الرئيسية / زاد الاخرة / الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

المقرض ، وفي ذلك إنهاك لهذا الطرف وتفتيت للمال بواسطة القرض .
أما في المعاملة الثانية : فإن الزيادة يعطيها االله لعبده المنفق من غير أن ينقص من مال االله
شيء ، وهذا هو النماء الحقيقي الباقي الذي تشمله بركة االله ، أما المال الذي يحصل من الربا فلا
يكتب له التوفيق بل هو مال سحت يبغضه االله سبحانه .

الصورة الرابعة من التشويق :

االله يأخذ الصدقات

وهذا النوع من التشويق تصرح به الآية الكريمة ، والأخبار الكثيرة حيث تخبر المنفق بأن
الطرف في هذه العملية الإنسانية الطيبة هو االله لا الفقير لتصريحها بأن االله يأخذ الصدقات ، أو
هو يتقبلها ، أو أن الصدقة تقع في يده أولاً ، ومن ثم ليد الفقير على اختلاف في العبارات التي
وردت في الآية ، أو الأخبار إلا انها على اختلافها ترمز إلى معنى واحد ، وهو أن الفقير واسطة
بين االله والمنفق فهذا يعطي وذاك يأخذ .
يقول سبحانه :
( ألم يعلموا أن االله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن االله هو التواب الرحيم )
(١) .
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة مطالب ثلاثة عطف احدهما على الآخر فكان الحكم في الجميع
واحداً .
« إن االله هو يقبل التوبة عن عباده » :
____________
(١) سورة التوبة | آية : ١٠٤ .

===============
( ٨٢ )

وهذا هو المطلب الأول ، ولا مجال للشك في أن قبول التوبة من العبد مختص باالله وحده
لتصريح الآية بذلك ، ولأنه هو الذي يغفر الذنوب صغيرها وكبيرها .
« ويأخذ الصدقات » :
وهذا هو المطلب الثاني وبحكم العطف في الآية لا بد أن نقول : إن من يأخذ الصدقة من
المنفق هو االله لأنه كما يقبل التوبه من عباده ، وان ذلك مختص به كذلك هو يأخد الصدقات .
« وأن االله هو التواب الرحيم » :
وهذا هو المطلب الثالث حيث أخبر عن نفسه بأنه التواب ، وهو مبالغة في قبوله للتوبة ، وهو
الرحيم بعباده فلا يستوحش العبد إذاً من ذنوبه إذا كان الغافر هو التواب الرحيم .
ولا يأس من الجزاء إذا كان آخذ الصدقة هو االله سبحانه ، وانها تقع بيده أولاً .
فعن جابر عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال :

« قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تصدقت يوماً بدينار فقال لي رسول االله ( صلى االله عليه
وآله ) أما علمت أن صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى تفك به من الحي سبعين شيطاناً ، وما
تقع في يد السائل حتى تقع في يد الرب تعالى ألم يقل هذه الآية : الم تعلموا أن االله هو يقبل
التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات » .
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :
« كان أبي اذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم إرتجعه
===============
( ٨٣ )

منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل فأحببت أن أقبلها إذ وليها االله ثم وليتها وان صدقة الليل
تطفيء غضب الرب ، وتمحوا الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار تنمي وتزيد في العمر
« (١) .
وفي أخبار أخرى جاءت عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيضاً :
(٢) « ما من شيء أو ليس من شيء إلا وكّل به ملك إلا الصدقة فإنها تقع في يد االله سبحانه »
.
قال : (٣) وفي حديث آخر عن اللإمام الباقر ( عليه السلام )
« قال االله سبحانه تعالى : أنا خالق كل شيء وكلت بالأشياء غيري الا الصدقة فإني أقبضها
بيدي حتى أن الرجل والمرأة يتصدق بشق التمرة فأربيها له كما يربي الرجل منكم فصيله وفلوه
(٤) حتى أتركه يوم القيامة أعظم من أحد » .
ولمذا إذا يتأخر المنفق ، أو يتقاعس عن القيام بمثل هذا التقديم الله واالله هو الذي يأخذ منه
ويوفي له حسابه .

____________
(١ و ٢ و ٣) لاحظ لهذه الأخبار وسائل الشيعة ٦ | ٣٠٣ .
(٤) الفلو : بالكسر المهر المفطوم أو الذي بلغ سنة .

===============
( ٨٤ )

الصورة الخامسة من التشويق :

الاسراع بالتصدق قبل فوات الأوان

وتنحوا آيات ثلاثة من القرآن نحواً جديداً في الحث والتشويق على الانفاق ذلك إنها أخذت
تذكر الناس بأن يسارعوا إلى تقديم هذه المعونات إلى الفقراء ما دامت الفرصة حاصلة لهم
وبإمكانهم أن يعملوا أعمالاً صالحة تكون لهم المخزون الاحتياطي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون
وتحذرهم من مغبة اليوم الذي يقف الموت حائلاً بينهم وبين كل حركة لهم .
يقول سبحانه :
( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
. (١) والكافرون هم الظالمون )
وفي آية أخرى :
( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية من قبل أن يأتي
. (٢) يوم لا بيع فيه ولا خلال )
____________
(١) سورة البقرة | آية : ٢٥٤ .
(٢) سورة ابراهيم | آية : ٣١ .

===============
( ٨٥ )

ذلك اليوم الذي تقف فيه الحركة التجارية فلا بيع ولا شراء ، ولا صديق يقف إلى جانب
صديقه ، ولا شفيع يشفع لصاحبه .
ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ، وقد بلغت القلوب الحناجر .
ذلك اليوم الذي ينادي من فاته الركب : ( رب ارجعوني لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ) ؟
فيأتيه الجواب :
« كلا إنها كلمة هو قائلها » .
أن القرآن يهيب بالإنسان أن يعمل صالحاً بإقامة الصلاة ، وهو الواجب الروحي وبالإنفاق
وهو الواجب المعنوي قبل أن يأتي ذلك اليوم فتغلق بوجهه الأبواب ويواجه المصير من غير
تدارك لما فات .

وهكذا نرى القرآن لا يكف عن ان يذكر الإنسان قبل فوات الأوان ، وتفويته الفرصة الذهبية
فيقول تعالى في آية ثلاثة :
( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا اخرتني إلى أجل
. (١) قريب فأصدق وأكن من الصالحين )
وهذه الآية لا تختلف عن الآيتين السابقتين من حيث الاطار العام ، وهو أن الاسلوب القرآني
يدعو فيها إلى تنبيه الإنسان الى المبادرة إلى الانفاق من قبل أن تفوت عليه فرصة العمر ، ولكن
____________
(١) سورة المنافقون | آية : ١٠ .

===============
( ٨٦ )

الذي نلمحه من خلال هذه الآية الكريمة هو الطلب الذي يطلبه من فاتته الفرصة بعد الموت من
ربه ليعود إلى الدنيا والغاية التي يريد تحقيقها من هذه العودة وهي قوله عزوجل :
« فأصدق وأكن من الصالحين » :
ان هذا التركيز من مثل هذا الإنسان على التصديق وبه ليكون من الصالحين يعطينا أهمية ما
يكشف له في ذلك العالم ، وهو يرى آثار الصدقة بما فيها الزكاة أو الانفاق المطلق في سبيل االله
لذلك يأخذه الندم على عدم القيام بها ، وإنه لم يقل لأعمل العمل الفلاني أو أي عمل من الأعمال ،
بل صرح بالتصدق بل وأخذ يعض يديه ندماً على ما فرط في حياته من عدم الالتفات إليه . . .
ولكن هيهات فقد انتهى كل شيء وعادت النفس إلى ربها :
إما مطمئنة راضية .
وإما نادمة حيث لا ينفعها الندم والأمر يومئذ الله وحده .
وقد جاء عن رسول االله ( صلى االله عليه وآله ) انه سئل عن أي الصدقة أفضل ؟ فقال :
« تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخاف الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان
. (١) كذا ولفلان كذا »
____________
(١) وسائل الشيعة ٦ | ٢٨٢ .

===============
( ٨٧ )

الصورة السادسة من التشويق :

للصدقة مزايا عديدة

ومن ثنايا الأخبار نرى كثيراً منها تشوق المنفقين ، وتذكر للصدقات والاحسان إلى المحتاجين
خصائص كثيرة البعض منها تصرح بفوائد تعود على المنفق في الدنيا ، والبعض الآخر تنفع
المنفق فيما يخص آخرته :
فمن القسم الأول : ما جاء عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) قوله :
. (١) « استنزلوا الرزق بالصدقة »
وفي حديث عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) :
« أن البر ، والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة من
. (٢) السوء »
وعنه ( عليه السلام ) في حديث آخر :
____________
(١) البحار ـ ١٩ | ١١٨ .
(٢) الخصال ـ ١ | ٢٥ .

===============
( ٨٨ )

. (١) « وان االله يعطي بالواحدة عشرة إلى مائة الف فما زاد »
ويقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
. (٢) « إن الصدقة تقضي الدين وتخلّف البركة »
وعنه ( عليه السلام ) ايضاً :
. (٣) « ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا الا أحسن االله الخلافة على ولده من بعده »
وعن الإمام الرضا ( عليه السلام ) :
« انه كان في بني اسرائيل قحط شديد سنين متواترة ، وكان عند امرأة لقمة خبز فوضعتها في
فيها لتأكلها فنادى سائل : يا أمة االله الجوع فقالت المرأة : أتصدق في مثل هذا الزمان فأخرجتها
من فيها فدفعتها إلى السائل ، وكان لها ولد صغير يحتطب في الصحراء فجاء الذئب فحمله
فوقعت الصيحة فعدت الأم في أثر الذئب فبعث االله تبارك وتعالى جبرائيل فأخرج الغلام من فم
. (٤) الذئب فدفعه إلى أمه ، فقال جبرائيل : يا أمة االله أرضيت ؟ لقمة بلقمة »

ويقول النبي ( صلى االله عليه وآله ) :
. (٥) « داووا مرضاكم بالصدقة »
____________
(١) وسائل الشيعة ٦ | ٢٥٦ .
(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ | ٢٥٥ .
(٣) وسائل الشيعة ـ ٦ | ٢٥٥ .
(٤) ثواب الاعمال ـ ١٤٠ .
(٥) قرب الاسناد ـ ٧٤ .

===============
( ٨٩ )

ومثل هذا جاء في كثير من الإخبار ، وقد عقّدت كتب الحديث أبواباً عديدة لذكر الأحاديث
التي صرحت بهذه الفوائد التي يجنيها المنفق من وراء احسانه وتصدقه .
ولماذا نستبعد ونستكثر مثل هذه الفوائد على الصدقة ؟
فالقضية قضية تعويض من االله سبحانه لعبده المنفق يعوضه بهذه المزايا الدنيوية جزاء هذا
التفقد الذي يصدر منه ونتيجة هذا التعاطف من بعض الناس مع الآخرين .
وأما القسم الثاني : فقد روي عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) قوله :
. (١) « أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظلله »
وعن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال :
. (٢) « الصدقة جُنة من النار »
وقد جاء عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قوله :
« ولأن أعول أهل البيت من المسلمين وأشبع جوعهم ، وأكسو عورتهم ، وأكف وجوههم عن
الناس أحب اليَّ من أن أحج حجة ، وحجة حتى أنتهى الى عشر مثلها ومثلها حتى انتهى الى
. (٣) سبعين »
بهذه النفسية العالية يواجهنا الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) وبهذا القلب الذي تتفجر
منه الرحمة من كل جوانبه يتجه
____________
(١) وسائل الشيعة ـ ٦ | ٢٥٦ .
(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ | ٢٥٨ .
(٣) ثواب الاعمال ـ ١٤١ .

===============
( ٩٠ )

الإمام ليدخل

شاهد أيضاً

لأكون مع الصادقين د. محمد التيجاني

الطريقة، ففكر قليلا ثم قال: ” يا جماعة أنا عندي رأي في هذه المسألة ” ...