الرئيسية / الاسلام والحياة / اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 12

اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 12

أضرار الغضب :

للغضب أضرار جسيمة ، وغوائل فادحة ، تضرّ بالانسان فرداً ومجتمعاً ، جسمياً ونفسياً ،
مادياً وأدبياً . فكم غضبة جرحت العواطف ، وشحنت النفوس بالاضغان ، وفصمت عرى التحابب
والتآلف بين الناس . وكم غضبة زجت أناساً في السجون ، وعرضتهم للمهالك ، وكم غضبة
أثارت الحروب : وسفكت الدماء ، فراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء .
كل ذلك سوى ما ينجم عنه من المآسي والأزمات النفسية ، التي قد تؤدي إلى موت الفجأة .
والغضب بعد هذا يحيل الانسان بركاناً ثائراً ، يتفجر غيطاً وشراً ، فإذا هو إنسان في
واقع وحش ، ووحش في صورة إنسان .

فإذا بلسانه ينطلق بالفحش والبذاء ، وهتك الأعراض ، وإذا بيديه تنبعثان بالضرب
والتنكيل ، وربما أفضى إلى القتل ، هذا مع سطوة الغاضب وسيطرته على خصمه ، وإلا انعكست
غوائل الغضب على صاحبه ، فينبعث في تمزيق ثوبه ، ولطم رأسه ، وربّما تعاطى أعمالاً
جنونية ، كسبّ البهائم وضرب الجمادات .

الغضب بين المدح والذم :
الغضب غريزة هامة ، تُلهب في الانسان روح الحمية والإباء ، وتبعثه
على التضحية والفداء ، في سبيل أهدافه الرفيعة ، ومثله العليا ، كالذود عن العقيدة ،
وصيانة الأرواح ، والأموال ، والكرامات . ومتى تجرد الانسان من هذه الغريزة صار عرضة
للهوان والاستعباد ، كما قيل « من استُغضِب فلم يغضب فهو حمار » .
فيستنتج من ذلك : أنّ الغضب المذموم ما أفرط فيه الانسان ، وخرج به عن الاعتدال ،
متحدياً ضوابط العقل والشرع . أما المعتدل فهو كما عرفت ، من الفضائل المشرّفة ، التي
تعزز الانسان ، وترفع معنوياته ، كالغضب على المنكرات ، والتنمّر في ذات اللّه تعالى .

علاج الغضب :
عرفنا من مطاوي هذا البحث ، طرفاً من بواعث الغضب ومساوئه وآثامه ، والآن أودّ أن
أعرض وصفة علاجية لهذا الخُلق الخطير ، وهي مؤلفة من عناصر الحكمة النفسية ، والتوجيه
الخلقي ، عسى أن يجد فيها صرعى الغضب ما يساعدهم على مكافحته وعلاجه .
وإليك العناصر الآتية :

( 1 ) – إذا كان منشأ الغضب اعتلالاً صحياً ، أو هبوطاً عصبياً كالمرضى والشيوخ ونحاف
البنية ، فعلاجهم – والحالة هذه – بالوسائل الطبية ، وتقوية صحتهم العامة ، وتوفير
دواعي الراحة النفسية والجسمية لهم ، كتنظيم الغذاء ، والتزام النظافة ، وممارسة
الرياضة الملائمة ، واستنشاق الهواء الطلق ، وتعاطي الاسترخاء العضلي بالتمدد على الفراش .
كل ذلك مع الابتعاد والاجتناب عن مرهقات النفس والجسم ، كالإجهاد الفكري ، والسهر
المضني ، والاستسلام للكئابة ، ونحو ذلك من دواعي التهيج .

( 2 ) – لا يحدث الغضب عفواً ، وإنّما ينشأ عن أسباب تستثيره ، أهمها : المغالاة في
الأنانية ، الجدل والمراء ، الاستهزاء والتعيير ، المزاح الجارح . وعلاجه في هذه الصور
باجتناب أسبابه ، والابتعاد عن مثيراته جهد المستطاع .
( 3 ) – تذكّر مساوئ الغضب وأخطاره وآثامه ، وأنها تحيق بالغاضب ، وتضرّ به أكثر من
المغضوب عليه ، فرب أمر تافه أثار غضبة عارمة ، أودت بصحة الانسان وسعادته .
يقول بعض باحثي علم النفس : دع محاولة الاقتصاص من أعدائك ، فإنك بمحاولتك هذه تؤذي
نفسك أكثر مما تؤذيهم . . . إننا حين نمقت أعداءنا
نتيح لهم فرصة الغلبة علينا ، وإنّ أعداءنا ليرقصون طرباً لو علموا كم يسببون لنا
ممن القلق وكم يقتصّون منّا ، إنّ مقتنا لا يؤذيهم ، وإنّما يؤذينا نحن ، ويحيل أيامنا
وليالينا إلى جحيم ( 1 ) .

وهكذا يجدر تذكر فضائل الحلم ، وآثاره الجليلة ، وأنّه باعث على اعجاب الناس وثنائهم ،
وكسب عواطفهم .
وخير محفّز على الحلم قول اللّه عز وجل : « إدفع بالتي هي أحسن
فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم ، وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما
يلقّاها إلا ذو حظ عظيم » ( فصلت : 34 – 35 )
( 4 ) – إنّ سطوة الغضب ودوافعه الاجرامية ، تعرّض الغاضب لسخط اللّه تعالى وعقابه ،
وربما عرّضته لسطوة من أغضبه واقتصاصه منه في نفسه أو في ماله أو عزيز عليه . قال
الصادق عليه السلام : « أوحى اللّه تعالى إلى بعض أنبيائه : ابنَ آدم أذكرني في غضبك
أذكرك في غضبي ، لا أمحقك فيمن أمحق ، وارض بي منتصراً ، فانّ انتصاري لك خير من
انتصارك لنفسك » ( 2 ) .

( 5 ) – من الخير للغاضب إرجاء نزوات الغضب وبوادره ، ريثما تخفّ سورته ، والتروّي في
أقواله وأفعاله عند احتدام الغضب ، فذلك مما يخفّف حدّة التوتر والتهيج ، ويعيده إلى
الرشد والصواب ، ولا يُنال ذلك إلا بضبط النفس ، والسيطرة على الأعصاب .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إن لم تكن حليماً فتحّلم ، فإنّه قَلّ من تشبه بقوم
إلا أوشك أن يكون منهم » ( 3 ) .

( 6 ) – ومن علاج الغضب : الاستعاذة من الشيطان الرجيم ، وجلوس الغاضب إذا كان قائماً ،
واضطجاعه إن كان جالساً ، والوضوء أو الغسل بالماء البارد ، ومس يد الرحم إن كان
مغضوباً عليه ، فإنه من مهدئات الغضب .

شاهد أيضاً

    إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: الشعوب المسلمة تتوقع من حكوماتها قطع العلاقات مع ...