلة عن الموت وعمّا بعد الموت فإنّ ذلك يؤدّي إلى قسوة القلب والتعلّق بالدنيا والغرق في الشهوات والأطماع والأهواء فتسوء عندئذٍ العاقبة والخاتمة.

 

فالّذي يغفل عن الله ولا ينتبه إلى انغماسه في المعاصي لا يجد ما يردعه عن تلك الأفعال والأقوال, ولكن، بالمقابل، الّذي يبقى يقظاً من خلال حضور الله سبحانه وتعالى في وجدانه لا يغفل ولا ينسى، بل يبقى ذاكراً، وهنا الذكر ليس المراد منه الذكر اللسانيّ، بل الذكر الحقيقيّ الّذي نرى من خلاله حضور الباري عزّ وجلّ في كلّ المواقف، فلا نعصيه خجلاً وحياءً منه، ولا نطيعه تقرّباً وتزلّفاً للناس، بل شوقاً وحبّاً له عزّ وجلّ.

 

هذا التذكُّر لله سبحانه والانتباه إلى حضوره وإلى مراقبته وإلى أنّه سميعٌ وبصير ومحيط، يمنع الإنسان من المعصية ويشجّعه على الطاعة. وفي حديث للإمام الباقر عليه السلام قال: “ثلاثٌ من أشدّ ما عمل العباد: إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال؛ وهو أن يذكر الله عزّ وجلّ عند المعصية يهمُّ بها فيحُول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية، وهو قول الله عــــــزّ وجـــلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ7 8.

فلنتأمّل، في هذه الأمور الثلاثة الّتي ذكرتها الرواية فإنّها من أشدّ ما فرض الله:

6- سورة التوبة، الآية: 67.

7- سورة الأعراف، الآية: 201.

8- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 131.

الأمر الأوّل: إنصاف الناس من نفسك

وفي الواقع تحقيق هذا الأمر بحاجة إلى مجاهدة وإلى مرتبة عالية من الإيمان، فأن تحكم بالعدل بين المتخاصمين أمر جيّد ومطلوب، ولكن أن تحكم بالعدل فيما لو كنت أنت نفسك أو أحد أقربائك طرفاً في القضيّة، فهذا بحاجة إلى إخلاص وإلى مرتبة عالية من التقوى والورع والتوفيق الإلهيّ.

 

الأمر الثاني: مواساتك لأخيك

أن تواسي أخاك في مالك إذا احتاج إليه أو وقع في مشكلة فتعينه وتشدّ أزره. وهنا كلمة الأخ مطلقة يراد منها الأخ في الإيمان وهي أعمّ من الأخ الرحميّ، وإن كان الأخ المؤمن الرحميّ صاحب حاجة فهو أولى من غيره.

 

الأمر الثالث: ذكر الله على كلّ حال

هذا الذكر الّذي يرغّبك في طاعة الله ويقوّي عزيمتك ويدفعك ويحثُّك للاقتراب أكثر في ساحة العبوديّة لله سبحانه وتعالى، كما أنّه يردعك ويمنعك من ارتكاب المعصية.

وفي الواقع، إنّ التجربة تقودنا إلى أن لا نركن إلى أيّة ضمانات وأن لا ندع طول الأمل يدخل ساحتنا، فلا الشباب ولا الصحّة ولا المال يمكن أن تشكّل ضمانة للإنسان لتجنّب سوء العاقبة وسوء الخاتمة.

وفي هذا السياق نرى أنّ الكثير من التشريعات الإسلاميّة جاءت لتحثَّ الإنسان على التذكّر والتفكّر بالعاقبة والخاتمة، ومن ذلك استحباب إعلام المؤمنين عند موت الإنسان، ومواساة أهله، واستحباب زيارة القبور.. فكلّ هذه الأمور تحيي قلب الإنسان بالموعظة وتجعله ذاكراً، لا يغفل ولا ينسى ربّه.

عن الإمام الباقر عليه السلام: “إيّاك والغفلة، ففيها تكون قساوة القلب”9.

9- بحار الأنوار، ج 75، ص 164.

4- التقوى والتزكية:

يقول تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى10،ويقول:﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ11.

نستفيد من هاتين الآيتين أنّ العاقبة الحسنة هي نتاج التقوى, والتقوى تعني أن يتّقي الإنسان كلّ ما يُفضي إلى الإثم ويوقعه فيه؛ ولذلك ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: “التقوى اجتناب”12، وبمعنى آخر التقوى تعني المراقبة، أي أن يعيش الإنسان حالةً يراقب فيها نفسه وأقواله وأعماله فيردعها عن ارتكاب الذنوب وفعل المعاصي ويشجّعها على فِعل الطّاعات والواجبات.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأبي ذر: “عليك بتقوى الله فإنّها رأس الأمر كلّه”13. فالتقوى هي الأساس والأصل للأمور الثلاثة الّتي تقدّم ذكرها، ومن حصل عليها فقد تمسّك برأس الأمر كلّه.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: “أيسرُّكَ أن تكون من حزب الله الغالبين؟ اتّق الله سبحانه وأحسن في كلّ أمورك، فـ ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾1415. والحديث الأخير في مسألة التقوى هو ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “التقوى حصنٌ حصين…”16. فالمتّقي محصَّن، فلا شياطين الجنّ والإنس ولا الفضائيّات ولا الإنترنت ولا زخارف الدنيا وبهارجها ولا كلّ ما يراه ويسمعه يمكن أن ينالوا من عزمه وإرادته والتزامه واندفاعه وتقواه.

10- سورة طه، الآية: 132.

11- سورة القصص، الآية: 83.

12- عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص 60.

13- بحار الأنوار، ج 63، ص 289.

