الرئيسية / بحوث اسلامية / الاحتجاج – الشيخ الطبرسي 3

الاحتجاج – الشيخ الطبرسي 3

يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل.
وعنه عليه السلام قال: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه إلا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذي بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم وبحضرة أئمتهم الذين كانوا إليهم يدعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه وتحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم (1) إلى سواء الجحيم.
وقال أيضا أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: إن محبي آل محمد صلى الله عليه وآله مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم من مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم يسلطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله يذودوهم (2) عن أولياء آل رسول الله صلى الله عليه وآله حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن إضلالهم، قضى الله تعالى بذلك قضاءا حقا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: قال علي بن أبي طالب عليه السلام من قوى مسكينا في دينه ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف فأفحمه (3)
(1) الدع: الدفع بعنف.
(2) الذود: الطرد والمنع.
(3) أفحمه: اسكته
(١٠)
كانوا مجتمعين يتكلمون فتستمع عليهم فسيستدعون منك الكلام فتكلم وافحم صاحبهم واكسر عربه (1) وفل حده (2) ولا تبق له باقية، فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا وكلم الرجل فأفحمه وصيره لا يدري في السماء هو أو في الأرض.
قالوا: ووقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصبين له من الغم والحزن مثل ما لحقنا من السرور. فلما رجعنا إلى الإمام قال لنا: إن الذين في السماوات لحقهم من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم، ولقد صلى على هذا العبد الكاسر له ملائكة السماء والحجب والعرش والكرسي، وقابلهما الله تعالى بالإجابة فأكرم إيابه وعظم ثوابه، ولقد لعنت تلك الأملاك عدو الله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدد حسابه وأطال عذابه.
(1) عربه: حدته، وفي بعض النسخ ” عرنينه ” وهو أول الأنف تحت مجتمع الحاجبين.
(2) فل حده: مثل حد سيفه، وهو كناية عن كسر الشوكة.
(١٣)
فصل ” في ذكر طرف مما جاء عن النبي (ص) من الجدال والمحاجة والمناظرة ” ” وما يجري مجرى ذلك مع من خالف الإسلام وغيرهم ” قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله يقول: ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ” (1) وقوله:
” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ” (2) فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: ” وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ” (3) وقال الله تعالى: ” تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ” (3) فجعل الله علم الصدق والإيمان بالبرهان، وهل يؤتي ببرهان إلا بالجدال بالتي هي أحسن.
قيل: يا بن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن وبالتي ليست بأحسن؟ قال: أما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجادل به مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد بذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له
(١) العنكبوت: ٤٦.
(٢) النحل: ١٢٥ (3) البقرة: 111.
(١٤)
على باطله، وأما الضعفاء منكم فتغم قلوبهم (1) لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.
وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له، فقال الله له حاكيا عنه: ” وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ” فقال الله تعالى في الرد عليه: ” قل [يا محمد] يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ” (2) إلى آخر السورة، فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟
فقال الله تعالى: قل ” يحييها الذي أنشأها أول مرة ” أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال ” الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ” أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما بلى أقدر، ثم قال ” أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ” (3) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي، فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي.
قال الصادق عليه السلام: فهو الجدال بالتي هي أحسن، لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم. وأما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر.
وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: فقام إليه رجل آخر وقال: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله أفجادل رسول الله؟ فقال الصادق عليه السلام: مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله، أليس الله قد قال: ” وجادلهم بالتي هي أحسن ” و ” قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ” لمن ضرب الله مثلا، أفتظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله خالف ما أمر
(١) تغم قلوبهم: تغطي قلوبهم.
(٢) يس ٧٨ – ٨٠.
(٣) يس: ٨١.
(١٥)

شاهد أيضاً

هبة السماء ، رحلتي من المسيحية إلى الإسلام

عيسى (ع) وحياته في (العهد الجديد) من الأمور المهمة في العقيدة المسيحية والتي يحملها كل ...