الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني33

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني33

33

فالعبد لا زال بسوء ظنّه ، وقلّة رضائه بالقضاء ، وشدة انزعاجه من واردات الابتلاء ، يستجلب لنفسه بلاءً فوق بلاء ، ويقلب ما عليه نعمة إلى الوبال والنقمة.
وفي (الجواهر السنية ) عن الرضا (ع) ، عن أبيه (ع) ، عن آبائه قال: قال رسول الله (ص) :
أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه أن : أُخبر فلاناً الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا.
فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، فقال : يا رب ، أجّلني حتى يشب طفلي ، وأقضي أمري.
فأوحى الله إلى ذلك النبي : أن أءت ذلك الملك ، فاعلمه أني قد أنيت في أجله ، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.
فقال ذلك النبي : يا رب ، أنت تعلم أني لم أُكذّب قط ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : إنما أنت مأمـورٌ ، فأبلغـه ذلك ، والله لا يُسأل عما يَفعل [ الجواهر السنية : 123] .. انتهى الحديث الشريف.

فلا شكّ أنّ الانقطاع إلى الله عزّ وجلّ ، والالتجاء إليه ، وحسن الظنّ به ، ومبادرة الأمر بالصدقة ، والدعاء ، وصلة الرحم ، لها تسبّبٌ في تبديل واردات القضاء.
اللهم !.. إن كنت عندك شقياً ، أو محروماً مقتراً عليّ رزقي ، فاكتبني عندك سعيدا مرحوما ، دارّاً عليّ رزقي ، فإنك قلت في كتابك :
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. البحار : 87/135..

فيا أخي !.. كيف لا يرضى العبد بقضاء ربّه ؟.. وقد روى الرضا (ع) عن آبائه (ع) ، عن رسول الله (ص) أنّ الله يقول:
يا بني آدم !.. كلكم ضالٌّ إلا من هديت ، وكلكم عائلٌ إلا من أغنيت ، وكلكم هالكٌ إلا من أنجيت ، فاسألوني أكفكم وأهدكم سبيل رشدكم.
إنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفاقة ، ولو أغنيته لأفسده ذلك.
وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ، ولو أمرضته لأفسده ذلك.
وإنّ من عبادي لمن يجتهد في عبادتي وقيام الليل لي ، فألقي عليه النعاس نظرا مني له ، فيرقد حتى يصبح ، ويقوم حين يقوم وهو ماقتٌ لنفسه ، زارٍ عليها ، ولو خلّيت بينه وبين ما يريد لدخله العجب بعملـه ، ثم كان هلاكه في عجبه ورضاه عن نفسه ، فيظنّ أنه قد فاق العابدين ، وجاز باجتهاده حدّ المقصّرين ، فيتباعد بذلك مني وهو يظنّ أنه يتقرّب إليّ به.

ألا فلا يتّكل العاملون على أعمالهم وإن حَسُنت ، ولا ييأس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم وإن كَثُرت ، ولكن برحمتي فليثقوا ، ولفضلي فليرجـوا ، وإلى حسن نظري فليطمئنّوا ، وذلك أني أدبّر عبادي بما يُصلحهم ، وأنا بهم لطيفٌ خبير . [ البحار : 68/140] .. انتهى الحديث الشريف.

دقائق الملاحظات
مما نبه عليه أهل البيت شيعتهم
في باب الرضا بالقضاء

واعلم أنّ لأهل البيت تنبيهات على مقامات عالية في الرضا بالقضاء ، فهنيئاً لمن تنبّه لها ، وعثر عليها ، فإنها من كنوزهم (ع) التي أودعوها صفحات الكتب ، عسى أن تصل إلى أهلها مع علمهم بقلّتهم ، وقليلٌ ما هم ، وقليلٌ من عبادي الشكور.
فرجونا أن يشرّف الله كتابنا هذا ، بجمع نبذٍ منها ما لم يجتمع في غيـره ، فإنّ عمدة قصدنا فيه الإشارة إلى ما لم يُسطّر ، أو الانتقاد لما قد سطر ، ما لم يصدر من عين صافية.

فمنها أنهم ألزموا أنفسهم بعدم الانتصار لأنفسهم في مقامات الابتلاء ، بل يتلّقون البلاء بالتسليم والصبر ، حتى يجيئهم الأمر الخاص بتدارك وارد البلاء، ودفعه بالدعاء.

ولذلك كان يظهر عليهم في بعض الأحوال حال الخضوع لله والانكسار بين يديه ، لفقد أدنى الأشياء من الغذاء والماء ، مع تمكينهم من كلّ شيءٍ بالدعاء ، فما ذلك إلا لما لزموا به أنفسهم وقيدوها بعدم الانتصار لأنفسهم بالدعاء ، وترجيح جانب الصبر عليه ، مع تخييرهم بين الاصطبار والانتصار ، إلا أنّ أفضل الفردين عندهم الاصطبار ، وهم لا يتركون الأولى أبداً حتى يجيئهم الأمر الخاص بترجيح الفرد الآخر.