14- سورة النحل، الآية: 128.

15- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 600.

16- بحار الأنوار، ج 75، ص 62.

التزكية ضمانة التقوى

 

وأمّا التزكية الّتي من خلالها يصل الإنسان إلى مرحلة يسيطر فيها على قواه النفسيّة والجسديّة فتصبح نفسه مطيعةً ومنسجمةً ومقتنعةً وتابعةً لما يريده الله سبحانه، فلا يحتاج بعدها المرء لمعركة مع نفسه الأمّارة حتّى يتخلّى عن الذنب ويتركه، بل يرى أنّه من السهل اجتناب المعاصي والذنوب. هذه التزكية بحاجة إلى تربية وجهد وعناء وصبر وعزيمة وإصرار وتوكّل وإرادة، وبالتالي يصبح عندنا ضمانة للتقوى ولحسن العاقبة ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا17، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾18.

وفي الختام نذكر أنّ هناك أعمالاً خاصّة تساعد على حسن العاقبة، منها قضاء حوائج الإخوان والإحسان إليهم، فعن الإمام الكاظم عليه السلام: “إنّ خواتيم أعمالكم قضاءُ حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم، وإلّا لم يقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا”19.

نسأل الله سبحانه وتعالى حُسن العاقبة، وأن يختم لنا بخير، وأن يُعيننا على أنفسنا، وعلى ابتلاءاتنا، وعلى اختباراتنا، وعلى امتحاناتنا؛ لنكون إن شاء الله من أهله ومن أهل جنّته ورضوانه ومن أهل جواره، وهذا ما يحتاج إلى الدعاء والنيّة والعزم والإرادة والجهد.

17- سورة الشمس، الآية: 9.

18- سورة الأعلى، الآية: 14.

19- بحار الأنوار، ج 72، ص 379.

 للمطالعة

العالم المنحرف “بلعم بن باعوراء”20

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾21

 

تحكي هذه الكلمات الإلهيّة قصّة رجل كان في البداية في صفّ المؤمنين، وحاملاً للعلوم الإلهيّة والآيات، إلا أنّه انحرف عن هذا النهج، فوسوس له الشيطان، فكانت عاقبة أمره أن انجرّ إلى الضلال والشقاء!

 

نعم، ليس هناك ذكر لاسم أحد بعينه، بل تحدثت الآيتان عن عالم كان يسير في طريق الحقّ ابتداء وبشكل لا يفكّر معه أحد بأنّه سينحرف يوماً، إلّا أنّه نتيجة لاتباعه لهوى النفس وبهارج الدنيا انتهى إلى السقوط في جماعة الضالّين واتّباع الشياطين.

 

غير أنّنا نستفيد من الروايات وأحاديث المفسّرين أنّ هذا الشخص يسمّى (بعلم بن باعوراء) الّذي عاصر النبيّ موسى عليه السلام وكان من مشاهير علماء بني إسرائيل، حتّى أنّ موسى عليه السلام كان يعوّل عليه على أنّه داعية مقتدر، وبلغ أمره أنّ دعاءه كان مستجاباً لدى الباري جلّ وعلا، لكنّه مال نحو فرعون وإغراءاته فانحرف عن الصواب، وفقد مناصبه المعنويّة تلك حتّى صار بعدئذٍ في جبهة أعداء موسى عليه السلام.

 

ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: “الأصل من ذلك بلعم، ثمّ ضربه الله مثلا لكلّ مؤثرٍ هواه على هوى الله من أهل القبلة”.

20- تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، ج5، ص297, بتصرّف.

21- سورة الأعراف، الآيتان: 175- 176.
ومن هذا يتبيّن أنّ الخطر الأكيد الّذي يهدّد المجتمعات الإنسانيّة هو خطر المثقّفين والعلماء الّذين يسخّرون معارفهم للفراعنة والجبّارين؛ لأجل أهوائهم وميولهم الدنيويّة (والإخلاد إلى الأرض) ويضعون كلّ طاقاتهم الفكريّة في سبيل الطاغوت الّذي يعمل ما في وسعه لاستغلال مثل هذه الشخصيّات لإغفال وإضلال عامّة الناس.

 

ولا يختص الأمر بزمن النبيّ موسى عليه السلام أو غيره من الأنبياء عليهم السلام ، بل حتّى بعد عصر النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا نجد أمثال بلعم بن باعوراء وأبي عامر الراهب وأميّة بن الصلت، يضعون علومهم ومعارفهم ونفوذهم الاجتماعيّ من أجل الدرهم والدينار، أو المقام، أو لأجل الحسد، تحت اختيار المنافقين وأعداء الحقّ والفراعنة أمثال بني أميّة وبني العباس وسائر الطواغيت.

 

ويمكن معرفة أولئك العلماء من خلال أوصاف أشارت إليها الآيات محلّ البحث، فإنّهم ممّن نسي ربّه واتّبع هواه، وهم ذوو نزوات سخّروها للرذيلة بدل التوجّه نحو الله وخدمة خلقه، وبسبب هذا التسافل فقدوا كلّ شيء ووقعوا تحت سلطة الشيطان ووساوسه، فسهل بيعهم وشراؤهم، وهم كالكلاب المسعورة الّتي لا ترتوي أبداً، ولهذه الأمور ترك هؤلاء سبيل الحقيقة وضلّوا عن الطريق حتّى غدوا أئمّة الضلال.

 

ويجب على المؤمنين معرفة مثل هؤلاء الأشخاص والحذر منهم واجتنابهم.

شاهد أيضاً

عجائب بسم الله الرحمن الرحيم – الشيخ مهدي المجاهد

ورد في القرآن الكريم 113 مرة «بسم الله الرحمن الرحيم» في بداية كل سورة ما ...