الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 17

الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 17

إنّ هذه القدرات إنما تتهيأ له عن طريق السير في صراط التقرب من الله والإقتراب من مصدر الوجود, وما ولاية التصرف إلا هذا.

يحسب بعضهم أن إرادة صاحب المعجزة وشخصيته لا تأثير لهما في المعجزة، وإنه ليس سوى الستارة التي تظهر عليها الصورة, وإن الله يقوم بالمعجزة مباشرة وبدون وساطة أحد، على اعتبار أن حدود المعجزة خارجة عن حدود القدرة البشرية، مهما يكن مقام صاحبها. وعليه، فإن حدوث المعجزة لا يعني تصرف الإنسان بالكائنات، وإنما الخالق هو الذي قام بذلك مباشرة وبغير تدخل الإنسان.

هذا ظن بعيد عن الصواب، فعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى يأبى أن يقع فعل طبيعي بلا وساطة خلافاً للنظام، فإن هذا التصور يناقض النصوص القرآنية. إنّ القرآن يقول بكل صراحة أن أصحاب الآيات (المعاجز) هم رسله، ولكنهم يفعلون ذلك بإذنه وبديهي أن هذا الإذن ليس مجرد إذن اعتباري بشري يلفظ باللسان أو يمنح بالإشارة فيزيل استحالته الأخلاقية أو الإجتماعية. إنّ إذن الله هو الكمال الذي يكون سبباً لظهور هذا الأثر. وإذا شاء الله فإنه يسلب منه ذلك الكمال. يقول الله سبحانه في سورة المؤمن، الآية 078
{ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}[9].
فأصحاب الآيات في هذه الآية هم رسول الله، ولكن بإذن منه. إنّ هذا الإذن يضاف هنا لئلا يحسب أحد أن لأحد استقلالاً ذاتياً في قبال الله سبحانه، بل إنّ على الجميع أن يعرفوا أنْ:
{لا حول ولا قوة إلا بالله}.
فكل كائن، مهما تكن مرتبته، فإنه ينفذ إرادة الله ويجري مشيئته، وإنه أحد مظاهره، كذلك هم الأنبياء الذين يتكئون في إعجازهم على المنبع الغيبي الأزلي، إذ منه يستمدون العون.

سورة النمل المباركة تشير إلى قصة النبي سليمان وملكة سبأ. وإحضار سليمان الملكة. وحضور الملكة أمام سليمان. إذ يطلب سليمان من الحاضرين في مجلسه أن يحضر أحدهم عرش الملكة قبل حضورها، فيتطوع بعض الحاضرين للقيام بذلك، إلا أن سليمان لا يعجبه نوع عملهم:
{ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[10].
فهذا العالم قال إنه قادر على الإتيان به في تلك البرهة الوجيزة، أي أنه نسب إلى نفسه القدرة لأنه كان عنده بعض العلم. وهذا يعني أنه حقق ذلك العمل الخارق للعادة بموجب نوع من العلم، وإن ذلك العلم ليس من تلك الأنواع التي سجلت حتى الآن في سجلات البشر، وإنما هو علم يرتبط باللوح المحفوظ، ولا يمكن التوصل إليه إلا عن طريق القرب من الله سبحانه.

ويضيف القرآن قوله عن النبي سليمان:
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ *وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ*وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[11].
ومن الآيات التي ترد بخصوص معجزات عيسى بن مريم (ع) نستنتج هذا المعنى ذاته, ولا حاجة لذكرها خشية الإطالة. القصد هو أنه لا يمكن القبول بالقرآن, وإنكار ولاية التصرف في الكائنات, أما إذا شاء أحدهم أن ينظر إلى هذا الموضوع من حيث وجهة النظر العلمية والفلسفية، فإن ذلك أمر آخر خارج عن مجرى كلامنا الآن.
وفي الختام أود أن أوضح النقطة التي أوردتها في البداية، وهي أن جميع هذه المراحل هي نتيجة (القرب) من الله، وأن القرب من الله قرب حقيقي وليس تعبيراً مجازياً:
في الحديث القدسي المعروف الذي يرويه السنة والشيعة ترد هذه الحقيقة بصيغة جميلة. يروي الإمام الصادق(ع) عن النبي(ص):
قال الله عز وجل: (ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليقترب إليّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها. إن دعاني أحببته وإن سألني أعطيته)[12].

في هذا الحديث روح القضية قد ذكرت. فالعبادة تؤدي إلى القرب، والقرب يؤدي إلى المحبوبية عند الله. أي إنّ الإنسان بالعبادة يقترب من الله، ويكون من نتائج هذا القرب أن ينال عناية خاصة، وتصبح حواسه إلهية، فبالقدرة الإلهية يسمع ويرى وينطق ويبطش، ويستجاب دعاؤه ويعطى سؤاله.
في الواقع إن روح مذهب التشيع التي تجعله متميزاً على سائر المذاهب الإسلامية، وتمنح أتباعه رؤية إسلامية خاصة، هي هذه النظرة الخاصة التي يحملها هذا المذهب نحو (الإنسان) فهو من جهة يعتبر المواهب الإنسانية على درجة عظيمة من الروعة، ولا يرى أن عالم الإنسان يمكن أن يخلو يوماً من وجود إنسان كامل وصلت فيه جميع المواهب الإنسانية إلى الفعلية، ويرى من جهة أخرى، وبحسب نظرته الخاصة به، أن العبادة هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى المقامات الإنسانية، وإن طي طريق العبودية لله بصورة كاملة وتامة لا يكون إلا ضمن قافلة الإنسان الكامل الرفيعة وتحت رعاية ولي الله وحجته.

وبهذا قال أولياء هذا المذهب:
(بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية. ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية)[13]
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] الأنفال، الآية: 28.
[2] العنكبوت، الآية: 69.
[3] العنكبوت، الآية: 45.
[4] البقرة، الآية: 183.
[5] البقرة، الآية: 153.
[6] أنظر محاضرتنا عن (التقوى) في (ده گفتار).
[7] نهج الفصاحة، والجامع الصغير، ج1، الصفحة 102.
[8] مسند أحمد، الجلد 6، الصفحة 4.
[9] الرعد، الآية: 38.
[10] النمل، الآية: 39.
[11] سورة ص، الآيات: 36 ـ 39.
[12] الكافي، المجلد، 1 الصفحة 352.
[13] الوسائل، المجلد 1، الصفحة 4.

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...