يفصح عن هذا المعنى قضية علي بن الحسين (ع) لما شكا إليه بعض شيعته الحاجة ، فبكى الإمام (ع) رحمةً له ، فقال له: يا سيدي ، وهل يُعدُّ البكاء إلاّ للمصائب والمحن الكبار ؟!..
فقال له: وأي محنةٍ ومصيبةٍ أعظم من أن يرى المؤمن بأخيه فاقةً ولا يقدر أن يسدها.
فخرج ذلك الشيعي من عند الإمام متحيّراً ، فبلغه قول النصاب : ما أعجب أمر هؤلاء !.. ساعة يدّعون أنّ السماوات والأرض تطيعهم ، وأنّ كلّ شيءٍ بأيديهم ، وساعةً يعجزون عن إعانة بعض شيعتهم بشيءٍ يسير!..
فرجع ذلك الفقير إلى الإمام (ع) قائلاً : مصيبتي بكلام هؤلاء النصاب أعظم من مصيبتي بفقري ، وشدة حاجتي.
فقال الإمام (ع) : ويلهم !.. أما علموا أنّ لله أولياء لا يقترحون على الله !.. يا عبد الله !.. قد أذن الله بفرجك ، ثم أعطاه فطوره وسحوره .. ففرّج الله عنه بذلك فرجاً عاجلاً ، ورزقه درّةً عظيمةً في جوف سمكة ، فباعها بمالٍٍ غزيرٍ ، ثم ردّ القرصين إلى الإمام (ع). [ البحار: 46/20باختلاف الألفاظ ] .. والحكاية مشهورة ومحلّ الشاهد منها قوله :
“أما علموا أنّ لله أولياء لا يقترحون “.

ونظيرها قضية سلمان الفارسي (ره ) لما ابتُلي باليهود وهم يضربونه ويقولون: لم لا تدعو الله بمحمد وعلي أن يعجّل بهلاكنا ، ويخلّصك من أيدينا ؟!..
فيقول لهم : الصبر أفضل ، وأنا أدعو الله أن يصبّرني ، ولعلّ الله أن يخرج من أصلابكم مؤمناً ، فلو دعوت الله عليكم بالهلاك كنت قد قطعت مؤمناً من الإيمان ، فلم يدع عليهم حتى انكشف الحجاب بينه وبين رسول الله (ص) فأمره بالدعاء عليهم ، وأخبره بأنه ليس في أصلابهم مؤمن . تفسير الإمام العسكري : 68..
والقضية في تفسير الإمام العسكري (ع) عند قوله تعالى :
{ الذين يؤمنون بالغيب } . [ البقرة/3 ] .. من أحبها فليراجعها فهي من أعاجيب الدهر ، ولا عجب من تشبّه بساداته حتى أخبروا عنه أنه منهم أهل البيت (ع).
ومن هذا الباب قضية المعراج ، حيث كلف النبي (ص) بخمسين صلاة فلم يراجع ربه ، حتى سأله موسى (ع) المراجعة ، فلم يزل يراجع ، ويخفّف عنه وعنهم حتى انتهت إلى خمس صلوات ، فسأله موسى المراجعة ، فقال: قد استحييت من كثرة المراجعة.
فأوحى الله إليه : أنك لما صبرت على الخمسة ، فهي لكم عندي بخمسين. [ البحار : 18/348باختلاف ] ..

فكان التماس موسى ، بمنـزلة الأمر الخاص بطلب التخفيف ، وقبل ذلك لم يستبح السؤال ، وقد اشتملت الرواية على ذلك صريحاً لما سئل الإمام (ع) : كيف لم يسأل النبي (ص) التخفيف من الله قبل ذلك ؟..
والحاصل أنّ كلّ الأنبياء السابقين ، ربما يصدر منهم استعفاء من بعض الابتلاءات ، أو التكاليف الشاقة المتعلّقة بأممهم.

وأما نبينا محمد (ص) وأهل بيته (ع) فلم يتفق لهم الاستعفاء في مقام من المقامات ، لكن لتلقيهم الوارد بالقبول ، يجيئهم العفو تفضّلاً ببركة التوطين على الالتزام بما فيه المشقة والامتحان ، فصارت شريعتهم بسبب ذلك أخفّ الشرائع وأسهلها ، حتى قال النبي (ص) : جئتكم بالشريعة السمحة السهلة.

ولقد أجاد عقيل بن أبي طالب بتسليته لأبي ذر حين طردوه إلى الربذة ، فخرج معه علي والحسنان وعقيل ، مشيعين له ، فقال له عقيل في جملة كلامٍ له للتسلية : إنّ استعفاءك البلاء من الجزع ، وإنّ استبطاءك العافية من اليأس ، فدع الجزع واليأس ، وقل : حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل. البحار : 22/436..
وقد تقدّم لك أنّ هذه المقامات الدقيقة ، مأنوسةٌ عند خواص أهل البيت (ع) الذين حظوا بطول الصحبة حتى اقتبسوا من مشكاتهم هذه الأنوار.

ولا يثبطنك الشيطان عن أخذ حظّك مـن هذه المقامات ، بمـا ألقاه على ألسنة أهل عصرنا هداهم الله ، من أنّ هذه المعاني مقصوّرةٌ علـى أهل البيت (ع) ، وهي من خواصهم ، فليس الخطاب بها شامـلاً لأمثالنا. (6)

(6)لقد وضع المصنف هنا يده على الجرح إذ أشار إلى تلبيسٍ عظيمٍ من تلبيسات إبليس ، فشتان بين التلبيس في جزئيات الطريق بعد السير فيه ، وبين التلبيس الذي يصدّ العبد عن أصل الحركة في الطريق وهذا هو السر في أن السير إلى الله تعالى صار استثناءً لا يتحقق إلا للنوادر من العباد ، وكان الأصل هو الركون إلى الدنيا ، والتثاقل إلى متاعها ، والاكتفاء بأقل الواجب الذي لا يحقق روح الشريعة، ولهذا ترى الذين ينكرون ضرورة هذا السير – الذي دعا إليه القرآن بقوله {فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا}(المزمّل/ 19) – لا يعيشون حلاوة الشريعة في عباداتها ، ولا يحققون التكامل الجوهري في تشريعاتها( المحقق )

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني36

36 وهو قول النبي (ص) لأبي ذر : أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم ...