الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران

لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران

القسم الثاني

وعلى أساس هذا الإيمان يقرر الأمور التالية:
1 ـ إن الله سبحانه وتعالى هو مصدر السلطات جميعاً.
وهذه الحقيقة الكبرى تعتبر أعظم ثورة شنّها الأنبياء ومارسوها في معركتهم من أجل تحرير الإنسان من عبودية الإنسان.

وتعني هذه الحقيقة أن الإنسان حر، ولا سيادة لإنسان آخر أو لطبقة أو لأي مجموعة بشرية عليه، وإنما السيادة لله وحده. وبهذا يوضع حد نهائي لكل ألوان التحكم وأشكال الاستغلال وسيطرة الإنسان على الإنسان.

وهذه السيادة لله تعالى التي دعا إليها الأنبياء تحت شعار (لا إله إلا الله)، تختلف اختلافاً أساساً عن الحق الإلهي الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة قروناً من الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين، فإن هؤلاء وضعوا السيادة اسمياً لله لكي يحتكروها واقعياً وينصبوا من أنفسهم خلفاء لله على الأرض.

وأما الأنبياء والسائرون في موكب التحرير الذي قاده هؤلاء الأنبياء والأمناء من خلفائهم وقواعدهم، فقد آمنوا بهذه السيادة وحرروا بها أنفسهم والإنسانية من ألوهية الإنسان بكل أشكالها المزورة على مر التاريخ، لأنهم أعطوا لهذه الحقيقة مدلولها الموضوعي المحدد المتمثل في الشريعة النازلة بالوحي من السماء، فلم يعد بالإمكان أن تستغل لتكريس سلطة فرد أو عائلة أو طبقة بوصفها سلطة إلهية.

ومادام الله تعالى هو مصدر السلطات وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعي المحدد عن الله تعالى، فمن الطبيعي أن تحدد الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الإسلامية.

2 ـ إن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، بمعنى أنها هي المصدر الذي يستمد منه الدستور وتشرع على ضوئه القوانين في الجمهورية الإسلامية، وذلك على النحو التالي:

أولاً ـ إن أحكام الشريعة الثابتة بوضوح فقهي مطلق تعتبر بقدر صلتها بالحياة الاجتماعية جزءاً ثابتاً في الدستور سواء نص عليه صريحاً في وثيقة الدستور أو لا.

ثانياً: إن أي موقف للشريعة يحتوي على أكثر من اجتهاد، يعتبر نطاق البدائل المتعددة من الاجتهاد المشروع دستورياً، ويظل اختيار البديل المعين من هذه البدائل موكولاً إلى السلطة التشريعية التي تمارسها الأمة على ضوء المصلحة العامة.

ثالثاً ـ في حالات عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم أو إيجاب، يكون للسلطة التشريعية التي تمثل الأمة أن تسن من القوانين ما تراه صالحاً، على أن لا يتعارض مع الدستور، وتسمى مجالات هذه القوانين بمنطقة الفراغ، وتشمل هذه المنطقة كل الحالات التي تركت الشريعة فيها للمكلف اختيار اتخاذ الموقف، فإن من حق السلطة التشريعية أن تفرض عليه موقفاً معيناً وفقاً لما تقدره من المصالح العامة، على أن لا يتعارض مع الدستور.

3ـ ان السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قد أسندت ممارساتها إلى الأمة، فالأمة هي صاحبة الحق في ممارسة هاتين السلطتين بالطريقة التي يعينها الدستور، وهذا الحق حق استخلاف ورعاية مستمد من مصدر السلطات الحقيقي وهو الله تعالى. وبهذا ترتفع الأمة وهي تمارس السلطة إلى قمة شعورها بالمسؤولية لأنها تدرك بأنها تتصرف بوصفها خليفة لله في الأرض فحتى الأمة ليست هي صاحبة السلطان، وإنما هي المسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى عن حمل الأمانة وأدائها {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان}.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...